عماد هادي الخفاجي - مفهـوم الفضــاء والمكان والحيز

لقد شغل مفهوم الفضاء حيزاً كبيراً من تفكير بعض الفلاسفة والمفكرين عبر التاريخ فلذلك يرى الباحث بأنه من الضروري وقبل التوغل إلى تحديد مصطلح الفضاء لابد من التمييز بينه وبين المكان والحيز وذلك كون الفضاء والمكان والحيز مفاهيم أساسية ومهمة لعبت دوراً مهماً في تكوين كيان الفرد وبالتالي الجماعة لان الإنسان هو المتحكم الوحيد في نوع وطبيعة الحيز الذي يشغله والذي يتطلب تحديده بعناصر مادية بتركيبها تكون الكتلة وتصوغ الفضاء ويمكن القول هنا بان الحيز والمكان والفضاء مفاهيم امتزجت في بعض الأحيان وتعارضت في أحيان أخرى لذلك كان لابد من التوقف هنا للإشارة أليهما من خلال ما طرحه الفلاسفة والمنظرين وعبر الحقبات التاريخية المختلفة.
- الفضاء لغوياً: " يعني المكان الواسع " وان الفضاء في اللغة العربية أيضا يعني " الاتساع والانتهاء ويفضي كل شيء أي يصير فضاء وكذا في النهاية".
والفضاء : " 1. مصدر فضاء. 2. ما أتسع من الأرض. 3. الخالي من الأرض".

- الفضاء فلسفياً:

نتيجة للأهمية التي تحملها مفاهيم ( الفضاء - المكان والحيز) يرى الباحث بان هذا يدعو إلى استعراض للطروحات الخاصة لهذه المفاهيم من خلال الاعتماد على التشابهات والاختلافات في طريقة الفهم وخلال المراحل الزمنية المتعاقبة وكبداية سيتم تناول مفهومي الفضاء والمكان ثم ننتقل إلى مفهوم الحيز من هذين المفهومين.
ففي العصور القديمة وضح أفلاطون (Plato) في دراساته بان الفضاء " يدرك ولكنه لا يرى ، واعتبره عنصراً كاملاً ذا وجود مطلق ويمثل نظام ثلاثي الأبعاد يوفر مكاناً لكل الأشياء التي تظهر للوجود وهو يسبق الخلق وسوف يستمر حتى بعد أن يتدمر الكون أما المكان هو الموقع المستقل للأشياء الموجودة في فضاء محدد".
ما في العصر الإسلامي فيعتبر ابن سينا أول من ميز بين الفضاء والمكان بالفكر الإسلامي والمكان عنده قسمان " 1. مكان خاص لكل جسم 2. مكان عام ويشمل الأمكنة الجزئية للأجسام التي يحويها والفضاء عنده يساوي الخلاء وهو أول من وضع تعريف الخلاء في الفلسفة العربية كونه يمتلك أبعاداً ثلاثة شانه أن يملأه جسم وان يخلو عنه ويدرك من خلال وجود الجسم أو مفارقة الجسم له ويمكن مسحه أو تفسيره بمقدار معين ويعتبر المكان المجرد".
أما في عصر النهضة فلقد وضح كاسندي (Cassend) الفضاء بكونه " لا متناه يملك صفة بعدية مستقلة عن الأبعاد المادية الملموسة فهو يؤكد نظرة المدرسة الكبرى في العصور القديمة ويتفق مع أفلاطون بان الفضاء يسبق الخلق ويستمر حتى بعد أن يتدمر الكون وان المكان لا يمثل سوى فضاء فارغ والأجساد هي التي تغير المكان في الفضاء أي أن الفضاء يبقى ثابت لا يتحرك".
أما في العصر الحديث نلاحظ كانت (Kant) هنا أعطى مفهوم جديد لمفهوم المكان وذلك من خلال ما يأتي " المواقع لها علاقة بأجزاء الجسم أو الفضاء، فالذهاب إلى مكان ما هو الذهاب أليه مع جسمي المتحرك الذي يملك اتجاهيته الخاصة بحيث وضح بان للفضاء اتجاهيه وكل الأماكن الاتجاهيه تعتمد على الجسم البشري وكذلك اعتبر المكان جزء لا يتجزأ من الفضاء" أما هايدكر (Heidegger) لقد وضح أن العلاقة بين الفضاء والمكان " ليست متبادلة أي الفضاء يولد المكان فهو طريق باتجاه واحد فالفضاء ليس جزء من المكان بل المكان جزء من الفضاء".
مما تقدم يظهر إن الفضاء هو الذي يحدد المكان الذي هو جزء من الفضاء أي إن المكان هو حقيقة ملموسة في الفضاء بحيث يؤثر ويتأثر بالمحتوى الفضائي . ومن طوال ما تقدم يرى الباحث انه لابد من التوجه إلى مفهوم الحيز وماهيته وهل هناك أوجه تشابه واختلاف بينه وبين الفضاء والمكان أيضاً على أن لا نغفل الاستفادة من الطروحات السابقة.
إن الفضاء أوسع من الحيز كونه يحتوي هذه المساحة الضيقة والمحدودة الأطراف والتي يمكننا إطلاقها على مكان جغرافي أو على ما له صلة بالمكان الجغرافي على نحو أو آخر " فالفضاء كل هذا الفراغ الشاسع الذي يحيط بنا من الكون الخارجي وهو أيضاً كل هذا الفراغ الهائل الذي يمتد من حولنا مع امتداد مدى أبصارنا" أما مسالة أن نطلق الفضاء على مكان محدد بالمساحة والمسافة فإننا نرى في ذلك قصوراً " فالفضاء في مدلول اللفظ نفسه أوسع من مدلول لفظ الحيز الذي نتصرف فيه ، تبعاً لورود أطواره وتعرض أحواله في جميع المتناول فيه تقريباً وذلك بأننا نعد كل جسم ناتئ كأن يكون شجرة أو نبتة أو سيارة أو حيوان أو إنسان ماشي أو نهر جاري أو نخلة باسقة أو طريقاً ملتوياً حيزاً". إذاً كل شيء يمكن أن يتحرك فيمس أو يلمس حيزاً، أما المكان " كل حيز جغرافي معروف" ولعل التعريفات الفلسفية التي ذكرت سلفاً قد جنحت في هذا أيضاً ولكن في سياق آخر. ومن خلال ذلك يرى الباحث بان الفضاء هو: (كل هذا الفراغ الهائل الذي يحيط بنا ويمتد من حولنا مع امتداد مدى أبصارنا ويحدده مستويات هما الأرض والسماء وما بينهما هذا بالإضافة إلى انه يعتبر نموذج مستقل يمتلك ثلاثة أبعاد مع بعد رابع لا تدركه العين يدرك من خلال تفاعل الإنسان مع التكوين الفضائي الذي يمثل البعد التعبيري الرمزي للفضاء والذي يمثل مجموعة من الرموز تعمل على إثارة العواطف والتي تعد حدثاً يستعمل للتعبير وإيصال المعاني).

قائمة المصادر والمراجع:
1.أبي عبد الرحمن الفراهيدي ، كتاب العين ، مج7، بغداد ، دار الرشيد ، 1981، ص 63.
2.محمد مرتضى الزبيدي ، تاج العروس في جواهر القاموس ، مج10، بيروت ، منشورات دار مكتبة الحياة ، ب.ت، ص3.
3.جبران مسعود ، معجم الرائد ، بيروت ، دار العلم للملايين ، 1978، ص122.
4.Edward Casey , Retrieving the Deference Between Place and space, Journal of Philosophy and visual Arts , Architecture , space , Painting , coordination Andrew Benjamin, 1990, p54
5. ينظر : حسن فتحي ، العمارة العربية الحضرية في الشرق الاوسط ، جامعة بيروت ، 1971، ص 172-182.
6. Edward Casey, The fate of place : Philosophical History , university of California , press U.S.A, 1997, p.142. 7. Ibide, same resource , P.209.
8. Ibide , Edward Casey, p. 272
9. http:// www.Abd Al- malk Read . com . p1. 10. Ibide , Same resource, p.1.
11. Ibide, Same resource , p.2.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى