حسن أحمد بيريش - حوارات مع محمد شكري.. المعيش قبل المُتخيَّل -6- احببت الكثيرات· ولكني تخلصت من الحب

* معنى هذا انك لا ترى أي فرق بين ما يكتبه الرجل وما تكتبه المرأة
- طبعا هناك فرق· عندما نقرأ ماتكتبه المرأة نحس أن ثمة ذبذبات تخص المرأة كامرأة، ولا علاقة لها بما يحسه الرجل تجاه المرأة·
ما أريد قوله انه ليست هناك كتابات رجالية وكتابات نسائية· هناك فقط كتابات جيدة وأخرى رديئة نسوية كانت أو رجالية·

* يشاع عنك انك تكتب عن المرأة بشكل سيء، وتقدم صورة سلبية جدا للمرأة في كتاباتك· هل هذا صحيح؟
- هذا غير صحيح على الاطلاق· هؤلاء ا لذين يرون انني اشوه صورة المرأة وأسيء اليها فيما اكتبه، اما انهم لا يعرفون كتاباتي، او أنهم لا يتعمقون في قراءتهم لكتبي·
ان احترامي للمرأة، انسانا وكاتبا، صفة يعرفها الكثيرون عني· انني لا أتعامل مع المرأة من فوق، من موقع قوة، واضعها هي تحت، في موقف ضعف· ان تعاملي مع المرأة هو تعامل الند للند·
اما كتاباتي عن المرأة فهي لا تشوه صورتها في المجتمع، بقدر ما تكشف عن واقعها الصعب، واقع الفقر والجهل اللذين يكبلانها ويحدان من طموحها وتطعلاتها للعب دورها الحقيقي في المجتمع·
راجع كتبي وسوف تكشف بنفسك ان كتاباتي لا تخلو من التعاطف مع الفتاة التي تهاجر قريتها وتأتي الى المدينة للبحث عن عمل· فتقع بين براثن احد الذئاب البشرية· وحين يقضي منها وطره يطردها الى الشارع، فتجد نفسها مضطرة لممارسة الدعارة من اجل ان تعيش وتحصل على لقمة الخبز في مجتمع لا يرحم!

* هل الدعارة، في اعتقادك، مرتبطة بظرف اقتصادي قاهر؟ وهل يمكن القول ان كل امرأة داعر مدفوعة بأسباب اقتصادية من الصعب مقاومتها؟
- دوافع الدعارة كثيرة ومتعددة· ولا يمكن تحديدها في دافع واحد فقط· فقد تتظافر عوامل كثيرة وتؤدي بالمرأة الى الخطيئة والسقوط في العهر والدعارة الدائمة او العابرة· الدعارة اما ان تكون نتيجة ظرف اقتصادي صعب· واما ان تكون نتيجة صدمة نفسانية عاطفية قاسية· وايضا العامل الاجتماعي المرتبط بالخلاف الاسري، له دور في التجاء المرأة الى بيع جسدها·
وبحكم تجربتي الحياتية، والتصاقي بفئة اجتماعية تضم نماذج بشرية مختلفة· استطيع ان اؤكد لك ان معظم الداعرات ينحدرن من فئات اجتماعية محرومة·

* المرأة هل كان لها دور في إلهامك؟
- نعم· لعبت المرأة دورا في إلهامي· هذا لاشك فيه· ولكن ليس كل امرأة تمثل الإلهام بالنسبة للكاتب والمبدع· هناك امرأة تلهم الكاتب وتجعله في حالة استنفار ابداعي منتج وخصب· وبالمقابل هناك امرأة لا تمثل اي إلهام، ولا تثير اي سمو لدى الأديب والفنان!

* وأي النماذج النسائية هي الاكثر حضورا في كتاباتك؟
- المرأة الأكثر حضورا في كتاباتي هي: المهمشة، الخادمة، والعاملة الفقيرة، والمنحدرة من فئة اجتماعية مغلوبة على امرها··· انني أكتب عن الطبقة الكادحة والمقهورة· وأدافع عن المهاجرات من البوادي الى المدن· وفي كل ما كتبته هناك دفاع عن الفتاة القاصر التي تضطر الى بيع جسدها لتعيش·
ان كتاباتي عن الدعارة، مثلا، لا تستهدف إدانة المرأة العاهر · وانما تستهدف الاشارة الى بقعة موبوءة ينبغي محاربتها بكل الوسائل· وتغيير وضع المرأة وتخليصها من الاستغلال الجنسي الذي يمارس عليها·
لست مثل بعض الكتاب الذين يكتبون عن نساء الطبقات البورجوازية· شروط الكتابة عندي ليست هي نفسها عند كاتب كإحسان عبد القدوس، مثلا، الذي يستوحي مواضيع كتابته من طبقة الباشوات وبنات الفئات الاجتماعية المترفة·

* قيل لولا سوزان لما وصل طه حسين الى ما وصل اليه· ولولا عطية الله لما أبدع نجيب محفوظ· ولولا سيمون دوبفوار لما نبغ جان بول سارتر· ما رأيك؟
- هناك مقولة مشهورة تقول: "وراء كل رجل عظيم امرأة" لكن هذه المرأة التي تكون وراء الرجل العظيم، ليس ضروريا ان تكون امرأة عظيمة، وطيبة، فقد تكون وراء الرجل العظيم امرأة شريرة· او مشاكسة، او مجنونة، او حمقاء، او ساذجة!
سقراط امرأته كانت غيورة من شهرته· تولستوي امرأته كانت جشوعة· جان جاك روسو كان قدره ان يرتبط بامرأة، اذا اعدت اصابعها الاربعة تخطئ في عد الخامسة! وكان قدر فتزجرالد سكوت ان يرتبط بامرأة مجنونة بالاستعراض الاجتماعي المتمثل في الحفلات والاحتفالات بما كان يكتبه زوجها· ونفس الحالة تنطبق على الكاتب الانجليزي ديفيد هربرت لورنس، صاحب الرواية الشهيرة: "عشيق الليدي شاترلي"·
ان حالات النساء مع الرجال ازعجت حتى بعض الانبياء·

* هل خفق قلب محمد شكري يوما بالحب نحو امرأة معينة؟
- نعم· عشت تجارب الحب مثل اي شاب آخر· واحببت الكثيرات· ولكني تخلصت من الحب·

* لماذا؟
" لأن الحب قد يكون قاتلا ومدمرا في بعض الأحيان! وقد ينقلب الى استحواذ غير مقبول! وبما انني أكره الاستحواذ في كل اشكاله، ولا أريد ان ادمر، فقد تخلصت من الحب وابقيت ثقة المرأة لانها ابقى من الحب نفسه!

* وموقفك من الحب؟
- الحب شعور وجداني له ارتباط بكل ماهو مثالي في الإنسان· وبحكم الحياة التي عشتها في طفولتي وشبابي· فقد اتخذ الحب في هذه الحياة التي عشتها، صفة الإحساس العابر، الاحساس الآني والعرضي·

* في حوارك مع مجلة عربية قلت ان "الحب ضعف بشري ينتاب الرجل والمرأة"!
- هذا صحيح· الحب يضعف الإنسان· وأحيانا يسحقه!

* كيف ذلك؟
- انا بدوري اسألك: ما الذي يمكن ان تقوله عن الشخص الذي يستلذ التعذيب الذاتي، ويفكر احيانا في قتل نفسه بسبب قصة حب فاشلة؟!
هذا حب قاتل! وضعف يجب ان ينتصر عليه الإنسان·

* رفضت دائما فكر الزواج وإنجاب الاطفال· هل سبب الرفض يكمن في تمرد المبدع بداخلك على الاستقرار؟ ام يرجع الى عواطفك التي لم تعد تكفي غيرك؟
- اخترت الزواج بكتبي· بالكتابة، وبحريتي الشخصية!
لا يعني هذا انني ضد المرأة· او ضد مؤسسة الزواج· انه موقف شخصي لا أقل ولا أكثر·
ويمكنني تفسير رفضي للزواج بأمرين اثنين:
اولا: انا عشت في وسط عائلي تميز بالعنف الشديد والقسوة البالغة من طرف الاب نحوي ونحو إخوتي ووالدتي ايضا، أورثتني تربية أبي الوحشية، الهمجية، خوفا لا شعوريا من الابوة والزواج! كرهت ان اصبح ابا حتى لا أعامل اولادي مثلما عاملني أبي·
ثانيا: حياتي في الماضي· وحتى الان· ليس فيها اي استقرار· هذا الأخير الذي لابد من توفره لنجاح أي ارتباط شرعي بين رجل وامرأة·
لكل ذلك ضحيت بالمرأة والأسرة من أجل الزواج بالكتابة والقراءة!

* هل هذا يعني، برأيك، ان الزواج ضد الابداع· وان زواج الاديب يحول بينه وبين التفرغ للانتاج الادبي؟
- ثمة زيجات ناجحة· انا اعرف بعضها· مثلا حالة محمد برادة وزوجته ليلى شهيد· حياتهما الزوجية ناجحة· لانهما متفاهمان: هي تفهم عقليته وهو ايضا، ويسافران ويقومان بمهمتهما: السياسة بالنسبة اليها والادبية بالنسبة اليه·
في الحالات الاجنبية· هناك جان بول سارتر وسيمون دوبوفوار· عاشا حياتهما الزوجية كلها في انسجام· هو كان يسكن في منزل وهي في منزل آخر· وكانا يلتقيان في مقهى· او في مطعم، او يزور احدهما الآخر في منزله الخاص·
ولكن هذه الحالات نادرة جدا· وأنا لا أستطيع ان احدثك عن الحالات الفاشلة· اذن من المحتمل ان ينزعج اصحابها

* والاطفال· ألم تفكر يوما في ان يكون لك ولد من صلبك يحمل اسمك، ويمثل امتدادك في الحياة؟
- أنا لا أحتمل تأسيس أسرة· ان استحواذ المرأة على الرجل، او العكس· وارد في مؤسسة الزواج· وانا بطبعي اكره ان اكون مستحوذا (بكسر الواو) او مستحوذا (بفتح الواو)·

* والاطفال؟
- الاطفال تواجدهم لا يساعد على تفرغ المبدع لانتاجه الادبي وتجويد ما يكتبه· ثم انني أعتبر كل الاطفال اولادي· اما اولادي الحقيقيون فهم كتبي!

* هل حدث يو ما، تحت ظرف صحي او نفساني، ان ندمت علي رفضك للزواج؟
اتساءل لانك قلت في "وجوه": "مرضت ففكرت في الزواج· ادركت فيما بعد اني كنت ابحث عن ممرضة وليس عن زوجة"·
- اي انسان قد يمر بتجارب معينة تدفعه الى التفكير في الارتباط الشرعي بامرأة ما· اذا كان غير متزوج مثل حالتي· وهذا ما حدث لي بالضبط· مررت بتجربة مرضية صعبة قادتني ،انذاك، الى التفكير في الزواج والارتباط بامرأة تعتني بي وتهتم بشؤوني الصحية·
ولكني فيما بعد طرحت الفكرة جانبا· ولم يعد الزواج واردا عندي بعد ان انتفت الحاجة اليه· وبعد أن ادركت اني لا أريد زوجة تشاركني حياتي، بقدر ما كنت في حاجة الى ممرضة!
ولست نادما على عدم زواجي· والوحدة التي اعيشها ليست عادية· ولكنها وحدة سامية وخلاقة· وحدة مبدعة·

* يحتل الجنس في نصوصك مكانة محورية· ما الذي ترمي اليه من وراء توظيف تيمة الجنس؟
- الجنس الموظف في كتاباتي لا يساعد المصابين بالعنة· انا لا علاقة لي بتلك الاعضاء المصابة بالارتخاء! من هو منتصب فهو منتصب· ومن هو مرتخ فهو مرتخ! لا أتاجر انا بالاعضاء التناسلية للرجل والمرأة·

* هناك من يتهمك بتعمد "الاستشارة الجنسية" من خلال وصفك الصريح لتفاصيل العملية الجنسية بين رجل وامرأة·· ما تعليقك؟
- هذا غير صحيح على الإطلاق· الاستشارة الجنسية غير واردة في كتاباتي· لست كاتبا أتعمد تهييج المكبوتين جنسيا! وتوظيفي للجنس ليس موجها لهؤلاء المصابين بالكبت والحرمان الجنسي· وليس للاغراء· ان هذا الاخير عمل تجاري· وانا لا أتاجر بكتاباتي·

* هل أنت نادم عما اقترفه؟وهل تخلصت من عقدة الذئب؟
- لم اتدم · ولا ينتابني اي شعور بالذنب· لا الآن ولا في السابق؟ ان الشعور بالذنب لا ينتج الا عن قصدية في الإجرام· واذا كنت قد رضعت بعض المحرمات فلأن غرائز الاشباع كانت اقوى من ضميري الاخلاقي· اننا لا نعرف مساوئ ما نقترفه من اثام الا بعد فوات الاوان· الانحراف الجنسي مثلا (بمعناه الشامل) لا نعرف مضاره، نظريا، الا بعد ان يترك عاهاته التي قد لا نبرأ منها·
ان مجتمعنا الذي يخلو من التربية الجنسية القويمة يضاعف من خلق الانحرافات المزمنة! "كل ماهو مباح لذيذ" هذه فلسفة من تربى مثلي في الشارع بعيدا عن القهر والتسلط الأسري· وهي ايضا فلسفة منقطعي الجذور!


10/20/2004

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى