جورج سلوم - القطة المطلقة

عزوبيته إرادية .. متعمّدة.. وعن سابق تصوّر وتصميم

وعزوفه عن الزواج قرارٌ استراتيجيّ تمّ اتخاذه بكامل قواه العقلية !..

وهذا يعني أن الأمر لا رجعة عنه .

لا تجادلوه في وجوب إكمال نصف دينه .. والبحث عن نصفه الثاني .. فلن يفتّ في عضده ذلك الكلام .

هو يسخر من النساء جميعهن باعتبارهن شرّاً لابدّ منه .. ليسوا أكثر من قوارير .. أو وسائل خُلقت للإباضة والتفقيس والتفريخ .. حواضن للصغار أو مرضعات .. وحتى ذلك الإرضاع الذي تفخرن به استغنى عنه البشر منذ القدم .. فاستبضعوه من أخريات وظيفتهنّ إدرار اللبن ..

وما مات وليدٌ لأنّ أمّه جَفّ ضرعها .. ونضُب حليبها !

والنساء على الأرض أشبه بتُرَبٍ للحراثة واستزراع البذور (حسب رأيه).. فهنّ حرثٌ لنا.. (نحن الرجال) نأتيهنّ أنّى شئنا !

ولمّا تطوّر العلم واستغنى اليابانيون عن التراب .. واستنبتوا البذور في أمصال مغذية .. كان ذلك دليلاً على صدق اعتقاداته فلا مبرر إذن لوجود التربة كلها .

واستشهد أيضاً وأيضاً .. بأطفال الأنابيب كدليلٍ آخر لعدم الحاجة للأنثى ككيان بشري .. المطلوب بيضتها فقط .. فلا تتغنّى يا عاشق النساء بعيونهن ونهودهن وأردافهن الثقيلة .. ما هُنّ إلا بيوض .. وحتى تلك التي لا تبيض منهن تستبدل ويُستعاض عنها بولّادة وبيّاضة !

ولما جاء الاستنساخ كان إثباتاً نهائياً لعدم حاجته حتى لبيضتها .. ودورتها وطمثها وسنيّ يأسها .. وانفعالاتها وغنجها ودلالها .. ورقصها وتعرّيها .. وشيطنتها ومكائدها .. وموتها .. لاتنسَ وأدها أيضاً عند ولادتها !

لذلك كان يسخر من صديقٍ استمات وراء امرأة ما كمعشوقة لم يخلق الله لها بديلاً ..كان يصيح به :

-رويدك.. ما أكثرهن كالهموم على القلوب .. وجميعهنّ متساويات لو أطفأتَ عليهنّ النور !

فلا داعٍ لتفضيل شقراء على سمراء .. ولا طويلة ولا نحيلة .. ولا بضّة ولا دعجة .. ولا حوراء ولا نجلاء ..

وهكذا تتساوى أم زيد مع ابنتها وجدّتها في موازين الفراش !!! ..

وقد أوغل في سخريته من الأعضاء الجنسية برمّتها .. واعتبرها مجرّد آلاتٍ تلقيحية عمياء .. وذلك عندما عجزت أم زيد (مكفوفة العينين ).. عن تمييز أبي زيد من غيره في تجربة جنسية متعددة الأمشاج !

هو بالنتيجة يريد أن يقول أنّ الحياة ممكنة بدون نساء لأي رجل .. وممكنة بدون رجال لأي امرأة .. بل ويجاهد لإثبات أنّ الحياة قد تكون بتلك الوحدوية أفضل ..

هو لا يعترض على الجنس كوسيلة تلقيح فيزيولوجية .. ووظيفة مبرمجة بغية استمرار النوع البشري.. ولا يعترض عليه كمُتعةٍ عابرة.. لكنه ليس أكثر من ذلك ..

إن الأعضاء التناسلية (برأيه)... بحاجة لإشباعٍ ما كجهاز الهضم يجوع .. ويزدرد الطعام ..

ولا يُفترض أن يأكل نفس الوجبة كل سنيّ العمر .


قالت له - وكانت ذاتُ حُسْنٍ – بعد أن استنفرت كلّ زينتها :

-كأني بك تدعو إلى التحلل الأخلاقي .. وتميل لتحرير الرجل من حدّه الأقصى بأربع زوجات .. إلى نساء الأرض أجمعين .. وإلا فما معنى جهوَرتك ومناداتك بتغيير وجبة الطعام اليومية ؟.. أنت تحطّم مفهوم الأسرة والأبوّة والأمومة .. إلى مفهوم الجنس المفتوح ..أو العابر كعبور السبيل.

وتابعت بعد أضافت نبرة التحدّي إلى صوتها :

أنت تتنكّر لحليب أمك .. وثديها ورائحتها وحنانها وسهرها ... وتقارنها بأي مُرضعة مأجورة .. أو أي بقرة نهزْتَ ضِرْعها ورهزْته فسال نسغها .

أجاب وقد أغراه حُسنها .. واعتبر في قرارة نفسه أنّ معاكستها له في الرأي ضربٌ من فتح الحديث ليس إلا .. فأغرق في هجومه على المرأة علّه يثير ثائرتها أكثر:

-على العكس يا أخت ..

وبلع ريقه .. ولو كان يكتب كتابة لوضع خطاً تحت كلمة أخت .. فقط ليوحي لها أنها لا تعني له شيئاً ..وتابع :

لا أنكر فضل أمي .. ولكن لا أصِلُ بها إلى القداسة.. فهي حبلت بي لأنها مارست الجنس .. وأي إبداعٍ في ذلك .. ولم تأتِ بي بنفخة من روح الله كالبتول مريم .

ما الإبن إلا نزيلُ رحمٍ .. والرحمُ قارورةٌ يضخّون بها النطاف ضخّاً .. ويدكّونها دكّاً..

وأنت أيضاً تتجمّلين .. وتناورين وتتخيّرين الزوج المناسب توقعين به .. ستعشقين أيضاً .. وتتزوجين .. وتستسلمين للحب فتنجبين .. فأي فضلٍ لك في ذلك ؟..

شهوة ورغبة رخيصة ستنتج طفلاً في لحظة نشوة ...

ستمارسين غريزتك في الإرضاع وتربين أطفالك .. والقطط تفعل ذلك !

وبعض الأمهات يسميّن الحمل غلطة العمر ... تكبتنه بموانع الحمل .. تجهضنه .. تقتلن أطفالهن بدمٍ بارد بعمليّات تجريف إرهابية .. النساء تعشقن ممارسة الجنس فقط .. أنسيتِ يوم الخميس؟.. يوم تتباعد وترتفع أرجل النساء في صلاة جماعية ابتهالية لآلهة الجنس !!

القطة أكثر احتراماً من المرأة .. تجمع خميساتها في شباطَ فقط .. أما باقي السنة فهي عضوٌ فعّال في المجتمع .. وتعمل بصمتٍ وفعالية كالرّجال .. لاتستعمل موانع الحمل والحب عندها له موسم وشهر واحد في السنة ..

أما من حيث الأمومة.. فهي تحبل أيضاً وتتألم .. وتلِدْ وترضع وتربّي ست قطاقيط صغيرة دفعة واحدة ولوحدها .. وتذود عنهم وتستميت في ذلك .. ولا تتركهم حتى تعلّمهم ما تعلّمته من أمها .

كل ذلك ولوحدها .. بدون قط يدفع لها مهراً قبل الزواج .. وراتباً أثناءه .. ونفقة لو طلّقها .. فالمرأة ببساطة أمّ مأجورة ً شرعاً وقانوناً !

كان سيتابع كلامه لو سمحت له .. لكنها أدارت ظهرها وانسحبت مستنكرة .. تركته مبتسماً ابتسامة الظافر .. وخلّفت لديه انطباعاتٍ غريبة أحسّ بها لأول مرة .. ولولا عزّة نفسه لركض خلفها لا لشيئ إلا ليتمّ حديثه !.

هروبها المفاجئ جعل انتصاره منقوصاً .. وحواره مبتوراً .. لكن هنالك لذة ما أحسَّ بها لأول مرة في الحوار مع تلك الحسناء .. حتى انتصاره الوهمي لم يشفِ منه الغليل وكأنه فاز بالضربة القاضية على طفلٍ ضعيف أو عجوز طاعنة في السن .. لذا يتوجب عليه أن يساعد الخصم على عودة الوقوف .. بل والاعتذار منه .

عندما واجهها ثانية بطريق الصّدفة .. كان يريد الاعتذار وإصلاح ذات البين .. لكنّ كبرياءَه الاستراتيجي كان أقوى .. فوقف أمامها جامداً كالتمثال وقد أكل القط ّ لسانه ..نظر في عينيها التي كانت تنتظر ..ولما طال الانتظار نفرت منها الدموع .. ولملمت – ذات الحسن – أذيالها وانسحبت ثانية .. لكنها هذه المرة تركت لديه دموعها .. ولولا عزة نفسه لركض خلفها لا لشيئ إلا ليمسح عنها الدموع !

في ساعات وحدته ... كان يلجأ لقلمه وقراطيسه .. يسجّل فيها دفاعاتٍ وهمية عن قراراته .. ويكتب بعض مذكراته ..يتخيّل المرأة التي سيقارعها اليوم .. يكتب اسمها ويبدأ بالهجوم عليها من كل الزوايا .. وكأنها متّهمة في محكمة .. حتى ليخال القاضي والمحلفين قد أيقنوا بوجهة نظره بأن تلك المتهمة لا تختلف عن غيرها من النساء.. حينها يستسلم ويسترخي منتشياً بالنصرالكاذب .



لكنّ ساعات وحدته بدأت تقلّ رويداً رويداً ..بل وأصبح يخاف منها ..

اقتنى قطة في بيته .. لا يُطعمها شيئاً ..تأكل لوحدها من فتات مائدته .. تموء له أحياناً لو داس على ذيلها .. كان بحاجة للمواء (على ما يبدو) لذلك بالغ في إزعاجها بحذائه .. بل أخذ يضيّق عليها المكان .. يحبسها طيلة النهار لا لسبب إلا ليسمع مواء الاسترحام من خلف الأبواب الموصدة ..

-لا طعام اليوم .. ولا ماء .. اسمِعيني صراخك يا عاهرة

هذا ماقاله للقطة المذهولة .. أصبحت تخاف منه ولا تقترب من حذائه المدبّب .. يرعبها شاربه الكبير مقارنة بشارب القط ذي الشعيرات الثلاث ... تقول في نفسها هذا وحشٌ آدمي من فصيلة الكلاب التي تكره القطط بلا سبب

عندما عاد مساء من عمله وكان مجهداً.. متعباً .. وقد أعيته الوحدة

الكلّ يتجاهله .. والبعض يعتبره شاذاً .. زميلاته في العمل قاطعنه كردّ فعل على مواقفه ونظراته .. والرجال ملّوا من محاضراته الوحدوية .. ويعتبرون النساء هنّ ملح الأرض ولا حياة بدونهن ..ولا جمال .. ولا حب .. ولا حنين ولادفء.. ولا حتى أمل !



لذلك كان اليوم حاقداً .. ثائراً .. يضرب أخماسه بأسداسه .. صفق الباب خلفه بعنف .. كسر مزهرية خالية من الورد .. فتح برّاده الفقير وشرب ماء بارداً كالثلج .. لا شهية للطعام .. لابأس ببقايا كحول في زجاجة خجولة .. لابأس بسيجارة تستنفخ أنفاس صدره المنهك .. لاميل له للذهاب إلى مقهى الرجال اليوم ..سيشتكون من نسائهم كالعادة .. ولا يتخلون عنهن رغم ذلك ..

تذكّر قطته المحبوسة في غرفة النوم .. لا مواء لها ولا حركة ..

-قد تستغفلني وتهرب .. تلك العاهرة .. إلى قطٍّ غريب يموء في زاوية الحي .

هكذا قال لنفسه

فتح الباب .. وكانت قطته هامدة كخرقةٍ بالية .. تتنفس بصعوبة .. أعياها الجوع والعطش والحبس الذليل .. فتحت عيناً واحدة عندما سمعت وطء أقدامه .. وأخفت ذيلها تحت بطنها .. إذ ذاقت الأمرين من حذائه المدبب .. سيدوس عليه ويستمتع بموائها وأنينها .. لكنها اليوم لا حول لها ولا قوة .. فليفعل ما يشاء .. والموت قريب ولو قالوا إن القطة بأرواحٍ سبع..

دفعها بحذائه المدبب .. وكان ينظر إليها من عليائه .. بصق عليها .. فقلبت رأسها تريد أن تلعق لعابه الدبق ففيه بعض الماء .. وبصق ثانية على الأرض .. فزحفت تلعق البصاق الوبيل ..

-اقذفني ثانية .. ببصاقك الكريه .. عساني أستردّ روحي

هكذا ماءت القطة .. مستعطفة ومستسلمة .. وتابعت :

-هذا ذيلي الذي تستمرئ الدّوس عليه .. ادهسه بحذائك المدبّب .. لكن أغرقني ببصاقك .. بنقطة ماء .. ببقايا طعام ..بلحظة دفء ..لماذا لاتربّت على عنقي كباقي الرجال .. ولا تدغدغ فرائي الباردة .. والله سأموء لك أكثر وتسمع مني ألحاناً قططية جديدة ..

لكنه هذه المرة كان يدوس على ذيلها بحذائه المدبب بقسوة بالغة .. ونسي نفسه .. حتى انقلبت على ظهرها .. كانت تتلوى من الألم ... فبان وجهها المعروك ورأى منها دموعاً .. وتذكر أنه شاهد مثل تلك الدموع من السيدة ( ذات الحسن ) .. آنفة الذكر .

عندها أفلتها .. وتركها تنسحب زاحفة كدودةٍ مهروسة الفؤاد ... رماها بعقب سيجارته ولم يُصِبْها ..

قرر الخروج للتنفيس عن نفسه .. ارتدى معطفه الثقيل .. وعاد إليها .. كانت مستمرة في الزحف نحو الباب وتريد الخروج من حبسه ومن جحيمه .. لذلك دفعها بقدمه حتى أصبحت خارج المنزل.. لم تشعر حينها بالبرد بل تنفست الصعداء وحاولت السير .. وسارت

أغلق صديقنا الباب خلفه بعنف .. وسار في اتجاه معاكس .. توقف فجأة بعد عدة خطوات ونظر إليها .. وتوقفت هي أيضاً ونظرت إليه .. التقت نظراتهما بلهفة .. كأنما كانت تتوقع أن يقول لها شيئاً .. قد يعتذر .. قد يأخذها في حضنه .. قد يكون اشتاق إلى موائها ... إلى ذيلها يدوس عليه !

لكنه صاحَ بها مزمجراً :

-أنتِ طالق !!

***********************

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى