سعيد نوح - موتات ثلاثة لرجل واحد

عندما رأيت عيونه لااعرف لماذا تأكد لي انه سيموت في الحادية عشرة مساء اليوم‏.‏ يعود في الثانية والنصف يقف كثيرا امام الباب‏,‏ موتات ثلاثة لرجل واحد
سعيد نوح
عندما رأيت عيونه لااعرف لماذا تأكد لي انه سيموت في الحادية عشرة مساء اليوم‏.‏ يعود في الثانية والنصف يقف كثيرا امام الباب‏,‏ ويخرج محتويات جيوبه باحثا عن المفتاح يتذكر كل الاماكن التي دخلها اليوم‏.‏ كان في يده لما دخل مكتب البريد ليلقي بالخطاب الذي ظل اسبوعا يكتبه لصديقه في الصندوق الازرق‏,‏ وحكي له فيه كيف انه اصبح يتعصب علي زوجته التي يحبها لاسباب تافهة حتي ان زوجته قالت له ذات مساء من الاسبوع الماضي‏:‏
‏-‏ مالك يابابا انت زعلان مني في حاجة؟
فلم يستطع ان يرد عليها بعد ان القي الخطاب كان المفتاح معه تأكد له ذلك لانه كان يلفه حول اصبعه قبل ان يلقي في حجر العجوز ببعض الجنيهات اين ذهب؟ تري هل نسيته وانا اشتري الشيكولاته من اجل انجي التي ترفض ان تعطيني قبلة الا اذا اخذت بعض الحبات لما يئس من وجوده ضغط علي جرس الباب‏,‏ ففتحت له زوجته‏.‏ نظرت في عيونه ففاجأها ذلك الحزن المرابط فيهما ولما تخبره انه نسي المفتاح في الصباح تنتابه رعشة خفيفة وهو يحدث نفسه‏:‏
‏-‏ مفتاح من الذي كان يلفه في يده حين دعت له العجوز بالصحة وعند ذلك عاد اليها‏,‏ وطلب منها ان تدعو لانجي فدعت لها دون ان تقدر علي نطق الاسم سليما خرجت الزوجة من المطبخ مسرعة بعد ان وضعت الاكياس‏,‏ فوجدته يردد‏:‏
‏-‏ انتم عاوزين تجنوني مفتاح مين اللي نسيته؟
دخلت الزوجة الي حجرة النوم‏,‏ وعادت‏,‏ وهي تمسك بالمفتاح ووضعته في يده‏,‏ وهي تبكي اخذها في حضنه‏,‏ وضم يده علي ظهرها‏,‏ فاحست بالايام الخوالي التي كان فيها يضم يديه عليها‏,‏ ثم يرفعها‏,‏ ويمضي بها الي حجرة النوم‏,‏ في المساء يستعد لحضور انجي من المصيف بعد غياب اسبوعين‏.‏
حلق ذقنه خوفا من الشعيرات المدببة التي تؤلم خدها الرقيق‏,‏ خبأ قطع الشيكولاتة فوق رف التليفزيون‏.‏ لف ركبته برباط ضاغط حتي يستطيع ان يتحمل الطفلة حين تعتلي ظهره صنع لها الاومليت بيديه بين الحين والحين يخرج الي الشرفة‏,‏ ويعود الي الصالة لينظر في الساعة المعلقة رغم وجود ساعة في يديه‏.‏
‏-‏ انجي تأخرت كثيرا
تخفي المرأة انقباضة تحس بها منذ الصباح وتقول‏:‏
‏-‏زمانها جاية يابابا‏.‏
حين تعلن الساعة العاشرة والنصف يدخل الي حجرته‏,‏ ليغير ملابسه لكي ينزل يبحث عنها‏,‏ لايعرف سبب تأخرها الوحيد‏,‏ حيث دق الجرس كانت الساعة قد تجاوزت الحادية عشرة بخمس دقائق‏,‏ لما سقط علي الارض لم يكن يعلم ان انجي كانت في الطريق الي حضنه الذي كان مازال دافئا‏.‏
يعود في الرابعة‏,‏ ويقول لامرأته التي بلغت الثالثة والخمسين يوم السبت الفائت‏,‏ وداعبها كثيرا يومها‏.‏
راحا يتذكران سويا كم عيد ميلاد احتفلا به معا‏,‏ ثم يخرج من جيب الجاكيت هديتها التي كانت سبب تأخيره كل هذا الوقت في حين تظن انه كان مع امرأة اخري‏.‏
‏-‏انا متعب كثيرا يازوجتي‏.‏
تضرب الزوجة علي صدرها‏,‏ وهي تحدق فيه‏,‏ ثم تريحه علي السرير‏,‏ وتخلع له حذائة والقميص‏,‏ وتدلك له مكان الألم‏,‏ حين يدق جرس الهاتف‏,‏ ويسمع من بعيد صوت امرأته‏,‏ وهي تحدث انجي يحاول ان يقوم‏,‏ ولكنه يغيب عن الرعي‏,‏ في الحادية عشرة الا خمس دقائق يفيق للحظات يري فيها وجه ابنته وعيون امرأته‏,‏ فينظر فيهما‏,‏ فتخرج سريعا وتعود وهي ممسكة بيد انجي وعند ذلك يبتسم ليها‏,‏ وتدق الساعة الحادية عشرة تماما‏,‏ فيغلق عيونه في راحة‏.‏
يعود في الثالثة او الثالثة والربع علي اكثر تقدير‏.‏ يمسك بيده اكياس الفاكهة التي تحبها امرأته‏,‏ ويفتح الباب في هدوء‏,‏ فيجد امرأته تنظر اليه مبتسمة وهي تعلم انه يحب ان يفاجئها في المطبخ ويقول لها في صوت رومانسي‏.‏
‏-‏انا مين؟ فتقول وفي صوتها كثيرا من الدلال‏.‏
‏-‏ محمود‏.‏
فيحمر وجهه حين تنطق باسم محمود‏,‏ ويكاد يلقي بها الي الارض‏,‏ ولكنها تدير جسدها‏,‏ تمسك به وعي تقول له وهي تضمه الي صدرها‏.‏
‏-‏ لسه بتغير ياراجل؟
فيلعن ابوخاش محمود‏,‏ وكل من يمت له بصلة‏.‏ سبعة وعشرون عاما لم ير فيها محمود ذلك الا مرة واحد‏.‏ يومها اشارت عليه قالت له‏:‏
‏-‏ محمود ده‏,‏ كان هيموت ويتجوزني‏.‏
ورغم ان ذلك لم يحدث ابدا‏.‏ وانها فقط كانت تريد ان ترد علي معاكساته للبنات امام عينيها حين خرجت معه في ذلك اليوم الا انه ومنذ ذلك اليوم كره كل مايذكره بمحمود تمسك بأكياس الفاكهة‏.‏
وهي تقول‏:‏
‏-‏ تين وبلح علشان حبيبة بابا‏.‏
فيمسك بخصرها وهو يضحك ويقول‏:‏
‏-‏ وعيون بابا كمان‏.‏
يدخل الي حجرة النوم‏,‏ ويغير ملابسه‏,‏ ويحس بنغذة خفيفة في صدره‏,‏ فيتحامل علي نفسه ويدخل الي الحمام‏,‏ فيجد الماء الدافيء يملأ البانيو‏,‏ فيندس فيه‏.‏ تعاوده النغذة‏,‏ فينتفض واقفا تصطدم رأسه بسيراميك الحمام فيخرج الي الصالة والدماء تسيل من رأسه حين تراه زوجته تضرب صدرها وتمسك بيده وتريحه فوق السرير وتضمد له الجراح ينظر الي وجهها‏,‏ وهو يمسك من يدها بكوب الليمون فيري الهلع الواضح‏,‏ فيبتسم حتي يزيل مخاوفها حين يسمع صوت انجي يصحو تكون الساعة قد تجاوزت العاشرة والنصف ببعض دقائق‏.‏ تدخل اليه مسرعة‏.‏ يقول لها انه متوعك بعض الشيء فتندس رأسها الصغير في صدره وهي تقول له‏.‏
‏-‏ جدو عيان صح‏.‏ فتقول لها جدتها‏:‏
‏-‏ جدو زي الحصان‏.‏
فتزقطط الصغيرة وهي تردد‏:‏ جدو زي الحصان‏.‏ حين تعتلي ظهره فوق السرير يحاول التحرك بها‏,‏ فينكب علي وجهه‏,‏ فتضحك الصغيرة اكثر وهي تقول‏:‏ حا ياحصان ولكنه لم يتحرك كعادته فتجري الي ابيها الذي كان يجلس مع امه في الانتريه‏,‏ وتجذبه من يديه وهي تردد‏:‏ الحصان نام يابابا وحين ذلك تدق الساعة الحادية عشرة تماما‏.‏




* صدر للكاتب‏.‏
كلما رأيت بنتا حلوة أقول ياسعاد رواية الهيئة العامة لقصور الثقافة‏.‏
ودائما ما أدعو الموتي رواية الهيئة العامة للكتاب
وتمثال صغير لشكوكو‏-‏ متتالية قصصية دار ميريت و‏61‏ شارع زين الدين رواية‏-‏ روايات الهلال‏.‏

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى