محمد اسعاف النشاشيبي - نقل الأديب

178 - والأبيات على ظهر يده

في (مطمح الأنفس وشرح الشريشي): خرج القاضي أبو عبد الله محمد بن عيسى من بني يحيى إلى حضور جنازة بمقابر قريش، وكان رجل من بني جابر يؤاخيه ينزل بقرب المقبرة، فعزم عليه في الميل إليه، فنزل وأحضر له طعاماً، وأمر جارية له بالغناء، فغنت تقول:

طابت بطيب لثاتك الأقداح ... وزها بحمرة وجهك التفاح
وإذا الربيع تنسمت أرواحه ... نمت بعَرف نسيمك الأرواح
وإذا الحنادس ألبست ظلماؤها ... فضياء وجهك في الدجى مصباح

فكتبها القاضي طرباً بها في ظهر يده، ثم خرج من عنده. قال يونس بن عبد الله: فلقد رأيته يكبر للصلاة على الجنازة والأبيات مكتوبة على ظهر يده.

179 - أوسعتهم سبأ وأودوا بالإبل

في (مجمع الأمثال): حديثه أن رجلاً من العرب أغير على إبله فأخذت، فلما توارَوا صعِد أكمة وجعل يشتمهم، فلما رجع إلى قومه سألوه عن ماله فقال: أوسعتهم سباً وأودَوا بالإبل. يضرب لمن لم يكن عنده إلا الكلام.

180 - اللثغة

قال علي بن هرون المنجم: كنت وأنا صبي لا أقيم الراء في كلامي وأجعلها غيناً، فدخل المفضل بن سلمة على أبي وأنا بحضرته، فتكلمت بشيء فيه راء، فلثِغْتُ فيها فقال له الرجل: يا سيدي، لمَ تدع أبنك يتكلم هكذا؟ فقال له: وما أصنع وهو ألثغ؟ فقال له: إن اللُّثْغة لا تصح مع سلامة الجارحة، وإنما هي عادة سوء تسبق إلى الصبي أول ما يتكلم بتحقيق الألفاظ أو سماعه شيئاً يحتذيه، فأن تُرك على ما يستصحبه من ذلك مرن عليه، فصار له طبعاً، وإن أخذ بتركه أول نشوئه استقام لسانه، وأنا أزيل هذا عن عليّ ثم قال لي: أَخرجْ لسانك فأخرجته فتأمله فقال: الجارحة صحيحة، قل يا بني: (راء) واجعل لسانك في سقف حلقك، ففعلت، فلم يستوِ لي، فما زال ينقل لساني إلي موضع موضع من فمي، ويأمرني أن أقول الراء فيه، فإذا لم يستو نقل لساني إلي موضع آخر حتى قلت راء صحيحة في بعض تلك المواضع، فطالبني بإعادتها، وألزمني ذلك حتى ذهبت اللثغة، فأمر أن أطالب بهذا أبداً، ويُتقدم به إلي معلمي، وأوخذ بالكلام به، ففعل ذلك، ومرنت عليه، وما لِثغت إلي الآن.

181 - كلهم أعداء

قال ابن الجوزي: مر رجل بإمام يصلي بقوم فقرأ: (ألم، غُلِبت الترك) فلما فرغ قال له محمد بن خلف: يا هذا، إنما هو (غُلبت الروم)

فقال: كلهم أعداء، لا نبالي من ذكر منهم.

182 - ليس التكحل في العينين كالكحل

في كتاب (الأنساب) للبلاذُري المدائني قال: كان عبد الله ابن الزبير يشمّر إزاره، ويحمل الدِّرَّة، يتشبه بعمر بن الخطاب فقال أبو حرة:

لم نرَ من سيرة الفاروق عندكم ... غير الإزار وغير الدِّرَّةِ الخَلقِ

183 - كأنها رءوس رجال حلقت في المواسم

قال الأغر النهشلي لأبنه لما بعثه لحضور ما وقع بين قومه: يا بُنيّ، كن يداً لأصحابك على من قاتلهم، وإياك والسفيه فإنه ظِلُّ الموت، واتق الرمحَ فإنه رِشاء المنية، ولا تقرب السهام فإنها رسل تعصى وتطيع

قال: فبم أقاتل؟

قال: بما قال الشاعر:

جلاميدُ أملاءُ الأكفّ كأنها ... رءوسُ رجالٍ خُلِّقتْ في المواسم

فعليك بها، وألصقها بالأعقاب والسوق

184 - فالدب في الصحراء ما افقهه

ناظر أبو زيد عبدُ الله بن عمر الدبوسي بعض الفقهاء فكان كلما ألزمه أبو زيد إلزاماً تبسم أو ضحك فأنشد أبو زيد: مالي إذا ألزمتهُ حجةً ... قابلني بالضحك والقهقههْ

إن كان ضحك المرء من فِقههِ ... فالدب في الصحراء ما أفقهه!

185 - يا مسكين أين أنت؟

ذكر الحافظ السلفي في (معجم السفر): أن شخصاً قال في مجلس الإمام ابن القابسي (وهو بالقيروان): ما أقصر المتنبي في معنى قوله:

يُراد من القلب نسيانُكم ... وتأبى الطباع على الناقلِ

فقال له: يا مسكين، أين أنت من قوله تعالى: (لا تَبْديلَ لِخلْقِ اللهِ، ذَلِكَ الدِّينُ القيِّمُ؛ ولَكنَّ أكثَرَ النَّاسِ لا يَعلَمُون)

186 - أبو تمام، البحتري، المتنبي

في (المثل السائر): سُئل الرضي عن أبي تمام، وعن البحتري، وعن أبي الطيب فقال: أبو تمام خطيبُ منبر، والبحتري واصف جُؤْذُر، والمتنبي قائد عسكر

187 - التخصص بمعرفة التلصص

قال الثعالبي: سمعت أبا بكر الخوارزمي يقول: أنشدني الصاحب نتفة له، منها هذا البيت:

لئن هو لم يكفف عقارب صدغه ... فقولوا له: يسمح بترياق ريقه

فاستحسنتُه جداً حتى حممت من حسدي عليه، وودت لو أنه لي بألف بيت من شعري!. قال الثعالبي: فأنشدت الأمير أبا الفضل عبيد الله بن أحمد الميكالي هذا البيت، وحكيت هذه الحكاية في المذاكرة، فقال لي: أتعرف من أين سرق الصاحب معنى هذا البيت؟ فقلت: لا والله. قال إنما سرقه من قول القائل (ونقل ذكر العين إلى ذكر الصدغ):

لدغت عينك قلبي ... إنما عينك عقربْ
لكنما المصة من ... ريقك ترياق مجربْ

فقلت: لله مولانا الأمير فقد أوتي حظاً كثيراً من التخصص بمعرفة التلصص. . .




مجلة الرسالة - العدد 217
بتاريخ: 30 - 08 - 1937

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى