يوسف عبود جويعد - الضرير

باب الشرقي ، نفر واحد ، شاي زيد السكر ، غاز ، غاز ، يد تمتد نحوي ، الى اين تذهب ؟ ، الباب الشرقي ، انتبه اصعد الى الرصيف ، هذا هو الباب ، ادخل ايها الرجل الطيب ، اشكرك ابني العزيز ، امسكني اخر ، تعال قربي ، اجلس الآن ، اغلقوا الباب سأتحرك ، اعتقد ان بجانبي الايسر امرأة ، هكذا احسست لترافة جسدها ولعطرها الطيب ، اما الجانب الايمن عامل بناء ، رائحة السمنت تفوح منه ، الاجرة ، كم ، الف دينار ، اين محفظتي ، وجدتها ، اخرجت عملة فئة الف دينار من المخفظة ثم اعدتها الى جيبي ، سمعت همسات ، كيف عرف الورقة النقدية من بين النقود ، رفعت راسي منتصباً الى الامام ، لا تستغربوا انا اعرف النقود من حجمها ولمسها ، شاي ابو الهيل ، جرايد ، جرايد ، كارت اسيا بخمسة الاف ، كارت عراقنا بخمسة الاف ، بالف ، مناديل ورقية ، صافرة شرطي المرور ، اصوات المنبهات ، مهجرة وصاحبة عائلة ، ساعدوني ، اه الا تنتهي هذه المعاناة ، ارجوك خذ هذا المبلغ اعطه لهذه السائلة ، عمي ربع دينار ارجوك ، صوت طفل صغير ، انا اتألم جداً عندما اسمع احد يحتاجني ، لغط كبير ، منبهات تعج اصواتها ، صافرة شرطي المرور ، تحرك سير المركبات ، ساعدني احدهم بالنزول وسألني الى اين تريد الذهاب ؟ ، ساحة الاندلس ، ظل ممسك بيدي ، بسرعة اعبر الشارع فارغ الآن ، زعفرانية ، بغداد الجديدة ، ساحة ، ساحة ، اصعد الآن ، شكراً لك ، استقبلوني الحرس ، انهم يعرفوني ، اهلاً استاذ تفضل ، ابو محمد صاحب المقهى ، اسمع صوته من بعيد ، يحكي ظرفة جديدة سمعها تواً ، يتصاعد الضحك ، ابو محمد قهوة سادة ، سادة ام مقلم ، كيف الحال استاذ صادق ، اتعرفني ، سلمت عليك مرة واحدة ، انا لا انسى احد ، انت الخزعلي اليس كذلك ؟ نعم ، صافحني بعد ان وجه يدي صوبه ، قبلني وانا جالس في مكاني ، اخوان جلسة الشعر ابتدأت في القاعة ، ايها الخزعلي تعال خذني الى القاعة ، مدير الجلسة مرح ، بضفي على جلسة الشعر شيء من المرح ، يسر النفوس ، قصائد جميلة ، تصفيق حاد لاحد الشعراء ، قصيدة اخرى لشاعر اخر لم تثر اهتمام احد ، حصل لغط وهمهمات ، اعتقد لان القصيدة مملة ، علي ان ارفع يد ي ، بعد ان قال مدير الجلسة ، من لديه مداخلة ؟ ، استاذ صادق تفضل ، نهضت وقفت بانتظار ان يأخذني احد الى المنصة ، نعم هو ذات هذا الخزعلي الطيب ، اعتقد انه رجل كبير ، لانه يسير ببطء ، وانفاسه لاهثة ، بدين ايضاً ، عرفت ذلك من خلال احد اصدقائه وهو يمازحه ، انت تأخذ بالعرض ، انتبه السمنة نالت منك ، تحدثت عن الشعر والاهتمام بالبلاغة اللغوية واختيارات مفردات فيها صور ورموز ، يجب على الشاعر ان يختبر قصيدته ، هل تروق لاحد ، ليس هنالك ضرورة لقصائد مملة ولا تثير اهتمام احد ، نزلت من المنصة بعد سماع موجة التصفيق ، هرول نحوي الخزعلي وسحبني بلطف الى حيث اجلس ، سألته قبل ان اصل الى مكاني ، هل كانت محاضرتي جيدة ، اريد رأيك ، انها جيدة وقيمة ، كيف اعرف ذلك ؟ ، عندما يدب الصمت الجلسة وتسكت الاصوات فهذا يعني ان الكل يصغي وان الحديث ممتع ، نعم هذا ماحصل بالفعل كان السكوت مطبقاً ، اعلن مديرالجلسة ، بعد انتهاء الجلسة الشعرية هناك وجبة عذاء ، فرحت لاني جائع جداً ، وبعد ان انتهت المداخلات قدم مدير الجلسة باقة ورد للشعراء وطلب منا التوجه الى المطعم ، لم اجد صديقي ، اخذني احدهم بصمت ، فضلت انا ايضاً ان الوذ بالصمت ، قف امام المنضدة ، سأكون انا مقابلك ، هذا كل ما قاله ، ثم سكت ، مر الوقت بطيء . هنالك تحضيرات ، وضع احدهم قنينة ماء امامي ، لمست الماء بارد منعش ، انا ضمان من شدة الحر ، فتحت السدادة شربت ، اعدت القنينة ، اصوات اسمعها هنا وهناك ، الا ان صاحبي يلوذ بصمت غريب ، اظنه جائع جداً ، فالجوع احياناً يجعل المرء يتصرف بشكل غريب ، استجابة لنداءات امعائه وشوقه الكبير للطعام ، ابتسمت وهمست بداخلي دعه يعاني الجوع وشوق رؤية الطعام ، فليكن الصمت بيننا هو الغالب ، وعاء كبير تفوح منه رائحة اللحم والرز والخضروات ، قنينة لبن باردة ، فاكهة برتقالة ، شممت رائحتها ، امسكت الملعقة ، غرستها وسط الرز ، تلمست ما فوق الرز من خلال الملعقة ، قطع لحم مسلوق ومقلي ، تذوقته ، انه لذيذ جداً وشهي ، يدفع الانسان الجائع الى الاندفاع نحوه ، طهي بمهارة عالية ، وسبك على نار هادئة ، ما حال صديقي الصامت الآن ، هل هو يأكل ببطء ؟ ام ياكل بشراهة ، لم اسمع له صوتاً ، سوى صوت الملعقة وهي تغرف الطعام ، اظنه متلذذ في هذا الطعام ؟ اظنه مستمتع الآن ياكل بكل حواسه لانه كان جائعاً جداً ، فالجوع يجعل الانسان يلوذ بالصمت ، اعتقد ان صاحبي بدأ ياكل بسرعة ، علي ان اسرع في تناول الطعام لانني جائع مثله ، اعتقد انه يزداد سرعة ، صوت التهام الطعام والهمهمات المتقطعة ، علي ان اسرع اكثر ، بدأت اتناول الطعام بسرعة اكثر ، هل ان صاحبي الآن اسرع مني في تناول الطعام ، انها المنافسة الكبرى ، سأكبر لقمتي اكثر ، قد ينتهي الطعام دون اشبع ، لازال هذا الصمت يحيرني ، لازلت لااعرف صاحبي ، هل هو منكب الآن في التهام لقيماته بسرعة ، وهل يريد ان يجهز على اناء الطعام وحده دون ان اشعر بالشبع ، اعتقد ان صاحبي الآن رمى الملعقة وبدأ يأكل بيده ، رميت الملعقة واكلت بيدي استجابة لهذا التنافس وهذا الصمت ، انه لا يتكلم ، انه يأكل فقط ، اعتقد ان يداً واحدة لا تكفيه ، بدأ ياكل بكلتا يديه ، اكلت بيدي الاثنتين ، انه ياكل بشراهة عالية ، سيجهز على اناء الطعام دون ان اشبع ، اسرعت ، اسرعت ، احس انه الآن هو اسرع مني ، ساسرع في التهام الطعام اكثر ، اظن ان المنافسة اشتدت وانه سيحمل اناء الطعام ويأخذه الى مكان بعيد ، سافاجئه الآن بالضربة القاضية ، ساحمل اناء الطعام وامضي به الى مكان اخر ، لازال الصمت يشتد واحساسي بان صاحبي ياكل بشراهة ، دفعني الى حمل الاناء والهرب فيه الى مكان اخر ، لا اسمع صوتاً ، ظل السكون والهدوء والصمت سيد المنافسة .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى