عبد القادر حميدة - بحر الكلام

فجأة أجد نفسي ضحية.. ضحية أحلامي.. وأوهامي.. وهروبي المستمر إلى قواقع الصمت.. وفجوات النسيان.. أستفيق ذات صباح مشمس – على غير عادته في شهر كانون الثاني – فلا أجدك.. هل كنت قاسيا.. وأنانيا .. ومغرورا .. فحطمت كل شيء.. أم كنت واقعيا أكثر من اللزوم.. هل كنت أفر من المستحيل.. أم رغب فيه؟؟ماذا كان يعني لك المستحيل؟؟ أتساءل بيني وبين نفسي.. لكن التفاتة مباغتة جعلتني أعرف ما المستحيل لديك..

كنت تحبين الكاتبة الجزائرية ياسمينة صالح .. ولذا أهديتني نسختين من كتابها ” بحر الصمت”.. كنت تقولين لي ” أنك أنت هذا البحر.. يا لك من صامت مغرور.. ” لم أفهم مغزى إهدائك.. ولماذا اخترت نسختين من هذا الكتاب.. إلا لما هربت مني في الشهر الثاني من العام الجديد..

حانت مني الالتفاتة إلى تلك الرواية الجميلة التي قرأتها مرتين.. لست أدري لماذا بالضبط قرأتها مرتين.. مع أني من الذين يملون الكتاب بسرعة.. يستهويني حتى أظن أنني لن أفارقه.. و إذا ما تمكنت منه سرعان ما أمله.. فأتركه في صفحاته الوسطى.. ( لا الرحلة ابتدأت .. و لا الدرب انتهى ) على رأي محمود درويش.. لكن ( بحر الصمت ) قرأتها مرتين.. هل لأنني كنت أبحث عن هويتي داخلها.. أم لأنك أهديت لي منها نسختين.. حانت مني تلك الالتفاتة.. و ليتها ما حانت.. لقد قرأت مباشرة رأيك في هذا المستحيل.. كنت تقولين.. أن آراء ياسمينة هي دائما آرائي.. لقد أعجبت بكل كتاباتها.. فحفظتها.. والآن صرت تعرفين حتى ما لم تكتبه ياسمينة..

وكنت أقول لك / يا لها من محظوظة هذه الكاتبة.. لو أنك حفظت و لو جزءا من كلامي.. وفهمت الجزء الآخر من صمتي.. لما حدث بيننا الذي حدث.. لكنك همت بالكتاب.. ولم تهيمي بي..

حفظت ياسمينة صالح.. وأحلام مستغانمي.. وحنان الشيخ.. وآمال نوار.. وفاطمة ناعوت.. ومليكة مقدم.. وعناية جابر .. وغالية خوجة.. وفرات إسبر.. ونينا بوراوي .. وكليزار أنور.. وجاكلين سلام.. و نور القحطاني.. و إستبرق أحمد.. و سعدية مفرح.. و رضوى عاشور.. وملك مصطفى.. وشهلا العجيلي.. والراحلة مليكة مستظرف .. و .. و .. و .. لكنك لم تحفظي ولو مقطوعة واحدة من شعري.. حتى ولو قصيدة قصيرة جدا.. أو قصة قصيرة جدا.. حانت مني الالتفاتة .. فقرأت عبارة ياسمينة في بحر الصمت /

” .. أجل مستحيلة هي الأحلام.. ومع ذلك نمارسها كما نمارس الحب، باعتقاد مسبق وخاطئ أننا على حق، لنكتشف في النهاية أننا خسرنا الأحلام والحب معا .. ” ص 84

أتذكر أنني قرأت هذه العبارة.. ثم بكيت في ذلك الصباح الشتائي المشمس.. بعدها أعلنت أنني تعبت من الصمت.. وأنه آن لي أن أكتب ” بحر الكلام “.. كآخر كتابة.. وآخر تحد لهذا المستحيل.. فهل ستقرئين رسالتي.. وتربتي علي بكلماتك.. أم أنك ستتركينني للمصير المجهول؟؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى