عبد النبي فرج - زفرة المحب الأخيرة.. قصة

.في تلك الحالة التدقيق واجب في معرفة الفروق الطفيفة أو الجوهرية في مبحث العدل الإلهى لدى الإمام الغزالي والقديس توما الاكويني. هذا الدأب في البحث الذي جعلني أزيح ركام الكتب من على الأرفف وأرميها على الأرض وأحتمل كماً هائلاً من الغبار والعنكبوت مما جعلني أبدو كبهلول يخوض في الوحل، الذي وصل إلى عنقه، وهو يتصور أنه يتطوح في جنة عدن. هذا الفحص الذي يكاد يؤدى بي إلى الجنون، ليس مرده بالتأكيد هذا الهوس بالقتل سواء في أفغانستان أم العراق. هذا الاحتفال اليومي الذي وقوده أجساد عراة تطير في السماء بلا أجنحة ولكن شيئًاً أكثر جوهرية وعمقًا وهو الحر اللزج الذي يجعلني أكاد أختنق بالفعل، ولذلك خرجت للتحرر من كوابيسي المنزلية، خرجت أدور على المشايات أتنشق نسمة هواء إلى أن تعبت فرجعت بعد العشاء على ضوء الأنوار التي تزين فرح مريم ورغم أنني أكره أفراح الأثرياء بالفطرة فإن هذا فرح مريم وبخاصة أنه المكان المناسب الذي تحقق فيه السلام الاجتماعي الكامل فالعروس تحب العريس، والعريس أضاع نصف ثروته لكى يرضي العروس والتكافؤ بين الأسرتين يمثل العدل المطلق. ثم هذا الطرب الأصيل الذي لا يتحقق وجوده في البلد، إلا كل حين، انحرفت تجاه السرايا أرقب الحفل، العروس، العريس، الراقصة، المطرب الذي يقف كالفارس يلبس قميصاً أبيض وبنطلوناً أسود محبوكًا ووجهه أبيض حليق وشعره مدهون بالجيل، صوته بديع يحرك المايك في يده، ويجرى على المسرح في خطوات استعراضية جميلة ثم يقفز قفزة بدائية وحشية خلقت نشوة بين المعازيم، الذين أخذوا يصرخون ويرقصون والعريس قام من جوار العروس، وخطف عصا من واحد من المعازيم. وأخذ يرقص في دلال وعهر قحبة والمغنى يدور حوله والعريس يترك رأسه على صدر المغنى الذي قذف بالمايك للطبال وخلع القميص كاشفًا عن صف من الأسلحة البيضاء تحيط بخصره، خطف المطواة وأخذ يطوحها في الهواء ويسحب الخنجر، السنجة، الساطور، السكين، حتى أصبحت فوق رأسيهما خيمة من الأسلحة التي تتألق وتنعكس على وجوه المعازيم، العروس.
العريس يتأوه في نشوة وينزل على ظهره في تدريجات وكأنه راقصة محترفة حتى رقد على ظهره على خشبة المسرح والمطر ضم السكاكين وجعلها تنساب في نعومة وحدة في قلب العريس والدم تناثر على وجه العروس التي صرخت
: " حبيبي له في الغرام حاجة" .
انفض الفرح وهرب المطرب وتم تقييد الحادثة ضد مجهول، وأطفئت المصابيح في السرايا وفى اليوم التالي رحلت هند، ومريم ارتدت النقاب، وقيل: إنها في هجرة دائمة إلى أين؟ لا أحد يعلم؟
فى أيام أخرى تسللت إلى عقل البواب وقلبه لأنصت لحكايته الأسطورية ودوره العظيم في إدارة السرايا حتى أعطانى المفاتيح وفتحت الباب فانطلق من داخلها هبو أبيض، خطوت إلى الداخل وهييء لي أنني أسير في لحم أنثى يشبه صحراء من الكثبان الرملية وعلمت أننى في حلم وأننى مطارد بالأحلام ولذلك يجب أن أنتبه حتى لا أسقط في هوة الكوابيس حتى لا تدمر البقية من أعصابى التالفة، فتحت غرفه فخرج منها صراخ أطفال وغناء وحشيّ مرعب والحجرة الثانية صلبان وأهلة ورايات وسكارى ونخيل وأشجار جافة وزهور ميتة ومسامير تتبعني، جريت وقلت: لم أعد احتمل الكوابيس المدمرة التي تعصف بي.
ضربت الباب الأخير لكى أخرج من الحلم والسرايا، ضربت برعب المقتول فانكسر الباب . كانت الغرفة فارغة تمامًا، ولها باب قديم ومتهالك يؤدي الي خارج السريا من الجانب الخلفي وخرطوم مياه تنساب منه مياه باردة كأنها خارجة من مبرد. تقدمت وأنا حذر حتي وجدت قدمي تنزلق وأسقط علي ظهري وتصطدم رأسي بالبلاط . ظللت فترة ساكتاً حتي اجتاحتني فورة فرح فضحكت وشعرت بالنشوة من الماء البارد، انتفض جسمي وبدأ ينزل منى سرسوب يبلل البنطلون لا أعرف إن كان ماء أو منياً، أُنهكت على إثرهِ، وتكومت على الأرض...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى