أحمد ختّاوي - الدقائق التي لاذت بالفرار

المكان غرفة ..وعتمة قاتلة .. موحشة لأم تئنُّ ..تخصب دمع المآقي …لا يورق . تخصيه ..:أمي جرعة حليب …هكذا يتهيأ لها من طفل يتضوّع جوعا.. يتوسد ضرعا أصابه القحط ..وصدمة قاتلة منذ أن شمل التسريح زوجها ..وجفّ كما السواقي في فصل قائظ .. أمي ضرعك أو جرعة حليب مسحوق .. هكذا كان يتهيأ لها الصوت الهامس من أغوارها ..ليس من داع أن تتوهّم أكثر ..حتى شهوة الأحاجي أفلتْ..وذابت في العتمة ..جهاز التلفزيون العتيق مطروح منذ مدة عند ( الصانع )..لا تحلو شهوة الكلام ..أو نبض الأحاجي ..دندنات العجائز لا تحفظها…شخير الزوج قبالتها يزفر كالسبع الشبعان ؟؟.. هكذا الأمر بدا لها .
تتوهم كل شيء . تمنتْ أن تخصي ثديها المخصي أو يفيض دمعها حليبا للذي يتوسده ..السهاد أخذ مناله منها ..وشخير الزوج قبالتها يتفاعل ويتواصل ..حساء الريق وهو يقطر على الجزء الأعلى من ثديها يُحدث برودة ليمتزج بقرّ الغرفة الباردة ..الخالية من التدفئة والأثاث .. لسعاتُ يد الزوج المتثاقلة تهوي نحو الأرض الباردة ..من فراش رث أصابه البلل والرطوبة .. تردّها في وهن إلى موقعها على الفراش أو تضعها رأفة فوق صدرها النصف عاري..للدفء أو…؟؟؟ لأن ذلك يجلب النعاس ..تجثم على أفكارها جملة من …(….) تطردها .. وتستسلم …
طلائع الفجر وتباشير الصباح لاحت ..تحمد الله . الطفل لم ( يفق) ،تقول في حسرة ومرارة وضيق في التنفس …: والدائنون لزوجي كثيرون ؟؟؟..
نبْضُ النهار يرتسم .. وينسلخ من الدقائق ..حواشي الصبيحة كفهرس من دون حواشي ..وترتيب ..أو كلولب ينخر خشبا دون توقف ..يعسر في وجل مخيلة الأب الذي يبحث عن ..دقائق أخرى تستوفي معنى الفاقة والخصاصة و'(ودقُّ) الدائنين في أعقاب الليل ..في قاموس ذاك النهار ..

الدقائق لاذت بالفرار كمن يسرق عهدا ..وعداً ..أو شيئا آخر ..

وتحلّقتْ الشمس حول كبد السماء…؟؟…

وبدأ الشجار في الجوف وفي ( الماوراء) ..يتناطحان كما الماء مع الماء..والأب يأبى أن يسير نحو السوق . بصمت خافت ذليل يستردّ اللحظات التي همّت بالفرار ..ينخره شوق إلى حائط مهترئ يقاسمه ما تبقى من نبض الصبيحة : حليب . حليب .. أو درهم يجلبه ، أو سرقة ظافرة تمحو إنزلاق الدقائق وتدحرج الدائنين إلى النسيان أو التغاضي …

شجار الدقائق التي همّت ْبالفرار .. تركن إلى الحائط المهتري( الصديق) ..تقاسم الأب وهنه..تلاحق الضحى ..ترمي غصبا عنها الأب نحو سوق ( الدلالة ) .. تحتويه السوق .. ويبتلعه الضحى الغاضب ..نظرات المشفقين والمعارف .. وشباب الحارة ..وأطياف الدائنين ترقبه..

الدقائق التي سرقتْ وهْنه تلوذ بالفرار .. ينفرد بها .. يستقرئ زمنا كان .. يستقرئها ..يدفعها إلى زاوية ضيّقة..تفرُّ منه .. ينهرها ..يجذبها ..من ( لاشيئها) ..تنتفض..

الدقائق صمّاء.. تهرب ولا تدري.. تتقدم نحو دقائق أكثر عنت.منها… تنطق الدقائق الصماء : حليب .. حليب ..

يجيب : حليب .. حليب ..

تنكمش الدقائق الصماء : ها أنا هنا لك (…) يفترسها ..تركن للوهن .. يسقطها أرضا بعد شجار عنيف . كانت تتضوّع كقطة تموء..باستعلاء ..واسترخاء و …(…) يمتلكه الوهن والذعر من جديد.

– خارت قواي.

– – حليب .. حليب ..

– مارة يسرقون المناجاة ..ينشدون : حليب .. حليب ..

– يعلو شخيره كما البارحة : أين أنا ؟

– – في العهد الجديد

– – حليب .. حليب ..

– إحدى الدقائق الهيفاء تمدّه كيسا فارغا مكتوب عليه (علامة مسجلة ) وتلوذ بالفرار ..يتوسطها إعلان لافت ( سوق حرة ..تحرير أسعار ..دعم مرفوع ..اختر علامتك )

– يسقط أرضا .

– وجلالة السلطان خلف الدار .

– – أين أنا ؟

– – خلف الدار .. في العهد الجديد .

– – حليب .. حليب ..

– تتدحرج الدقائق .. تعود للعهد البعيد ..تناديه: ها أنذا ألوذ بالفرار

– -حليب .. حليب ..

– يفترسه صخب السوق ..يفترس جيب أحد العابرين .وراء القضبان بمخفر الشرطة كان يصرخ :

– – بلال صدق.. بلال صدق .

– – هند : حتى أبا سفيان صدق .. وتتوارى ..

– طيف من بعيد :إصابتك بليغة يا هذا ..ابتعدْ مستشفياتي لا تسعف الجراح .. وجرحك غائر .. الرجل الذي كان يحفظ ُودُّ ( الحجار) 1) رحل .

– كانت السوق الغارقة في السراب تنشد:بلال أصاب ، أ سفيان كذلك أصاب..

– حليب ..حليب..

– وهند التي …..(‘ من دلف البحر نجا ) ومن كان وراء الموج .. كان ..وقد انسحب .

– – يا لوعتي..أأنتحب؟.

– – إختر ما أمليه أنا أو انسحبْ

– – والدائنون ؟؟؟ ..

– قلت: اختر ما أمليه عليك أو أنسحب ..

– …. ومرّتْ سنونو .. تقول : انسحبْ ، كما قدّر لي أن أنسحب

– الغيم على أطياف السوق يلف ما تبقى من الدقائق التي لاذت بالفرار ..لمسةُ القضبان كانت مؤرقة ..ترضع حليبا لم(…) …وثديا اندثر وانسحب ْ.

هامش

1) في أشارة إلى مركب

– الحجار بعنابة /الجزائر ،من أكبر المركبات الصناعية.

– كان الرئيس الراحل هواري بومدين يراهن عليه.

– في إشارة أيضا إلى الراحل هواري بومدين.(رئيس جزائري سابق )


* المجلة الثقافية مجلة جزائرية،

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى