محمد عبد الدايم - دبدوبة التخينة

لم يمر شهر على تولي صادق خان منصب عمدة لندن، وقرر منع أحد الإعلانات من وسائل النقل العامة، لأن فحوى إعلان ” Are you Beach body ready” قد اعتبره الكثيرون يروج لمقاييس جسد “غير واقعية” مما يروج لإمكانية خجل بعض الأفراد – ولاسيما النساء- من أجسامهم.
هل تتذكرين عزيزتي أغنية”الفور إم” “دبدوبة التخينة”؟ أعتقد أن جيلنا بكامله يتذكر كلمات الأغنية “أجمل من في الحفلة مين؟ دبدوبة التخينة، إللي لابسة فستان و.. فستان وجيبونة، نطي نطة يا دبدوبة، ده إنتي تقلك تقل الطوبة”، هذه الأغنية التي صاحبتها رقصة استعراضية ربما يكون صداها السلبي أكبر مما نتخيل، لأنها بكل بساطة تحض على السخرية من الفتاة السمينة وثقيلة الوزن.
المشكلة أننا الآن في عصر القنوات المفتوحة ومواقع التواصل الاجتماعي وفي خضم الكفاح النِسْوي من أجل الحصول على حقوق المرأة في المجتمع، ومع ذلك فالأمر لم يعد مقتصرا على أغنية أطفال ذات مردود سلبي، بل تخطاه لحملات إعلانية ودعائية، وإيفيهات تمثيلية متكررة يوميا على شاشات التلفاز وخشبة المسرح تحط من قدر المرأة، وترسخ في وعي الأجيال الصغيرة والكبيرة على السواء مسألة السخرية من شكل جسد إنسان.
في مصر فقط تجدي حملة إعلانية لنوع من كريمات البشرة، تتمحور حول مناداة الفتاة خشنة البشرة من أثر العمل والمجهود باسم رجل! كيف لم تلتفت جموع النساء في مصر وجمعيات حماية المرأة، بل وجمعيات حقوق الإنسان لإعلان يسخر من امرأة عاملة بمناداتها “يا حسن” من أجل الترويج لمنتج كريم بشرة؟!
اللافت للنظر أن وكالة الإعلان التي أنتجت هذا الإعلان تديرها امرأة، (هـ. م)، واللافت أيضا أن الوكالة نفسها هي التي أنتجت الإعلان الخاص بمنتجات الملابس الداخلية، وهو الإعلان الذي قررت جمعية حماية المستهلك إيقاف عرضه لما فيه من إيحاءات جنسية سلبية تجاه المرأة، كل هذا ولم أسمع صوتا لجموع النساء أنفسهن، وجمعياتهن، لم أسمع صوتا للمجلس القومي للمرأة الذي فاجأنا بحملة دعائية سطحية للنهوض بشأن المرأة في المجتمع دون أن يسبقها بحملة لمحاربة أشكال إهانة المرأة في وسائل الإعلام ذاتها.
بالعودة لمقاييس الجسد غير الواقعية التي دفعت عمدة لندن لمنع إعلان في وسائل النقل؛ من منا لم يقرأ الحملات الحقوقية النِسْوية ضد مصممة الأزياء الشهيرة «فيكتوريا بيكهام» بسبب استعانتها بفتيات ونساء نحيلات للغاية في عروض أزياء من تصميمها؟ والدافع لهذه الحملات هو اتهام المصممة الشهيرة بأنها تتجنى على صحة العارضات بإجبارهن على تقليل أوزانهن لتناسب أجسادهن التصميمات المعروضة.
الأمر هناك يتعلق بصحة المرأة أولا، وصورتها وحقوقها في المجتمع، أما هنا فالجسد البشري للرجل أو للمرأة لا يتعدى كونه سلعة أو وسيلة دعائية لمنتج، والمثال الأوضح لهذا ما شاهدناه جميعا على مدى أكثر من موسم للعروض “المسرحية” التي شاركت فيها الممثلة الشابة «دينا محسن» الشهيرة بـ “ويزو”، والتي تاجرت هي نفسها بمسألة سمنتها كي تستقطب ضحكات الجماهير، وما تزال حتى حينه تستخدم ثقل وزنها تيمة أساسية للنجاح في العمل التمثيلي، وطبعا هذه العروض المسرحية التي أذاعتها أكبر قناتي منوعات في مصر قد استحوذت على نسبة مشاهدة كبيرة، ناهيك عن الحضور الجماهيري في المسرح نفسه، وطبيعي أن تكون نسبة المشاهدين من الأطفال بالملايين، وبالتالي ترسخ مثل هذه العروض والإيفيهات السطحية في عقول النشء والكبار على السواء فكرة السخرية من المرأة السمينة، من الإنسان السمين، وتخيلي عزيزتي نتيجة ذلك على أطفال يعانون السمنة ويتعرضون للإهانة الدائمة من زملائهم في المدارس والنوادي والشوارع، تخيلي مردود ذلك على امرأة سمينة في بيتها أوعملها، تخيلي أننا حتى الآن نسخر من هؤلاء المساكين بمناداتهم “دبدوبة التخينة”.
تعرض المدعو “رامز جلال” للهجوم على بعض مواقع التواصل الاجتماعي بسبب حلقة المقالب التي استغل فيها الممثلتين “ويزو” و”شيماء سيف” بعدما سخر من جسديهما، والحقيقة أنه يستحق كل هجوم، وكل من يشاهد برنامجه أعتبره مريضا نفسيا، ولكن شر البلية هنا أن الممثلتين خفيفتا الظل تعتمدان فقط على سمنتهما كي تحققا نجاحا جماهيريا، “ويزو” في حلقات “مسرح مصر” وقبلها “تياترو مصر”، و”شيماء” في مشاركاتها التمثيلية وفي تصريحاتها عن نهمها للطعام في برنامجها “نفسنة”، وخلال حلولها ضيفة في برنامج “معكم” لـ”منى الشاذلي”.
بعيدا عن هذا المستنقع، هناك على الجانب الآخر من العالم حملات لاحترام الإنسان -الذكر والأنثى- فقد توارت المشاهد السمجة التي تقلل من شكل الجسد أو اللون، وأصبح جسد الإنسان له قدسية وحقوق، أصبحنا نشاهد عروض أزياء للسمينات، مثل «أشلي جراهام» و«تيس هوليداي»، مع ظهور ملفت لممثلات سمينات وشخصيات مشهورة تتميز بثقل الوزن مثل “ريبيل ويلسون”، دون أن يكون ظهور هذه الشخصيات مرتبطا بالحط من شكل المرأة أو إهانتها، أو تعتمد هي نفسها على جسدها كسبوبة مُهينة لها كإنسان أولا وقبل كل شيء.

أما نحن هنا فمازلنا في “المجتمع المتدين بالفطرة” نسخر من “دبدوبة التخينة”.





* عن زائــــ18ــــد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى