إبراهيم أصلان - وقـت إضــافي

ابراهيم أصلان.jpg

لابد وانك علمت اذن ان امبابة‏,‏ زمان‏,‏ كانت موطنا لاعداد من افذاذ اللاعبين في شتي المجالات‏,‏ ابطال اوليمبيين في المصارعة والملاكمة وحمل الاثقال‏.‏
وقد ظللنا نردد ونحن صغار حكايات لا اول لها ولا اخر عن هؤلاء الابطال‏,‏ وكم سيطر علينا الوجل ونحن نتذاكر حكاية الرباع الذي نسيت اسمه للاسف‏,‏ ذلك الذي انتهز فرصة انقطاع الكهرباء ووقف يصل الاسلاك العارية في حديقة عوامته المطلة علي الكيت كات‏,‏ وكيف ان التيار وصل فجأة وقضي عليه‏.‏
كان اغلب ابناء امبابة ينتمون الي الطبقة العاملة‏,‏ يعملون ما بين المطابع الامريكية ومصانع الشوربجي الي جانب نادي الجزيرة بملاعب الجولف والتنس وسباق الخيل‏,‏ فضلا عن اندية الزمالك والترسانة والاهلي طبعا كما انها كانت محتشدة باعداد من الاخوان المسلمين ويكاد لايوجد بيت لم يقبض فيه علي واحد منهم عقب حملة عبد الناصر بعد اطلاق النار عليه في‏54.‏
كما كانت موئلا لابناء اليسار المصري باختلاف اجيالهم‏.‏
وفي الليل‏,‏ كنا نري هؤلاء اللاعبين القدامي يتنقلون من هنا الي هناك‏,‏ او يجلسون في مقاهيها بعدما ولي الشباب وانحسرت الاضواء‏,‏ يتجمعون في الاركان المعتمة من مقهي السني او مقهي عوض الله او غيرها‏,‏ نري لاعبي كرة قدم او مدربي تنس ومصارعين ورافعي اثقال وحاملي حقائب الجولف‏,‏ وهؤلاء كانوا يتمتعون بتقدير خاص‏,‏ لان من المعروف ان لاعب الجولف يتعامل مع ثماني عشرة حفرة كل منها تتوج ملعبا مستقلا‏,‏ ويكون عليه ان يسقط كرته في هذا الملعب في خمس ضربات مثلا‏,‏ متخلصا من كل العقبات التي سوف تعترض كرته‏,‏ هضاب او برك مياه او احراش صغيرة مثلا‏,‏ اذا اسقط الكرة بعد اربع ضربات مثلا فقد كسب من الارض نقطة‏,‏ او يتعادل مع الارض او يخسر اذا زادت ضرباته‏.‏
الضربات الاولي تكون طويلة لان هم اللاعب ان يضعها علي رقعة النجيل الناعمة‏,‏ وهنا يأتي دور حامل الحقيبة ومعرفته باتجاهات النجيلة المقصوصة‏,‏ مقاومتها للكرة التي سوف تنزلق من هذا الموضوع او انسيابها من هناك‏,‏ لذلك تري اللاعب يضرب الكرة في اتجاه بعيدا عن الثقب ورغم ذلك تجدها اتجهت اليه في نصف دائرة وسقطت فيه‏,‏ حامل الحقيبة هو الخبير الذي يشرح الاتجاهات وينتقي العصا التي سوف يستخدمها اللاعب‏.‏
اخر النهار ايضا فقد كنا نري حسين عبدالشافي وهو ينزلق من شارع البحر الي مدخل المدينة المنحدر بدراجته من دون ان يبدل بقدميه‏.‏
كان يمر امامنا مثل فارس علي حصان منتصبا بجسده وحزامه الجلدي‏.‏
في ذلك الوقت كان يعمل علي تليفونست باحد محلات الاقمشة‏,‏ وكنا سمعنا من هؤلاء الذين انقطع اثرهم انه شارك المنتخب القومي المصري وابلي بلاء حسنا في دورة برلين عام‏1936‏ بقيادة الكابتن مختار التتش‏,‏ وكان يحتفظ في محفظته بورقة من مجلة المانية بها صورته وهتلر يصافحه في حفل الافتتاح‏,‏ وكانت هذه الصفحة هي بطاقته التي تعرفوا بها عليه عندما انتشلوا جثته بعد ما جرفها التيار ناحية القناطر‏.‏
الحكومة اعتبرته غريقا بينما الناس جميعا قالوا انه انتحر لان حسين عبد الشافي كان يعرف السباحة شأن ابناء امبابة جميعا‏.‏
وغني عن القول انه كان صاحب اخف دم في امبابة كلها كما كان صاحب الواقعة المعروفة التي رددها البعض باعتبارها نكتة بينما هي حقيقة لا مراء فيها‏.‏
فلقد كان يعيش في بيت به شرخ طويل يجعله يري منه الدنيا بالخارج اناء الليل واطراف النهار‏,‏ هكذا مضت السنون ثم حدث زلزال مفاجيء ارتج منه البيت فاعتدل والتأم الشرخ وعاد سيرته الاولي واختفت السماء‏,‏ حينئذ رفع عبد الشافي يديه الي السماء وقال‏:‏ يارب‏,‏ كمان زلزال يدهنه‏.‏

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى