محمد اسقاف النشاشيبي - نقل الأديب

160 - هذه الصلة وأنا العائد

قال القاضي ابن خلكان: كان الملك المعظم شرف الدين عيسى بن الملك العادل عالي الهمة، حازماً، شجاعاً، مهيباً فاضلاً، جامعاً شمل أرباب الفضائل، محباً لهم، وكان يحب الأدب كثيراً، وله رغبة في فنه، وكان قد شرط لكل من يحفظ (المفصل) للزمخشري مائة دينار وخلعة، فحفظه لهذا السبب جماعة، ولم اسمع بمثل هذه المنقبة لغيره، وكان من النجباء الأذكياء: مرض أبو المحاسن محمد بن نصر (الوزير والشاعر الشهير) فكتب إليه:

انظر ألي بعين مولى لم يزل ... يولي الندى وتلاف قبل تلافي

أنا كالذي احتاج ما يحتاجه ... فاغنم ثوابي والثناء الوافي

فجاء (الملك) بنفسه إليه يعوده ومعه صرة فيها ثلاث مائة فقال: هذه الصلة وأنا العائد. وهذه لو وقعت لأحد من أكابر النحاة ومن هو في ممارسته طول عمره لاستعظم منه.

161 - القيام عند ضرب النوبة

في (نزهة الجليس): قال العلامة السيد محمد كبريت المدني: سبب قيام آل عثمان عند ضرب النوبة أن السلطان علاء الدين السلجوقي لما شاهد عزم السلطان عثمان وعلم قابليته في فتح أطراف البلاد تلك البلاد أكرمه وأمده. وبعث إليه الراية السلطانية والطبل والزمر ووسمه باسم السلطنة تقوية ليده وشداً لعضده. فلما وصل إليه ذلك، وضربت النوبة بين يديه قام عند أول سماعه لها على قدميه تعظيماً لذلك. فهم يقومون عند ضرب النوبة إحياء لتلك السنة.

162 - المال ناموس الملك

في (المنهج المسلوك في سياسة الملوك): قد كان يقال: المال ناموس الُملك تظهر به هيبته، وتقوى أبهته. حكى أن سابور ملك الفرس اتخذ أعمدة وقواعد من الذهب، وجعلها على باب خزانة المال يجلس عليها الخزنة وغيرهم، فعظم بذلك عند نظرائه وأهل مملكته، فلما أفضت المملكة إلى ولده جعل يفرق الأموال ويسرف في العطايا، فلما نفدت الأموال أخذ تلك الأعمدة وسبكها فوجدها مجوفة قد ملئت رملاً فذهب حينئذ ناموسه، وقلت هيبته عند أهل مملكته حين علموا سر هذه الأعمدة. فلهذه المعاني يجب حفظ المال والاحتياط عليه.

163 - فقر أدى إلى مصالح الرعية

في (كتاب غرر ملوك الفرس وسيرهم): كان كيقباذ يقول: ليس غرضنا فيما نحتفل من أصناف الزين بالقصور المشيدة والفرش الممهدة والملابس الفاخرة والأطعمة الملونة إلا تزيين أمر المملكة، وتفخيم أسبابها في أعين الناظرين إليها والواردين من النواحي عليها، دون الانهماك في الشهوات، والاستكثار من اللذات. وجدوي شأن المملكة وإقامة مروءاتها عائدة عليها بالمصلحة، وما أدى إلى مصلحتها فقد أدى إلى مصالح الرعية.

164 - إمارات القيام، يا غلام هات الطعام

في (التاج ومحاضرات الراغب): كان لكل ملك أمارة يستدل بها أصحابه إذا أراد أن يقوموا عنه، فكان اردشير إذا تمطى قام سماره. وكان الأردوان الأحمر، وله وقت من الليل وساعات تحصى فإذا مضت جاء الغلام بنعله فقام من حضره. وكان كيشاسف يدلك عينيه، ويزدجرد يقول: (شَبْ بِشُدْ) وبهرام يقول: (خُرّمْ خُسْفاذ)، وسايور يقول: حسبك يا إنسان. وقباذ يرفع رأسه إلى السماء، وأبرويز يمد رجليه. وأنوشروان يقول: قرت أعينكما! وكان عمر يقول: قامت الصلاة. وعثمان يقول: العزة لله. ومعاوية يقول: ذهب الليل. وعبد الملك يقول: إذا شئتم. والوليد إذا قال: أستودعكم الله. والهادي إذا قال: سلام عليكم. والرشيد يقول: سبحانك اللهم وبحمدك. والمأمون إذا استلقى على فراشه. والمعتصم إذا نظر إلى صاحب النعل. والواثق إذا مس عارضيه وتثائب.

وحكي عن بعض البخلاء أنه سئل: ما إمارتك لقيامنا؟ قال: قولي: يا غلام، هات الطعام. . .

165 - الصبر

الصابي: مآرب الناس منزلة بحسب قربها من هزل أو جد، ومرتبة على قدر استحقاقها من ذم أو حمد، وإذا وقع التأمل عليها والتدبر لها وجد أولاها بأن تعده الخاصة نزهة وملعباً، والعامة حرفة ومكتسباً - الصيد الذي فاتحته طلاب لذة ونظر، وخاتمته حصول مغنم وظفر، وقد اشتركت الملوك والسوقة في أستجماله، واتفقت الشرائع المختلفة على استحلاله، ونطقت الكتب المنزلة بالرخصة فيه، وبعثت المروءات على مزاولته وتعاطيه، وهو رائض الأبدان، وجامع شمل الإخوان، وداع إلى اتصال العشرة منهم والصحبة. وموجب لاستحكام الألفة بينهم والمحبة.

166 - العامل (الوالي) النصراني في الدولة الإسلامية

في (كتاب التاريخ المجموع على التحقيق والتصديق) للبطريك سعيد بن بطريق: ولى المأمون (وهو في مصر) بكام النصراني عمل بورة وما حولها. وكان بكام إذا كان يوم الجمعة لبس السواد وتقلد بالسيف والمنطقة، وركب وبين يديه أصحابه، فإذا بلغ المسجد وقف ودخل خليفته وكان مسلماً يصلي بالناس ويخطب باسم الخليفة ويخرج إليه.

167 - من نبأ الورقاء أن محلكم حرم

قال أبو المحاسن شرف الدين محمد بن نصر الدين: أنه حضر درس الإمام فخر الدين الرازي يوماً وهو يلقى الدروس في مدرسته بخوارزم ودرسه حافل بالأفاضل واليوم شات وقد سقط ثلج كثير، فسقطت بالقرب منه حمامة وقد طردها بعض الجوارح، فلما وقعت رجع عنها الجارح خوفاً من الناس الحاضرين فلم تقدر الحمامة على الطيران من خوفها وشدة البرد فلما قام الإمام فخر الدين وقف عليها ورق لها وأخذها بيده، قال شرف الدين:

فأنشدته في الحال:

يا ابن الكرام المطعمين (تبرعا) ... في كل مسغبة وثلج خاشف

العاصمين إذا النفوس تطايرت ... بين الصوارم والوشيح الراعف

من نبأ الورقاء أن محلكم ... حرم وأنك ملجأ للخائف

وفدت عليك وقد تدانى حتفها ... فحبوتها ببقائها المستانف

لو أنها تحبي بمال لانثنت ... من راحتيك بنائل متضاعف

168 - ارقص للقرد في زمانه

في (وفيات الأعيان): لما ولى جلال الدين الزينبي الوزارة دخل عليه هبة الله بن الفضل بن القطان - الشاعر المشهور - والمجلس محتفل بأعيان الرؤساء، وقد اجتمعوا للتهنئة فوقف بين يديه ودعا له، وأظهر السرور والفرح، ورقص.

فقال الوزير لبعض من يفضي إليه بسره: قبح الله هذا الشيخ فإنه يشير برقصه إلى ما تقول العامة في أمثالها. أرقص للقرد في زمانه.


مجلة الرسالة - العدد 215
بتاريخ: 16 - 08 - 1937

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى