مقتطف محمد إسعَاف النشاشيبي - نقل الأديب

إلى سيدي العلامة الأستاذ الكبير حسن حسني عبد الوهاب الصمادحي - أدام الله مجده، ونفع المشرقين بعلمه وفضله

(نقل الأديب) للنشاشيبي ما هو إلا من ذلك الميراث القديم العظيم، وقد ورث الأستاذ كما ورثت، وعرف من قدْر ما ترك الأكرمون الأولون مثل الذي عرفت، بل أكثر مما عرفت. وما أنا بالمستأثر بكنوز القوم وما أنا بالمستبد، وما أنا بالوارث الأوحد

وإن هذا المال الموروث لدَثْر كثير، ولكل في التدبير والتثمير والإنفاق منه طريق. وعند الأستاذ التالدُ، وعنده - والحمد لله - الطريف؛ فهو السريّ المثري، وكم في سوق الأدب من صُعلوك وكم من صَعْفوق

وليست تسميتُه ولدَه - وكتابُ المرء ولدهُ المخلد - باسم ولدي (وقد زيد الحبيب) إلا تواضعاً؛ والعلماء الكبار يتواضعون. وعزوهُ الفضلَ إليّ بإظهاره تلك الطرائف التونسية هو أدبُ نفس، سليلُ ملك المَريّة به مشهور. فمرحباً مرحباً بـ (نقل الحبيب إلى الأديب) وحَيَّهَلْ، حيّ هلا بمتضاعف الحسن في العلم والفضل والاسم، ومد الله في عمره

محمد إسعاف النشاشيبي

311 - فإن شهرك في الواوات قد وقعا

محمد بن علي بن منصور بن بسام:

قد قرّب الله منا كل ما شسعا ... كأنني بهلال الفطر قد طلعا
فخذ للهوك في شوال أهبته ... فإن شهرك في الواوات قد وقعا

312 - الجمة السكينية

في (أغاني أبي الفرج): كانت سُكَينة أحسن الناس شعراً وكانت تصفف جُمّتها تصفيفاً لم ير أحسن منه حتى عرف ذلك وكانت تلك الجمة تسمى (السكينية)، وكان عمر بن عبد العزيز إذا وجد رجلا يصفف جمته السكينية جلده وحلقه

313 - بردى ساق وخادم. . .

ذكر أبو بكر بن العربي في رحلته أنه دخل بدمشق بيوت بعض الأكابر فرأى فيه النهر جارياً إلى موضع جلوسهم ثم يعود من ناحية أخرى. قال أبو بكر: فلم أفهم معنى ذلك حتى جاءت موائد الطعام في النهر المقبل إلينا، فأخذها الخدم ووضعوها بين أيدينا، فلما فرغنا ألقى الخدم الأواني وما معها في النهر الراجع فذهب بها الماء إلى ناحية الحريم من غير أن يقرب الخدم تلك الناحية. فعلمت السر، وإن هذا لعجيب

314 - أشهى إليّ من الدنيا وزخرفها

علي بن الجهم:

لجلسةٌ مع أديبٍ في مذاكرة ... أنفي به الهم أو أستجلب الطربا
أشهى إليَّ من الدنيا وزخرفها ... وملئها فضة أو ملئها ذهبا

315 - اللغة والدولة

في (الإحكام في أصول الأحكام) لابن حزم: إن اللغة يسقط أكثرها ويبطل بسقوط دولة أهلها، ودخول غيرهم عليهم في مساكنهم، أو بنقلهم عن ديارهم واختلاطهم بغيرهم، فإنما يقيد لغة الأمة وعلومها وأخبارها قوة دولتها ونشاط أهلها وفراغهم. وأما من تلفت دولتهم، وغلب عليهم عدوهم، واشتغلوا بالخوف والحاجة والذل وخدمة أعدائهم فمضمونٌ منهم موت الخواطر؛ وربما كان ذلك سبباً لذهاب لغتهم ونسيان أنسابهم وأخبارهم وبيود علومهم. هذا موجود بالمشاهدة ومعلوم بالعقل ضرورة

316 - السلطان، الملك

في (طبقات الشافعية الكبرى للسبكي): مصطلح الدول أن السلطان من ملك إقليمين فصاعدا. فإن كان لا يملك إلا إقليماً واحداً سمي بالملك، وإن اقتصر على مدينة واحدة لا يسمى بالملك ولا بالسلطان بل بأمير البلد وصاحبها. ومن هذا يعرف خطأ كتاب زماننا حيث يسمون صاحب حماة سلطاناً، ولا ينبغي أن يسمى سلطاناً ولا ملكا لأن حكمه لا يعدوها، فكأنهم خرجوا عن المصطلح. ومن شرط السلطان ألا يكون فوق يده يد، ولا كذلك صاحب البلدة الواحدة، فإن السلطان يحكم عليه، وأما حكم السلطان على الملك وعدم حكمه فيختلف باختلاف القوة والضعف 317 - بطل أندلسي

في (الإحاطة في أخبار غرناطة) لمحمد لسان الدين بن الخطيب: خرج إبراهيم بن محمد بن مفرج (همشك) متصيداً وفي صحبته قارعو أوتار الغناء في مائة من الفرسان، فما راعهم إلا خيل العدو هاجمة على غرة في مائتين من الفوارس. فقال: إذا كنتم أنتم لمائة وأنا لمائة فنحن قدرهم؛ ثم استدعى قدحاً من شرابه وصرف وجهه إلى المغني وقال: غن لي:

يتلقى الندى بوجه حياء ... وصدور القنا بوجه وقاح
هكذا هكذا تكون المعالي ... طرقُ الجدّ غير طرق المزاح

فغناه، واستقبل العدو وحمل عليه بنفسه وبأصحابه حملة رجل واحد، فاستولت على العدو الهزيمة، وأتى على معظمهم القتل، ورجع غانماً إلى بلده. ثم عاد للصيد في موضعه ذلك، وأطلق بازه على حجلة فأخذها، ورأى نصلا من نصال المعترك من بقايا الهزيمة فأخذه من التراب، وذبح الطائر، واستدعى الشراب، وأمر المغني فغناه بيت أبي الطيب:

تذكرتُ ما بين العذَيب وبارق ... مجرَّ عوالينا ومَجرى السوابق
وصحبة قوم يذبحون قنيصهم ... بفضلة ما قد كسّروا في المفارق



مجلة الرسالة - العدد 230
بتاريخ: 29 - 11 - 1937

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى