نادر الفاعوري - جرح الجبل

قدم من بعيد على رأسه قبعة صفراء يبدو أنه ذو شأن كبير من خلفه عشرات الآليات الغريبة يصعب على المشاهد تحديد ما بداخلها اجتمع الناس حوله ابتسم تحدث بلغة ركيكة أصغوا لما أقوله نحن أصدقاء جئنا لمساعدتكم نعلم أن الجبل يهددكم طعامكم ملوث هواؤكم ملوث لا نريد منكم شيئاً سوى التخلي عنه من بين المجتمعين صاح:

أهون علينا أن تقطعوا أعناقنا من أن تقطعوا شجرة واحدة بدم بارد .

رد الغريب: واحدة بواحدة ... الجبل خطرٌ على جيرانه ماذا تقصد بكلامـك والى ماذا تلمح ؟ وكزّ على أسنانه . كانت ساقاه ترتجفان ولا تقويان على حمله ... يشم أن في الجو رائحة خيانة. بدا الغريب غاضباً ... لقد نلت مني الكثير يكفي سوءً أن تتجاهلني ... الناس يحسبون لي ألف حساب دون أن يعرفوا عن قوتي وأشار إلى خلفه... أما أن تتجاهلني فهذا أكثر مما احتمل . هز رأسه ساخراً : لن نترك الجبل / لا نثق بكم لا نأتمنكم على أصغر شيء فيه ومضى إلى بيته محدثاً نفسه عن الذي حدث ...

(بعد ذلك بشهرٍ كانت الأمور لا تزال على حالها. الناس نفد صبرهم ... الجبل يعرفونه جيداً ... ليس فيه جنٌ ولا مارد) ... أخفى أمره على أهله وراح يتقلب في فراشه عله يفرغ من دهاليز رأسه ما تبقى من هواجس ... نبرة صوته المبحوحة من القلق جعلت عينيه تغرورقان بالدموع . شعور الحزن في نفسه يطغى على شعور الذل ... نام الأولاد وهم يحلمون ( بجهاز التلفاز) الذي سيدخل بيتهم بعد انتظارٍ طويل . هكذا وعدتهم أمهم أن هي استلمت دورها من الجمعية ستفي بوعدها تجاههم. لم يخفف من حزنه شيء يقينه أن الجبل أهين واللصوص نجحوا إلى حد بعيد بإقناع البعض بخطورة الجبل وتهديده أمنهم وحياتهم لا يدري كيف اغمض عينيه نهض كعادته باكراً ... توضأ ، صلى صلاة الصبح وخرج يتحسس طعم الصباح بجوار نخله ... على مقربة منه خابية غب منها حتى انتفخت عروقه لحظات ضاقت دائرة الزمن وانعدمت فرص السكون صوت يناديه باسمه قطع عليه تفكيره ... الشاي جاهز ... جلست بجانبه /أطلقت نفساً عميقاً / سرقت نظرة ووكزته : ما بك حزينٌ ؟ أراك تحمل الأمور أكثر مما تستحق.

إن كان بخصوص المبلغ أعطيك إياه أعلم أن له أهميةً في هذه لظروف ... الأولاد / اترك شأنهم لي ... ابتسم الرجل ... غلاوتك عندي وسع هذا الكون ... لا يا امرأة دعيهم يفرحون ... أقسم إنهم قناديل تنير لنا عتمة الطريق ... إذاً ما الذي يشغل بالك؟ هل من أخبار جديدة ؟ الزمن يخلع ثوبه والحقيقة في مخيلته واضحة ... المرأة حامل / الأولاد يحلمون بالفرح ... الجبل يستصرخ ... كلمات عدة راحت تتراكم على شفتيه كان بمقدوره أن يقول أشياء كثيرة . غير أن الكابة غطت وجهه وغاص في بحرٍ من الهموم ...

هذه عادتك تنسى أن لك زوجة تجلس بجانبك تخاف عليك من نسمة ... ضخ من صدره دفقةً من الهواء . تفاقمت مشاعره في داخله. فاض كدر خفيف على وجهه... كلمات عدة تخرج من فمه حارةً ... أنا رجل أمضى حياته عاملاً ، أبيع جهدي تارةً برغيف وأخرى بدينار ، أصنع القارب والمجداف لزمنٍ يقف القبطان في وجه القراصنة . هزته من كتفه مرات عدة : أحب فيك الصدق وعزة النفس ... أرجو أن يكون الأولاد بذرة أبيهم .

بالله عليكِ أتذكرين اليوم الذي وعدتهم بالتلفاز ؟ نعم كانوا ينظرون إلي ، يهزون رؤوسهم كلما تحدثت معك ... ما ذنبهم إذن يهز رأسه وعيناه ترمقان قمة الجبل ، دبت في مخيلته صور متعددة لشكل المهاجمين وهم ينغلون فوق عربات الموت والدمار . زفر زفرةً قويةً : يا حيف عليك يا جبل ، نكذب أنفسنا ونصدق الغرباء ... من قال أنك عدو ... هذا يعني أنك منشغلٌ بالجبل . أتظن نفسك الحارس الوحيد ، أقسم يا عزيزتي ، أعرفه شجرةً شجرة / حجراً حجر. الجبل جبلنا فيه خلقنا وعلى أرضه نموت . التفت فجأةً ثمة هدير راح يغلي . الجنـزير يطحن الحجر الجرافات تهدم كل شيء حي . المهاجمون يصطادون أحلام الأطفال . كل بقعةٍ تحولت إلى هدف . الجبل يرتعد، يجلجل ، الذهول يلون الوجوه ... بينما هم كذلك اخترق حقد أسود جدران الأحلام ، فكوم فوق الأجساد الموت والدمار أفاق الناس .. اجتمعوا .. هول الفاجعة أدمى القلوب . من بين الأنقاض انتشل طفل .. وزع ابتسامه على الحضور .. لسان حاله يقول : لا تحزنوا جرحي من جرح الجبل وأغمض عينيه.



* نقلا عن مجموعة القصة القصيرة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى