حسن أحمد بيريش - حوارات مع محمد شكري.. -8- المعيش قبل المُتخيَّل سنوات المنع والحصار

* متى تم منع "الخبز الحافي" في المغرب؟
- " في بداية سنة 1983

* هل جاء المنع نتيجة قرار رسمي من السلطات المسؤولة؟
- " حسب تحريات قمت بها شخصيا، تبين لي أن المنع لم يصدر من طرف السلطة المسؤولة· ولم يكن نتيجة قرار سياسي رسمي، بل كان نتيجة ضغوط شديدة مارسها محافظون على الجهات الرقابية لكي يمنع هذا الكتاب من الصدور والتداول بين القراء المغاربة، بدعوى أنه "مفسد للشباب"!

* ألم تحاول فعل شيء ما لإنهاء الحصار الذي ضُرب حول كتابك؟
- " سؤالك هذا سبق ان طرحه النائب البرلماني الاستاذ عبد الصمد بلكبير على أحد الوزراء في البرلمان· وكان رده: أنا لا علم لي بمنع هذا الكتاب! وأنا أتساءل: كيف يحدث أن وزيرا مسؤولا لايعلم بمنع "الخبز الحافي"؟! هل هذا معقول؟!

* هؤلاء الذين ساهموا في مصادرة سيرتك الذاتية، كيف تفسر موقفهم هذا؟ وهل يمكن وصفهم - في رأيك - بالتناقض السافر كونهم يقبلون مباذل مجتمعنا واقعيا ويرفضونها فنيا وإبداعيا؟!
- " هؤلاء لا يفهمون ولا يعرفون كيف يفرقون، حقيقة، بين ما هو صالح وما هو طالح· بالنسبة إليهم إن مجرد تواجد الجنس في كتاب يعتبر مشبوها، إباحيا· ويتم وضعه في خانة الكُتب "المفسدة للشباب"!!
لطالما تساءلت مع نفسي: كيف يمنعون "الخبز الحافي"، ويسمحون بعرض أفلام سينمائية تتضمن إباحية ومشاهد خلاعة مباشرة، وإيحاءات جنسية صريحة ومكشوفة؟! علما بأن هذه الافلام يشاهدها المتعلِّم وغير المتعلِّم، والامي والمثقف· بينما الكتاب هو موجه فقط لفئة المتعلمين·

* في خطوة غريبة أقدمت الجامعة الامريكية بالقاهرة على منع تدريس "الخبز الحافي" لطلبتها، بحجة "إباحيتها"· ما موقفك من هذا المنع الصادر من جامعة تفخر بـ : "مبدئها الليبرالي"؟!
- ببساطة "الخبز الحافي" كانت ضحية تصفية حسابات بين الاساتذة بعضهم البعض، سواء كانوا يُدرِّسون في الجامعة الامريكية، او في جامعات أخرى·
اما "الإباحية" المزعومة فهي ليس أكثر من تبرير يسوِّغ الحملات العنيفة التي يشنها البعض ضدي في العالم العربي!··

* هل يمكن أن تذكر أسماء محددة؟
- " لا! إعفيني من الجواب· لا أريد الدخول في سجالات فارغة وسخيفة!··

* السماح بنشر "الخبز الحافي" في المغرب هذا العام (2001)، هل يعني - في نظرك - انتصارا لحرية الابداع، وانهزاما للعقليات المحافظة التي كانت السبب في منع الكتاب لمدة 17 عاما كاملة (2001/1983) ؟
- " في هذا الصدد لا أؤكد الانهزام او الانتصار·
ربما العقليات التي كانت وراء المصادرة، لم تكن تفرق بين الاخلاق كقيمة عقائدية، والاخلاق الادبية· وأعتقد أن هذه العقليات قد تراجعت عن موقفها في الحكم على كتابي بـ "المجونية المطلقة"! بعدما بدأ يتبدى، من خلال التحولات الاجتماعية، ان ما هو موجود في الشارع العمومي هو أكثر استفزازا وإخلالا بالاخلاق العامة، مما هو موجود كوصف مرحلي كان يتحكم فيه الوجود الاستعماري، أكثر مما كان يتحكم فيه الوجود المغربي العقائدي، الذي لم يكن له نفوذ لكي يغيره، وهو يجري على مرأى من عينيه·
لذلك فشهادة الوصف في "الخبز الحافي" هي شهادة إدانة وليست شهادة متواطئة·

* سيف المحرمات المسلط على رؤوس الكتاب والمبدعين العرب، هل يمثل - من وجهة نظرك - قصفا للأقلام، ووأدا للأفكار، واغتيالا للاعتقادات؟ وهل يقف سدا معيقا للنمو الحي والفعال في الكتابة الادبية العربية الحديثة؟
- " الوصف الذي يقدمه الكاتب للواقع المعيش، اجتماعيا، سياسيا، واقتصاديا، ينبغي ان نقرأه باعتباره إدانة للأوضاع الفاسدة والمتخلفة، ورغبة صادقة في تغييرها وإزالتها من حياتنا·
ومشكلة بعض العقليات السرطانية أنها تجهل كلية وظيفة الادب في الحياة· وتنظر الى هذا الوصف الادبي باعتباره وصفا متواطئا· ومن ثم تتهمه بالإباحية والمجونية والإفساد، مع أن الكاتب لايكتب إلا من أجل محاربة كل ما هو مفسد وإباحي ومبتذل في واقعنا ، خدمة للمجتمع، وإعلاء من قيمة الإنسان·

* أفهم من كلامك ان الكتابة الابداعية ليس ضروريا ان تلتزم بما هو أخلاقي·
- " الكتابة التي تلتزم بما هو أخلاقي لاتعيش طويلا، ولا تحدث تأثيرا كبيرا، او فعالا في محيطها الاجتماعي والثقافي والحضاري· والصدق قد لايكون واردا في الادب، أو مهما بالنسبة للفن والابداع، إلا في حالات أدبية او شخصية خاصة ومحددة·
عندما يتعلق الامر بعمل أدبي، ينبغي ان لانقول هذا وقع حرفيا· وهذا لم يحدث في الواقع· ذلك أن الابداع مرتبط أساسا بالخيال· وبواسطة هذا الخيال يبدع الإنسان·
ليس مطلوبا من الاديب - في اعتقادي الخاص - ان يكتب من أجل إرشاد الناس· الكتابة تفقد قيمتها الحقيقية عندما تخضع للوعظ والإرشاد· مهمة الادب تكمن في الاحتجاج على الاستغلال، والاشارة الى بؤر الفساد في المجتمع، والمطالبة بالتغيير الجذري لكل وضع يحد من طموح الإنسان، وأحلامه وتطلعاته·
ولكن الادب لايغير على نحو مباشر كما تفعل السياسة، وكما يفعل الاقتصاد، بل يغير عبر مراحل قد تكون آنية، وقد تكون مستقبلية، وبواسطة التحريض المستمر على تجاوز كل مايعيق تقدمنا الى الافضل، الى الامثل·


10/22/2004

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى