رجب أبو سرية - عسل المرايا.. قصة جيل خائب الأمل .

لا أظن أن فلسطينيا في المنفى, أي ممن أمضى جلّ حياته خارج حدود فلسطين الجغرافية والاجتماعية, قد كتب نصا روائيا, منذ زمن جبرا إبراهيم جبرا, بجملة رواياته التي بلغت ذروتها في"البحث عن وليد مسعود", بمثل هذه الجذالة والبهاء اللذين جاءت بهما رواية "عسل المرايا" للمبدع/المثقف نافذ أبو حسنة, أي منذ نحو أربعة عقود من الزمان, تفصل ما بين ما بين هذا وذاك, أو ما بين عام 1978 العام الذي طبعت فيه "البحث عن وليد مسعود" والعام 2015 الذي طبعت فيه "عسل المرايا" .

جبرا ونافذ :

والمقارنة بين جبرا إبراهيم جبرا, ونافذ أبو حسنة أو بين روايتيهما, فيها الكثير من الوجاهة, التي لم تنشأ فقط بدافع ما انتابنا من متعة ونحن نقرأ روايتيهما, وحسب, بل تعود لأكثر من وجه شبه بينهما, فمعروف أن بطل جبرا كان دائما وفي كل رواياته يستمد ملمحه الرئيسي من كاتبه, من حيث هو أستاذ جامعي, مثقف, ينتمي للنخبة, مما رفع روايته إلى أن تحلق فوق "المستوى الشعبي" الذي كانت عليه رواية غسان كنفاني أو سحر خليفة, على سبيل المثال, وبطل "عسل المرايا" كان كذلك يستمد ملمحه الأساسي من كاتب النص, لا من حيث العمر وحسب, ولكن من حيث التنقل في الأماكن ومن حيث طبيعته الشخصية كمثقف, تتحدد قناعاته وأفكاره وقيمه من انتمائه للمقاومة أولا ومن عمله كصحفي وباحث ثانيا, رغم أن نقطة تبأير النص أو محوره أي حدثه الرئيسي, قصة الحب التي جمعت عبد الرحمن بسلام , على الأرجح هي من خارج سياق السيرة الذاتية, وإن لم تكن بالضرورة محض خيال .

والراوي هنا أو السارد رغم أنه تحدث بصيغة الهو, كمن يسرد حكايا الآخرين, إلا أنه كان فعليا كمن يحكي قصة حياة عبد الرحمن نفسه حيث كان يمكن أن يكتب النص كله بصيغة أناه, ولعل ما ظهر ليس فقط من تمركز النص حول مآله وقصته المركزية في النص مع سلام, ولكن استنادا إلى اللغة التي كانت في مسارها السردي الخاص بعبد الرحمن تكشف مكنوناتها الداخلية كما لو كانت بوحا, والى كونها, أي اللغة جاءت سلسة وعميقة في نفس الوقت, لغة المثقف الصحفي, الذي لديه الكثير على الصعيد المعرفي, و يمتاز بمتابعة الأحداث السياسية التي تحيط به, كما لو كانت تأتي على شكل المقال أو التقرير أو الدراسة, التي تتوافق مع من يعمل في مركز بحثي .

وحيث كانت حياة الفلسطيني المنفي الذي يدور حول فلسطين بسبب استحالة عيشه فيها, قلقة, لا تتيح له التعايش أو الانخراط في المجتمع الذي يعيش فيه, رغم كل قناعاته العروبية, فقد عاشت الشخصية الروائية كما هو حال الفلسطيني في واقع المنفى, على هامش الحياة, تبدو غريبة الأطوار أو معقدة, أو معزولة, حيث لا يمكنها أن تقيم بيتا أو أسرة, وكأن مقولة النص هنا , المرتبطة بعجز عبد الرحمن عن الزواج, أو الارتباط مع امرأة برباط الزواج بما يعنيه من استقرار وإنجاب أنما هو أشارة لاستحالة أن يقبل الفلسطيني في المنفى, خيار التوطين بالخارج, وهذا دليل على "تمثيل" الشخصية الروائية للشخصية في الواقع أو الحياة في المنفى .

وكما كان بطل جبرا يستحضر من الذاكرة تفاصيل الوطن في سياق الحنين إليه, كبئر أولى, كان عبد الرحمن يستحضر الوطن من حكايا الجدة, أو مما تحضره من هناك من عسل وهدايا وذكريات, ومما يقوم به عبد الرحمن بحكم عمله بمتابعته من خلال ما يكتب ويتابع من أحداث سياسية .

عتبات النص :

يمكن القول بأن "عسل المرايا" هو نص روائي كلاسيكي من حيث المبنى السردي, فكل النص تم سرده على لسان الراوي السارد بضمير الهو, ولم يتم استخدام الحوارات بين الشخصيات إلا نادرا جدا, والنص بعيد عن أجواء المدونات التي تكتب حاليا من خلال كتاب الانترنت, ورغم أن النص تضمن إشارات تدل على التواصل عبر الهواتف النقالة, إلا أننا مثلا لم نلحظ استخدام "الثقافة الالكترونية" ولا التكنيك الرقمي, مثل الماسجات أو استخدام الفيسبوك أو السكايب أو ما شابه, وربما كان ذلك يعود إلى أن أبطال النص هم أناس من جيل ما قبل الجيل الشاب الحالي, خاصة عبد الرحمن الذي ارتكز إليه النص وهو بعمر ما بعد الأربعين وسلام التي كانت في النصف الثاني من العقد الثالث, وانتهى بهما الأول على مشارف الخمسين والثانية وقد تجاوزت الثلاثين .

أما هندسة النص, أو بناؤه فقد جاءت عبر عشرة فصول مرقمة وليست معنونة, وبرأيي كان هذا التقطيع من أجل إراحة القاريء, فالتقطيع الروائي كان يتم على أساس التتابع أو التعاقب الزمني, وفي نفس سياق السرد, أي لم يكن يجري للانتقال من مكان إلى مكان, أو من سارد لآخر .

لذا كان من الضروري قراءة النص دفعة واحدة, وكان النص كبيرا نسبيا, 300 صفحة قطع متوسط وتقريبا 60 ألف كلمة أي ضعف حجم النصوص الروائية التي تنشر حديثا هذه الأيام .

أما الإهداء فجاء : إلى من تعرف أنها هي, بما يوحي بواقعية الحدث الرئيسي وبأن سلام هي شخصية ظهرت في الواقع وليست متخيلة أو خيالية, هذا إذا اعتبرنا أن شخصية عبد الرحمن _تكاد تكون هي شخصية الكاتب_ فإن الشخصية الثانية التي حملت النص معه, تعرف أنها هي دون شك أو ريب أيا كان أسمها الحقيقي ما هي إلا سلام الشخصية الروائية, لكن الواقعية هنا لا تعني أنها حرفية تماما .

واللغة جاءت لغة صحفية, من السهل قراءتها, وقليلا ما كنا نجد الشخصيات تحدث نفسها عبر مونولوجات خاصة_باستثناء عبد الرحمن أولا وسلام ثانيا, فالسرد أنبنى على المشهد الخارجي في تفاعل الشخصيات وحواراتها فيما بينها, والسارد كان خارجيا والى حدود كبيرة محايدا, لكن اللغة كانت في غاية الروعة والسلاسة, لدرجة أنها كانت تشدك لمتابعة النص حتى آخره دفعة واحدة .

في الحقيقة كانت اللغة من أقوى أدوات النص أو أحد حوامله الرئيسية, التي ظلت قوية ولم تضعف أبدا ولا للحظة, حتى وهو يكتب تقريرا عن مقاطع الحروب, ظلت اللغة مدهشة,عميقة ومتدفقة وسلسلة, تدعوك لقراءة متواصلة دون فواصل للنص, وهنا كانت مقاطع النص, بفعل الكتابة وليس القراءة, ولا بهدف تبادل مواقع السرد أو زوايا العرض .

أما الأماكن ورغم تنوع حضورها, من بيروت إلى دمشق, بغداد, صيدا والجنوب, كذلك غزة وعمان, إلا أنه لم يكن هناك اهتمام بتفاصيل المكان, أو وصفه, لأن خط السرد كان مستقيما, وسار ضمن إحاطة خارجية هي عبارة عن الأحداث التي مر بها لبنان وفلسطين والعراق منذ عام 2003 إلى عام 2010 .

أما العنوان فجاء عبارة عن كلمة مركبة تجمع بين العسل والمرايا, والعسل يعني الحلاوة, والمرايا هي صورة الواقع والذات معا, ليس الواقع فقط, بل الواقع مضافا إليه الحلم أو المخيلة, العسل يحيل الذاكرة للجدة والأب, والمرايا لسناء, وكيف كانت تحتال على قهر الواقع وتتلصص على ابن الجيران بالمرايا والماء .


البطل / القلق :

وكما هو حال بطل جبرا الذي ابتعد عن الانخراط في الحدث السياسي الوطني بإرادته, كان عبد الرحمن بطلا من الجيل الثاني للثورة الفلسطينية بحكم عمره, حيث ولد مطلع ستينيات القرن الماضي, ونشأ بعد خروجها من بيروت, لكنه احتفظ في ذاكرته بنجاته من الموت في 67 وفي أيلول 1970, وحتى في بيروت 1982, أي انه بطل عاش زمن الخيبة المتواصلة, من انحدار أو تردي السياق العام للثورة, ليس الفلسطينية وحسب, ولكن انحدار الواقع العربي برمته, بذلك هو انخرط بما تبقى من "ثورة" وأن كان على هامشها كأعلامي, وحين انتقلت للداخل أو حين جرت المواجهة في لبنان, ما كان يمكنه أن ينخرط فيها, ولكن ليس بإرادته .

الزمن الروائي :

زمن الخيبة المتواصلة, بدأ في 9 نيسان 2003, يوم سقوط بغداد, وانتهى في نيسان 2010, قبل ظهور الربيع العربي, الذي ربما يمكن تغطيته في جزء ثاني . أي سبع سنوات عجاف, بدت كفصل أول من زمن العرب الأمريكي .

ولعل الزمن الروائي هنا باختياره للحظة سقوط بغداد, أي منذ نيسان عام 2003 إلى نيسان عام 2010, ما يكشف جوهر وكنه النص وحتى مقولته الروائية, حيث في هذا الزمن بالذات, لم يعد الفلسطيني قادرا على العيش في المنفى, ولا حتى على هامشه, بعد أن فشل في تحقيق أدنى مقومات الاستقرار وهو الزواج وتكوين الأسرة .

وفي الحقيقة فإن اختيار النسيج الاجتماعي وليس الكفاحي, واختيار بطل النص كشخص, وليس بمقاتل كما فعلت رواية المنفى الفلسطينية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي_باستثناء جبرا بالطبع_ كان محاولة للتعامل مع الفلسطيني كانسان من لحم ودم, وهنا كانت فصول دراما عبد الرحمن قد بدأت منذ طفولته, حين ماتت أمه, وكان وحيدها, فتزوج أبوه من أخرى ليجد له أخوة غير أشقاء, وبيئة أسرية طارده, حاول أن يجدها في "الحزب" أي في المقاومة, لكن الوقت كان قد فات, ففي ذلك الزمن لم يكن من عمل تقوم به المقاومة وحزبه اليساري سوى أن تقاتل في أوزو, بين تشاد وليبيا, الأمر الذي كان سببا في تركه الحزب, أو في خروجه من إطار ما تبقى من مقاومة فلسطينية .

ولعل هذا أيضا كان السبب الذي أفضى بزواجه من رفيقته إلى الفشل بعد شهرين فقط, لتتأكد لدى عبد الرحمن قناعته بأنه غير قابل للزواج والاستقرار, وبالتالي لبناء أسرة والإنجاب .

وما كان التعلق بحبال ما ظهر من مقاومة في لبنان وحتى في غزة لاحقا كافيا لأن يطمئن عبد الرحمن بأنه بات بمقدوره أن يعيش حياة طبيعية, رغم حاجته للحب ولامرأة تعوض له أمه التي لم يعرفها جيدا, بل التي لم تحضر ولا حتى بالاسم في الرواية, ذلك أن ما بعد بغداد بات زمنا عربيا/أمريكيا تلاحق فيه المقاومة وكل قوة تقف في وجه إسرائيل .

ولعل انتهاء النص بأحداثه في نيسان عام 2010 أي قبل ظهور ما يسمى بالربيع العربي, إشارة لهذا الزمن على أن ما حدث ما هو إلا مقدمة لما سيأتي, والذي يمكن أن يكتب في جزء ثاني, لكن عبد الرحمن, ما عاد بمقدوره أن يحتمل ما آلت إليه الحال من ترد وانهيار, فأصيب بالسكري, والسكري بالطبع يصيب عادة من يتعرض للانفعالات الزائدة, الناجمة عن غضب مكبوت أو قهر مزمن .

أجواء النص:

ثنائية الحب العاطفي : عبد الرحمن وسلام (هل أحب اسمها, لم يقم بترديده كثيرا ليدل على هذا)

يمكن القول بأن عسل المرايا هي قصة أخرى عن ثنائية العلاقة العاطفية بين رجل وامرأة أو هي قصة حب عبد الرحمن وسلام, لكنها رغم ذلك لم تحدث في الفراغ, بل في سياق اجتماعي مركب بين واقع محدد في لبنان, يقف على قدمين من الأحداث الصاخبة, المرتبطة بحزب الله ومقاومته في لبنان وحماس ومقاومتها في غزة, وقد كان في اختيار الفلسطيني اليافاوي/الغزي عبد الرحمن ما يشي بهذا الارتباط لأحد ركيزتي تلك المعادلة السياسية, وفي اختياره سلام ركيزته الثانية, اللبنانية الجنوبية التي تقيم في الضاحية الجنوبية من بيروت, بعد اجتياحه عام 1982, ما أجبر النص على دخول هذا المربع الاجتماعي, والتأثر بأحداثه خاصة في مواجهتها لإسرائيل .

وقد حاول هذا الثنائي أن يحقق معادلة النخبة, وحاول عبد الرحمن الشخصية القلقة أن يستقر مع سلام وفي بيروتها, وهو الذي كان يحب دمشق ولكنه لم ير فيها مستقرا, رغم أن إخوته وكذلك قبر أبيه فيها, ولأن بيروت خاصة ولبنان عامة, يتحقق فيها قدر من الحرية الشخصية, فكان أن توافق عبد الرحمن القلق وغير القابل للاستقرار والرافض لفكرة الزواج, وسلام المتمردة التي اختارته هي قبل أن يختارها, على التعايش دون عقد الزواج التقليدي, رغم أنهما ارتبطا بالرابط الشرعي القائم على الحب والإيجاب والقبول الشرعي, وهذا يعني بأن الفترة الأولى أو السنوات القليلة الأولى التي أعقبت سقوط بغداد لم تكن إلا مقدمة يمكن للعلاقة الانتقالية أن تنجح فيها, لكن صيرورة الزمن وتوالي الأحداث بمزيد من الانهيار والانحدار جعل حتى هذا الشكل غير قابل للاستمرار, بعد أن بدأ التراجع في المفاهيم والمعتقدات يضيق عليهما الخناق, فهاهو الشبابي رفيق وصديق وزميل درب وعمر عبد الرحمن, الذي كان يتحدث عنه باسمه الثاني_ الشبابي, وهو محتفظ له بصورته الحزبية الأولى حين كانا طالبين بالجامعة والحزب, يعود متدينا من عودة فاشلة لغزة, ومن بيروت للنرويج, وها هي سناء على الجهة المقابلة, ترتدي الحجاب وتواظب على الدروس الدينية لدى داعية, قبل أن تموت بالسرطان, لذا فقد بدأت فكرة الإنجاب تراود سلام, وتثقل كاهل علاقة تعايش ومساكنة جمعت الرجل والمرأة طوال نحو خمس أو ست سنوات روائية . لكن العلاقة الخاصة أو ثنائية عبد الرحمن_ سلام, كانت تنمو في سياق عام, رغم حالة العزلة التي يعشيها هذا الثنائي, وهذا السياق العام كان يتم بناؤه وتشييده من قبل السارد/الراوي/الكاتب عبر ما ينثره من جمل يعرض فيها أفكاره السياسية إزاء بغداد وصدام وإزاء ياسر عرفات, أوسلو والانتفاضة والحزب الذي كان ينتمي إليه إن كان من خلال ما استعرضه من حوارات بين الزملاء والأصدقاء أو من وحي الذاكرة, أو من بوح داخلي, لينير أجواء النص ويرسم لوحة واقعية لعلاقة عاطفية بين فلسطيني لاجيء ولبنانية مواطنة, بعد اجتياح لبنان, ليظهر المشهد كما لو كان لوحة هي عبارة عن الثوب الفلسطيني, فيما قصة عبد الرحمن_سلام هي ياقته !

نحن نظن بأنه لو كان قد اكتفى بالإشارات للأحداث الخارجية الواقعية لكان أفضل, ثم إنه كان كذلك يستبق الأحداث أحيانا, كما لو كان يكتب تقريرا صحفيا فيه تقدير موقف سياسي, كما جاء بالإشارة لاتفاق مكة قبل أن يدخل لعملية الوعد الصادق . هكذا يمكن القول بأنه, بين العام السياسي والخاص العاطفي تاهت مقولة النص إلى حد ما, بينما لو أنه كان ذهب باتجاه التأكيد على تمرد سلام على "شرقيتها" مكتفية بالحب دون الزواج, بل ومبادرة للعلاقة, ولو أنه اظهر عبد الرحمن كرجل متحرر من شرقيته التي ترفض أن يرتبط بامرأة سبق لرجل آخر أن "وطأها", والنص لم يأت مطلقا على حديث البكارة, سوى ما قالته عند أول مرة ناما فيها معا على سرير واحد ببيته, أشعر إنني عذراء مثل قطرة ندى ص97, لم تقل أنها كانت عذراء قبل قليل, بل إنها تشير إلى أن علاقتها السابقة مع ضرار وربما مع منير, إلى أن الممارسة هذه المرة مختلفة . لربما كان أفضل, لكن في الحقيقة لم يكن الكاتب مهتما بمجرد كتابة نص اجتماعي مسل, بل نصا يقول كلاما نبيلا, ويريد أن يقدم رواية محترمة, لها قيمة أدبية/نصية, وفيها انتماء ومقولة ولها هدف, لكنه مع ذلك يرتكز على القصة المركزية, فلم يلاحق السرد كثيرا الشخصيات الأخرى, باستثناء ضرار بمقطع قصير, حين عاد إلى بغداد, ولم يفعل الشيء ذاته مع الشبابي حين عاد لغزة, فلم يذهب بخط السرد وراءه.

النهاية أو قفلة النص :

بدأت الدائرة تضيق على علاقة متقدمة من ثنائية الرجل والمرأة تجاوزت التقليدي, وهي ظاهرة في لبنان الليبرالي على كل حال, إن كان بظهور حالة الفرز الطائفي في لبنان وفي المحيط من العراق لسوريا, أو باختفاء الدائرة الضيقة المحيطة بعبد الرحمن, متمثلة أولا باستشهاد ضرار, ثم باختفاء جمال/الجنرال, ثم بهجرة الشبابي وأخيرا بموت سناء . وقد توجت الحالة بإصابة عبد الرحمن نفسه بمرض السكري, لتنكشف له حقيقة أن هناك فارقا في العمر بينه وبين شريكته في الحياة التي هي تقوم أصلا, على هامش الحياة الواقعية التي تشبه حياة الروايات, أي سلام, لذا لم يكن أمامه وهو الرجل المتحرر من ارث شرقي, سمح له أن يرتبط بامرأة سبق لها أن عاشرت رجلين: صديقه العراقي ضرار وحتى منير, وهي التي تجاوزت ارثها الشرقي كامرأة مستلبة أو غير مبادرة, بأن سعت إليه, وحتى أنها قبلت الارتباط به دون ثوب عرس وحفل زفاف, لم يكن أمام عبد الرحمن, حين دق له السكري ناقوس الخطر, وهو مرض معروف انه يقلل من القدرة على الطاقة الجنسية, إلا أن يعرض عليها الانفصال .

هكذا يختم النص حكايته على نهاية مفتوحة, لكنها موجعة بقدر الوجع الذي في الواقع, ليقول لنا بأن ما نحلم به من تحرر وحرية عامة وشخصية في الاختيار والحياة أمر غير ممكن, في الزمن الأمريكي, وأن حياة الروايات المتخيلة إنما هي حياة أخرى غير الحياة في الواقع, وأنه حتى الحياة أو العيش على هامش الحياة بات يشبه الجحيم أو المستحيل, لذا فإنه ربما لم يعد ممكنا أمام من هم على شاكلة عبد الرحمن وسلام, إلا أن يذهبا إلى المجهول, ليس معا ولكن كل واحد على حده .

القاهرة 18/1/2018

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى