محمد حافظ رجب - نحيب الزلزال والدرويش.. قصة قصيرة

محمد حافظ رجب.jpg

عادوا إلى ( مصلحة المظاليم ) بعد أن مشوا فى جنازة ( أم هودج اللحم العظيم ) .. وجدوا النساء يركبن الهواء .. يتأرجحن فوق المراجيح .. يصحن صيحـــــــات خرقاء ، يرقصن .. يلعبن لعبة الاستغمـــاية : (السوداء) فوق مكتب ( الثرثارة ) تفترش مكتب ( الدرويش ) و(عايده ) السمينة مع ( سوسن ) ( والكاهنة الصغيرة ) فوق دفة العرس تحكم رعاياها بالضحكات الوضيعة القاتلة والمرتعشة بلا ابنها ... ( نرجس ) تحطم القاعدة بفأس عزق حديقتها .. تجلس تحت شجرة الموز بجانب الدرويش وهى تقيد استمارة إجازة .. تعرض صورة لزوجها القبطى وأمه وجدة زوجها .. تعرضها على ( الدرويش ) : تأتى له بالجدة والجدود وأصول عائلة زوجها : هذا هو ( الدرويش ) الأعمى جاء لها من بعيد .. بعيد البعيد .. أفرغ - دون قصد- شحنة رغباته الخفية فى دماء هذه العائلة المسكينة .. جعل ( نرجس ) تتعاطاه فى الليل والنهار .. ( .. يبدو الاستيــاء على وجه ( الكاهنة الصغيرة ) القبطية .. عاشت المهزلة : مهزلة غرام ( الدرويش ) ( بنرجس ) القبطيــــة كما سعت لتحقيقه الشياطين .. والكراهية فوق وجه ( بخيته ) القبطية .. قاطعها ( الدرويش ) : مش عايز شاى يا أستاذ ( درويش ) وأعطاها كوبه : إعداد الشاى لعبتهم فى الدوامة .. وقال الذى يقول له فى داخله : انته من ( نرجس ) إلى الأبد ولك السلام . كريم ذلك الذى ينصحه من داخله بإخلاء نفسه منها .. وجاء ( الدرويش ) اليوم وفى داخله إرادة على تلبية ذلك الأمر .. تجنب ( الدرويش ) ( نرجس ) على قدر المستطاع : أغرقها فى صحراء الجدب وسار معها بلا أحذية . غادرت ( المحققة ) الحجرة أصبحا وجهاً لوجه تحت أشعة الشمس الكاوية .. صمت (الدرويش) صمت الصمت تعلق فى شعره .. فتحت بابها للدخول : زوجها .. طلبت منه أن يعزى فى وفاة أم المليكة : ( هودج اللحم العظيم ) وانزلق الكلام فوق الساحة سهلاً سلساً بدون مقاومة : الشياطين تحرسه يرقصون حولها يلقون بماء الياسمين عليها .. يتناجيان حتى دخل (النصف بغلة ) فانقطع التصوير وصاح المخرج أستوب ( أمين المخزن ) حبيب ( امرأة حفظ الأمانات ) لم يشترك فى جنازة أم ( هودج اللحم العظيم ) لأنها فرقت بينها وبينه .. دخل المهندس ( صلاح ) اتجه إلى الجسر ليحملها فوق يختهلا ترى فيه ( نرجس ) دمامته .. تعلقت بعين ( الدرويش ) من فتحة باب ( عمر باشا ) لم يجد الحراس مكانهم الباب أصلع لا يطرح شعرا اشترى خضرة للبصارة - تجيد الجدة طبخها - وعاد .. فى مدخل البلوكين قابل حمدى رجل الطعمية .. يسير مترنحاً .. سأله ( الدرويش ) عن سبب حزنه قال : الحاج مات .. صعق ( الدرويش ) دخل قدرة الفول بعثر غراء الفول كله وداعا صاحب المطعم الصغير.. رجل الجوزة والمعسل ينفث دخانه من الأرض حتى سماوات السحاب : لا إله إلا اللـه .. رأى الله يحيط بهم أجمعين ، دخل مسجد ( الغفران ) وعاد إلى ( إيمان ) و ( سهام ) وأمها والجدة .. بيوت جديدة سقطت على من فيها بالقاهرة من الزلزال أتى أمر اللـه فلا حائل أمامه . ( حزب اللـه ) فى لبنان يقتل 5 جنود إسرائيليين .. هرول الزلزال بعصاه يشير إلى من يريد أن ينقض عليه فيخر صريعاً .. إسرائيل تحمل موتاها .. طائراتها ومدفعيتها تدك جنوب لبنان .. معارك شرسة مجنونة ضد المسلمين فى ( البوسنة والهرسك ) انضمت ( كرواتيا ) إلى الصرب فى ضرب المسلمين .. قال الذى يقول له فى داخله : اقطع أحاديثك المشبعة بصبغة اليود والرغبة فى ( نرجس ) ولك الخير : بالأمس تحدثا ،أزالا العوائق والأوامر جانباً . أزالا الأسلاك الشائكة الفاصلة بين الحدودين .. تسربا من خلال فتحات الأسلاك .. تعانقا .. غرقا فى سحابات ماء الأمطار الراعدة .. حبها لا مستقبل له .. أمسكا بأيدى بعضهما .. سارا يترنحان فوق الألغام المتفجرة : اليوم يوم نوباتشيتها مع رجال آخرين .. صار صديقاً حميماً ( للدرويش ) يتبادلان الأحاديث بنهم .. لم يعد ( الدرويش ) يضيق به .. قال ( الدرويش ) هذا حدث بفضل اللـه .. يحضر دائما إليه ومعه ( النصف بغل ) ومعه زاده وزواده يحمله لنش صغير .. ( دهاء ) أصابته نوبة برد خر مصعوقاً .. أخذ مسكناً .. سرح الألم فى جسده الميت صاح : الفجل عال يا اخضرانى البشر زرعوا فى الخيام فى القاهرة والجيزة من أثر الزلزال يطعمهم الجيش 3 وجبات فى اليوم . ( سوزان مبارك ) تطلب تبرعات من رجال الأعمال لبناء مدارس تدق أجراسها فى الصباح الباكر وبعد الظهر .. صار الصغير المجنون العابث بحجرة الحسابات ابن ( إيمان ) جزءاً من الحسابات والشئون الإدارية يزرع الأمان بعبثه القارص يدمر من يفتح له خزائن الود .. ( النصف بغله ) ذلك القادم من بعيـد (مدرسة الصنايع) مجنون هو بنساء الحجرتين يزرع فى أرحامهن شبقاً حاراً .. ( سهــام ) الصغيرة مع ( الجدة ) .. ( الجدة ) تمضغ خبزاً مقرقشا وسهام قردة تلدها أمام زوار حديقة الحيوان .. تمشى ( الجدة ) على أربع - بإرادة اللـه - فوق أسلاك السكك الحديدية فى محطة مصر .. الجارة تقول لها : " أكلت المقرمش خلاص " . (سهام) تقول ( للدرويـــــــــش ) المذيعة يخر ماء المصارف من عينيهـــــا من أجل البيت الذى وقع من انفجار الزلزال .. قال (الدرويش ) للجدة : وقع تلت بيوت .. قالت ( الجدة ) فيهم سكان .. قال : فيهم الجارة لإيمان ابنها : تاكل بامية والا كوسة .. قال : بامية (محطة القرآن الكريم ) : إن يأجـــــوج ومأجوج مفسدون فى الأرض وكان وعد ربى حقاً .. قال ( الدرويش ) بفضل اللـه صار أعداء الأمس أصحــــــاباً . ( الحائــط ) يفرغ من جيوب أمعائه نكتا سخيفة : لست خيرا منهم : يقف ( الحائط ) عند محطة ( الكاهنة الصغيرة ) يمتطى أوتوبيسه المزدحم .. أحاط الجميع (بالدرويش) : ( النصف بغلة الصغير ) .. ( الحائط ) ( دهاء ) .. و ( الرجل صغير الحجم ) مكرهم أعمى يرمون شباكهم حول السمكات الصغيرات الممتلئات باللحم والجاذبية السابحات فى حوض الورد .. لكنه يحتمل بفضل مولاه كل ما ينقصه خلع ضرس ( نرجس ) من فكه حتى تكمل المسيرة إلى دنيا اللـه .. البعوض الوحشى ترك علامات دموية فوق ذراعيه ويديه .. التهمته رياح الخماسين الصفراء الحارقة .. ( سلوى ) ملامح الفلاحة المتمدينة .. تضع ساقاً فوق ساق تلتصق ( بالكاهنة ) الصغيرة القبطية رئيسة الحســــابات عربتها فى الحجــرة مستنـــدة إلى كوعها تلتهم برسيم الربيع الأخضر اليانع .. ( بخيته ) لم تحضر منذ يومين .. النمل يغوص فى قاع المحيط داخل برطمان السكر القابع فى الدرج يترنح من شدة السكر .. الخمر ذهبت بعقله صار متيما به .. قالت ( مريم ) : " إنى نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا " قال ( رمزى ) مدير الشئون الإدارية والمالية ( بمصلحة المظاليم ) للدرويش : " جبت منين البدلة دى " : " يا موسـى إننى ( أنا اللـه رب العالمين ) .. ( على عزت بيجوفيتش ) : يستجدى منح العون من الإمارات .. ( الدرويش ) يتجاهل طريق ( نرجس ) المعوق .. لينحيها من جيوبه إلى الأبـد .. اللـه يملأ الدنيا شمساً نوراً .. لم يحضر ( الرجل صغير الحجم ) اليوم إلى ( مصلحة المظاليم ) .. يستولى على أيام الإجازات يمضغها بلا إذن .. يعتمد على زرعه المزروع فى أرحام ستات المصلحة .. يحس ( الدرويش ) بقوة اللـه فى داخله .. مقبلون نحن على فترة يهز اللـه فيها أرضنا.. يثبت فيه : " الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب اللـه شديد " .. وحده .. الدرويش وحده مع نساء الحجرات .. يزداد إحساسه انفراداً بالنفس وقتما يذهب ( دهاء ) ( والنصف بغلة ) إلى المخازن .. يتمنى ( الدرويش ) لو كان ( الرجل صغير الحجم ) حاضرا لامتص أشواقهن .. يمتص اللعنة من فم الحيات القابعات فى شق النمل البعيد : كلب ضال يمشى وراء قطعة لحم .. يتحاشى ( الدرويش ) ( نرجس ) علاقته الغامضة بها تسير على عربة نقل وهى تحاول إخراجه من العربة الضالة المسرعــــة فى الطريق الصحراوى البارد .. ( نرجس ) تغسل أكواب الشاى .. تلقى ببقايا الشاى من نافذة الزنزانة فى سجن الحضرة الواقع خلف مكتبه حيث يوجد بشوارب يقف عليها الثيران الهائجة والتيادور ميت منذ سنوات ببدلة مصارع الثيران وهو مخضب بالدمــــــاء .. ( الرجل صغير الحجم ) ذهب إلى ( النمرة ) موظفة الإجازات .. جعلته يقف فوق كتفيه لا يقدم طلب إجازة عنادا فى الدرويش العنيد .. حبتان ريفو واحدة تدفع الأخرى فى أنحاء الدنيا تأتى بالسلام المنشود .. أعاد التوازن إلى عالم ( الدرويش ) الخفى المعلق فى الفضاء العالى وذهب الصداع اللئيم يشق أرضه يحرث نافوخه بمحراث من نار .. ثمرتان بطاطا له ومثلهما للجدة وثلاثة ( لسهام ) و ( إيمان ) وأمها .. ( سهام ) تأتى ( للجدة ) و الدرويش تقتات بعينيها قطعة بطاطا من الغيط القريب .. تذهب إلى أمها تهدد بإطلاق غازات الدموع على لهب شوى البطاطا : " عاوزه تانى بطاطا " وتعطيها إيمان قطعة من لحمها ويبتلع الدرويش قطعة صامتا : تمثال أجرب .. عند (مهنى ) البقال فى تمام أذان الظهر .. لم يجد الدكان مفتوحا .. سأل رجلا غجريا من رجال الماضى : ( إخوان الصفــــــا ) .. ( يصلح الآن غسالات ) عن (مهنى) قال الرجل ( راح يصلى الظهر ) جلس مطرقا ونظراته فى الأرض تخر من منخاره كمية من الانفعالات الزائدة : هنا كانت مأساته : أكل لحم أمه نيئا .. هنا كان انحداره إلى القاع النتن الرائحة وجهه يلفت النظر .. لكنهم لا يعرفون تضاريـــس وجهه الآن .. شوارع وجهه تدوس فوق وحلها مراكيب الناس .. وجاء ( مهنى ) لم يقبله الدرويش كعادته جمده الانتظار .قطعة لحم فى ثلاجة شتوية .. ابتدره ( مهنى ) : " عاوزين الحاجة صاحبـــــــــــة البطاقة الفردية فى مكتب تموين ( امبروزو ) عشان يتأكدوا أنها مازالت حية .. لم يحملها المشيعون حتى تراب العامود .. تهدم حيل الدرويش .. فتاتا صار .. غطته عفارة أحجار البيوت التى هدمها الزلزال .. اختفى تحت الأنقاض .. لم يعد يرى الهواء النقى يتنفس فيه .. قال ( مهنى ) من تحت الأنقاض: "دى ما بتخرجش بقالها سنين ما بتمشيش" مد يدك عاونى على إزالة الموت الرابض فوقى ، قال ( مهنى ) بحزم : الأوامر كده وحدثه عن تعبه مع مكتب التموين والصحة والنقود التى يدفعها للمكاتب تجرى مع مياه المجارى معطلة مجرى الحياة ، وانقبض عنق الدرويش اختنق خانقه قفاز أسود يرتديه عفريت من الجن .. شعر أن كربه زاد وسأله : " طب وإيه الحل يا عم مهنى ؛ نرجعوا إلى اللـه " غادر ( الدرويش ) ( مصلحة المظاليم ) لم يقبض حوافزه : طابور طويل ثعبانى الحركة عند الصـــــــراف القبطى ( جورج ) وطابور آخر طويل عند الحاج النوبى .. لم يقبض مرتبه واتخذ طريقا إلى البحر سربا مشيا على الأقدام إلى ( غربال ) عن طريق ( شجرة الدر ) ماتت الملكة بقبقاب ضرتها على ما يظن جلس (الدرويش) فى ( مصلحة المظاليم ) وقد تشقق لحمه وفرت العظام هاربة من جسده المغموم حزين الملامح بين نساء الضفتين والنهر صامت وراح يعبث بحذائه وجوربه فى الماء العطن .. ( النصف بغلة ) غائب اليوم .. ( ودهاء ) مثقل بمرض ابنه : " أنا رايح بيه للدكتور وح خلى أمه الممرضة تاخد إجازة لمدة أسبوع" ( وصغير الحجم ) ظهرت دمامل فى عينيه وهو مايزال يلتهم سندوتش الصباح من التى قيل إنها ستتزوجه : " أمانى الرقيقة " ( ووائل ) ابن ( إيمان ) حفر حفرة يلقون بداخلها الأموات فى النار والماء مقطوع فى (مصلحة المظاليم) ( ونرجس ) عملت شايا بماء وسخ .. انفجر (الدرويش) ضاحكا بالرغم منه .. قالت (نرجس) له : تشرب شاى ، قال لا .. وانصرف إلى بيته .. فى الطريـــق عرج (الدرويش) على ( الغدير ) استحم فيه وطلب من العامل بعض الفول والطعمية قال طاهى الطعمية فى ( الغدير ) الفول خلص .. وضعت ( الجدة ) طبق ( البصارة ) أمام (الدرويش) : أكلوا حتى الشبع الحاد ، وبكت ( سهام ) المفجوعة لأن طبق البصارة قد نفد أحضرت أمها نصف طبق من الثلاجة التهمته .. صرخ (الدرويش) صرخة محبوسة داخل قفصه الصدرى : " اللهم أعنى على استخراج بطاقة إثبات شخصية وختم بطاقة الجدة من مكتب التموين .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى