علي حايك - عن مقاهي المهمّشين

أسهل طريقة لمعرفة أفكار الناس وطرق تفكيرهم هي معرفة المقهى الذي يجلسون فيه. لا تنفع هذه الطريقة إلّا في الضواحي، حيث لكلّ قهوة ميولها.
تنتشر المقاهي التي تحمل ميولاً واضحةً في أغلب الأحيان على الطرقات الأساسية للمناطق والأحياء. ترى مقهى للمتشددين وآخر لمن هم أقلّ تشدداً منهم، مقهى أغلب رواده من حزب أو تنظيم معين لهذا يسهل عليك معرفة ميول الاشخاص.
بعض المقاهي لا تحمل انتماءات. هذه المقاهي جميلة، هي موجودة للعب الورق والطاولة ومشاهدة المباريات وأحياناً للمراهنات الصغيرة. في مثل هذه المقاهي يتواجد أحياناً بعض المخبرين كي يراقبوا من قرّر الانفصال عن المجموعات المفروضة عليهم.
المقاهي الجديدة بأسعارها المرتفعة، هي ثقافة جديدة ولا مكان لها في التعداد. في الغالب يذهب إليها العشاق، وهي في نظر رواد المقاهي الأخرى للمتعالين على البقية. أمّا المقاهي التي تختبئ في الأزقة فهي مخصّصة للمهمّشين، الذين لا تعرف سوى أنّهم فقراء (يقول أحد الأصدقاء إنّ أثمن مقتنيات هذه الأماكن هو دفتر الديون). هي ليست خارج التعداد فقط بل خارج الزمان والمكان، لأنّ روادها بدورهم خارج التعداد. الأحاديث التي تدور فيها لا تعني أحداً في الغالب. لا يناقش في هذه الأماكن وضع البلدان المجاورة ولا وضع الليرة مقارنة بسعر صرف الدولار. قد تمرّ يوماً من أمام أحد هذه المقاهي وتسمع الصراخ الخارج منها. ستظنّ للّحظة الأولى أنّ شجاراً نشب في هذا المكان. لكن إن وقفت فستعرف أنّه ناجم عن فاتورة كهرباء عالية، أو محادثة بين دائن ومدين.
رواد هذه المقاهي يشبهونها تماماً، مهمّشون مثل مواقعها بين الأزقة، مجهولون كما أسماء مقاهيهم. حتّى أثاث المنازل لا يختلف بحالته عن أثاث القهوة التي يمضون أوقاتهم فيها.
بعض المترددين على هذه الأماكن هم مَن نبذهم المجتمع وأعطاهم صفة سيئة نتيجة خطأ قاموا به، مدمن سابق لا يجد عملاً بعد تعافيه، أو نشّال خرج من السجن وجلس على الكرسي معطلاً عن الحياة، فصيته لا يسمح له بالتجوّل خارج محيط سكنه، وبعضهم من العاطلين عن العمل الذين لا دخل لهم بالحياة. يجلسون كي يتعثّروا بأيّ صنعة صغيرة، ولو لأيام، يحصلون من خلالها على القليل من المال.
المقاهي صورة روادها وهويّتهم. قد يبدل الواحد منّا عشرات المقاهي، لكن ما يرسخ في أذهاننا هو المقهى الذي مكثنا فيه أطول فترة، وبنينا أحلامنا بين جدرانه، وتمنّينا دوماً أن نزيل وجه الشبه الذي يربطنا به. الخروج من المقهى الذي يحمل همومنا إلى المقهى الذي يحوي اهتماماتنا هو حلم المهمّشين.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى