حسن أحمد بيريش - حوارات مع محمد شكري -10- المعيش قبل المُتخيَّل.. النقد والنقاد

* ما رأيك في ما كتبه الدكتور جلال أمين عن "الخبز الحافي" بأنها "ليست أدبا اصلا" باعتبار ان بطلها "ليس شريفا في الاساس· وليس نظيفا من الداخل···"؟!
- عندما يصبح النقد الأدبي مجالا لغير المتخصصين، لا يمكن ان ينتج الا السخف والهراء! المتطفلون الجاهلون بقواعد النقد الصحيح، ينتجون نقدا لا يعرف الا السب والشتم والتهديم والإلغاء!
جلال أمين رجل اقتصاد لا علاقة له بالنقد الادبي· فلماذا لا يترك النقد للمتخصصين فيه، ويهتم بالميدان الذي تخصص فيه؟!
اما ما كتبه عن "الخبز الحافي" وعني، فانه لا يعني بالنسبة لي أي شيء· لقد قرأت ما كتبه فتبين لي انه لا ينتقد العمل، وانما يسب ويشتم ويسعى الى تهديمي! ان كلامه شديد التفاهة· يكشف عن ضعف فكري يخلط بين الاخلاق والإبداع، فضلا عن أنه يكشف عن عقلية متزمتة تتشبث بكل ما له علاقة بالوعظ والإرشاد!
ان الكلام التافه، السطحي الذي يردد التعبيرات والجمل الجاهزة ويفرضها على النصوص الأدبية بشكل مدرسي متعسف، وغبي، مصيره مزبلة الكلام!!
وما كتبه جلال أمين عن "الخبز الحافي" يدخل في هذا الإطار!

* بعض النقاد في مصر اتهموا "الخبز الحافي" بالضعف في صياغة التراكيب اللغوية والبلاغية، وهشاشة البناء الفني وخلوه من الدلالات والايحاءات·
- (مقاطعا) ما يقوله هؤلاء ليس نقدا· انه مجرد "إسهال" في الكتابة يصيب بعض الذين يعتقدون انهم مثقفون· فيوزعون يمينا وشمالا احكامهم المجردة من كل موضوعية!
ليس النقد الموضوعي، البناء، هو من يحرك هؤلاء، وانما الذي يحركهم، في الحقيقة هو الحقد!! والا فما معنى ان يقوم ناقد بالتشطيب على كاتب بجرة قلم؟!
ان لغة "الخبز الحافي" ليست بهذه الركاكة التي يقررها هؤلاء بتعسف غير محمود· ان لغتي من المتانة بحيث اكدها معظم من كتب عني بموضوعية· كفاروق عبد القادر، صلاح فضل، ومحيي الدين اللاذقاني· ولي اجتهادات معروفة في اشتقاق بعض المفردات اللغوية اضفتها الى الاسلوب الروائي المغربي والعربي·
قد لا أكون أكبر كتاب اللغة العربية، ولكنني من بين الادباء الذين يجيدون الاسلوب العربي نحوا ولغة·

* الانتقادات التي وجهت الى "الخبز الحافي" في المغرب والمشرق، كيف تقيمها من وجهة نظرك؟
- الانتقادات التي وجهت الي تتضمن ماهو مديح، وماهو ذم· فيها إعلاء، وفيها انقاص· ليس كل من كتب عني يمكن تصنيفه "ناقدا" فهناك غربان - كما سماهم ادونيس - غرغروا ونعقوا نعيقا ضد "الخبز الحافي"! وخاصة عندما اصبحت مقررة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة·

* بعض النقاد قالوا انك تتعمد الاشتباك مع القضايا الحساسة بهدف تفجير الجدل حول كتاباتك، على طريقة "خالف تعرف"!
- انا لا أكتب لكي اشاكس· واذا كانت كتاباتي تمس بعض الحساسيات، ما ذنبي انا؟! حقا انا اكتب بجرأة لا يستطيع أي كاتب ان يكتب بها· هذه النزعة اذا كانت تزعج الآخرين، فلست مسؤولا عن مثل هذه العقليات! انهم احرار· ولهم ان ينتقدوا ما يرونه "مشاكسا"، او "وقحا"·
انا أملك حريتي في كتابة ما أريد· وعلى الآخرين ان يقرأوا ما يريدون·

* هناك من النقاد من يعتبرك "كاتب الرواية الواحدة المكررة باسماء مختلفة" بمعنى ان المناخات الموجودة في "الخبز الحافي" هي نفسها الموجودة في "زمن الاخطاء"، وايضا في "السوق الداخلي"·
- هذا كلام خاطئ وغير مقبول تماما
بالفعل ان ثمة تشابها في مناخات "الخبز الحافي"، و "زمن الاخطاء" ولكن لاينبغي ان يفهم من هذا التشابه انني "كاتب الرواية الواحدة في روايات مختلفة" كما يشاع عني·
انا لا أكرر نفسي من خلال كتاباتي· و يمكنني ان اثبت لك ذلك بسهولة·

* كيف ذلك؟
- بالنسبة لي "الخبز الحافي" هي سيرة ذاتية كتبتها من خلال احشائي! اسلوبها غير تقليدي· ويتميز بالحركية على مستوى توالي المشاهد، وطريقة الحكي· والموضوع الذي تعالجه هو الطفولة الضائعة، المسروقة· وسلطة الابوة (البطريركية) ومشكل الاميين وواقع الطبقة المهمشة، والفئات الاجتماعية المقهورة والمسحوقة· وفي هذه السيرة لم افلسف مواقف شخوصي· ولم أحاول تحليل الدوافع التي تكمن وراء سلوكهم وتصرفاتهم· حتى لا أدع الوعي يتدخل·
اما "زمن الاخطاء" - ماعدا الفصول الاولى التي تعتبر كتتمة ل "الخبز الحافي" - فقد كتبتها بطريقة ذهنية، تأملية، وبأسلوب شعري· وهي متعددة الأجناس الأدبية، متعددة في طرائق وتقنيات الكتابة السردية· وقد اخترت شخوص "زمن الاخطاء" بموضوعية اكثر، ودون اي انفعال·
وبخصوص "السوق الداخلي" فهي رواية قصيرة، موضوعها يختلف تماما عن موضوعي "الخبز الحافي"، و "زمن الاخطاء" انها تتناول تجربتي في طنجة بعدما عدت اليها معلما· وموضوعها يتعلق بالحركة "الهيبية" التي غزت العديد من المدن المغربية في بداية الستينات، مثل: مراكش، الصويرة، طنجة، وتطوان، واثرت سلبا على العديد من الشبان المغاربة·
ان هؤلاء "الهبيين" جاؤوا من مستويات تعليمية واقتصادية راقية، لكنهم انغمسوا في المخدرات للتنفيس عن معاناتهم· وكونوا جيلا من الشباب المغربي المعتوه! وعندما انتهت "الهيبية" لم يستطع الكثير من الشبان المغاربة العودة الى الحياة العادية، الطبيعية، فضاعوا··!
ان "السوق الداخلي" رواية ذهنية تمتلئ بالكثير من الهلوسات والرؤى الزائفة· وقد تأثرت فيها بتيار (اللاوعي)· هذا التيار الذي شكل الكثير من الكتابات الادبية الجيدة، سواء في المغرب او في العالم العربي·

* في بداية السبعينات وجهت نقدا عنيفا ولاذعا لنجيب محفوظ، واتهمته ب "الاسلوب المتلاعب"، و "النقص في التجربة العميقة"! ووصفت بطل روايته "اللص والكلاب" بالجبن والتخاذل والسلبية!
- ينبغي ان اؤكد، بداية، انني لست ناقدا· وما كتبته في هذا المجال لا يخرج عن كونه انطباعات تمثل تجربتي في القراءة، وتعبر عن تفاعلي مع الكتابات الابداعية·
انا شديد الإعجاب بإبداع نجيب محفوظ في القصة والرواية· ومازلت اعتبره هرم الرواية العربية في معظم ما كتب، ومن الخطأ الفادح ان يفهم من كتابتي عنه انني أقلل من قيمته الروائية، او أتشكك في قدراته الإبداعية الرفيعة وهذا لا يعني انه فوق النقد· لانه ما من احد فوق النقد مهما بلغت عبقريته·
ان المقالة التي تتضمن انتقادي لنجيب محفوظ· هي من ضمن مجموعة من المقالات كتبتها بدءا من أواخر الستينات الى حدود سنة 1972 وجمعتها في كتاب "غواية الشحرور الابيض"
انتقدت بطل رواية "اللص والكلاب" لانه لم يمثل البطولة الايجابية التي كانت تلك المرحلة في امس الحاجة اليها· لم يكن سعد مهران (بطل الرواية) بطلا ايجابيا، بقدر ما كان متخاذلا ومهزوما من الداخل· واعتقد ان نجيب محفوظ تأثر في كتابة هذه الرواية بالتيار الوجودي

* أمازلت مقتنعا برأيك هذا في نجيب محفوظ!
- لقد طرأت على حياتي تحولات أدبية كثيرة· وتغيرت - بالتالي - مفاهيمي الثقافية· ربما اذا أعدت قراءة هذه الرواية (اللص والكلاب) من جديد، يكون لي رأي مختلف·

* ألست تتفق معي في أنك ظلمت الروائي عبد الرحمان منيف عندما قلت في تصريح صحفي أنه يكتب "بطريقة انشائية"؟!
- لم أقل هذا بهدف الانتقاص من قيمة ما يكتبه عبد الرحمان منيف· هناك ابداعات كثيرة لمنيف اقدرها كل التقدير· مثل: "الاشجار واغتيال مرزوق" "قصة حب مجوسية" و "شرق المتوسط" اما "مدن الملح" فهي مزحومة بكل القضايا التي يعيشها الإنسان العربي في القرن العشرين، خاصة على المستوى السياسي· لذلك فانها لا تعني لي شيئا· انها مجرد كتابات انشائية ليس فيها اي فن!!
يا أخي متى سنتخلص من هذا الهوس بالكتابة عن قضية واحدة لا نخرج عنها عند معظم كتابنا؟
والى متى سنظل نحن المنتمين للعالم الثالث نكتب فقط عن القناني المنغرزة في مؤخراتنا؟!

* في كتابك "غواية الشحرور الابيض" اكتشف فيك القارئ حسا نقديا عاليا· هل نستطيع القول إن كل مبدع هو ناقد ابداعه قبل ان ينقده الناقد؟
- نعم· هذا صحيح الى حد بعيد


10/24/2004

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى