فرجينيا وولف - الأثنين أو الثلاثاء.. ت: عبدالحميد الغرباوي

بكسل و لامبالاة، يحرك مالك الحزين جناحيه برشاقة في الفضاء، أعلى الكنيسة، أبيض و بعيدا، مستغرقا في ذاته، في سماء متحركة، ساكنة، تستر ما تستر و تكشف ما تكشف دون نهاية. بحيرة؟ تطمس ضفافها ! جبل؟ آه، يا لجماله ـ أشعة الشمس تنسكب ذهبا على منحدراته. وتلك الشلالات في الأسفل. نباتات السرخس. عليه يسقط مالك الحزين او الريش الأبيض، إلى الأبد، الأبد ـ
الرغبة في الوصول إلى الحقيقة، انتظارها، تقطير المعنى بمشقة من بعض الكلمات، الرغبة الأبدية، (صرخة تنطلق يسارا، و أخرى يمينا. العربات متحركة في اتجاهات متشعبة. الأوتوبيسات تختلط ببعضها متصارعة) ـ الرغبة الأبدية ـ ( الساعة الضخمة، كما لو أنها تقسم، تعلن بدقاتها الاثنى عشر، انتصاف النهار؛ الضوء يتساقط مثل رقائق ذهب؛ يتجمع الأطفال) ـ إنها الرغبة الأبدية في الوصول إلى الحقيقة. قبة السماء، الأحمر؛ عملات ذهبية توشي الأشجار؛ دخان يتسرب متماوجا بطيئا من المداخن؛ نباح، صياح، هتاف: " حديد للبيع" ـ
و الحقيقة؟
تشع عند أقدام الرجال و النساء في نقطة محددة سوداء أو ذهبية ـ ( هذا الجو الضبابي ـ سُكَّرٌ؟ لا، شكرا ـ إنها كومنولت المستقبل القريب) ـ ألسنة لهب المدفأة تصبغ الغرفة باللون الأحمر، باستثناء الأجسام السوداء ذات العيون اللامعة، بينما في الخارج، شاحنة تفرغ حمولتها، و الآنسة " تينجامي" ترشف الشاي في مكتبها، و واجهات المتجر الزجاجية تحمي معاطف الفراء ـ
ينحرف نحو الزوايا مختالا كطاووس، خفيفا كأوراق الشجر، وهو يهب كعاصفة على جوانب العربات، كرشاش فضي، بالداخل أو الخارج، متجمعة أطرافه، متفرقة، مبعثرة في درجات متفاوتة، مبدد، ممسوح، منحرف إلى الأعلى، منحدر نحو السفل، ممزق، غارق، مجتمع ـ
و الحقيقة؟
الآن، أتذكر، بجانب المدفأة القائمة على مربعات الرخام الأبيض، تنبعث الكلمات من عمق العاج، تصعد ثائرة تزهر نافضة عنها سوادها، تخترق منطقة الإدراك.
يسقط الكتاب في وهج النار، في الدخان، في شرارات الومضة الآنية ـ أو أنه يحلق الآن مبحرا، الرخام المتدلي، المآذن و البحار الهندية في الأسفل، بينما ينسكب الفضاء أزرق مندفعا وتتلألأ النجوم ـ
الحقيقة؟ أم الرضا بقرب النهاية؟
بكسل و لامبالاة، يعود مالك الحزين؛ السماء تستر نجومها ، ثم تكشفها.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى