عامر سنبل - بسيوني أبو حمامة

كان رجلا عجوزا جدا، له وجه رجل ميت، يسكن حجرة صغيرة قدر علبة الكبريت، بجوار ضريح تقام فيه المعازي الحجرة هي المكان الذي يعد فيه القهوة السادة للمعزين بالكاد تسع عبد الرحمن حميد القهوجي ووابوره وفناجينه وهو لابس الصديري والكالسون، علي رأسه طربوش أحمر بزر علي ناحية من رأسه، وفي زواية من فمه سيجارة لف صغيرة مثل ورك النطاط كان بسيوني ينام في الحجرة منصبا من نفسه حارسا للضريح، لاندري أين يذهب بالنهار؟ وكيف يحصل علي قوت يومه، في المغارب يأوي إليها وتأوي معه الطيور إلي الكافورة الملاصقة للحجرة، تغطيها القرادين البيضاء بالكامل، تبدو مثل جبل من الثلج الأبيض وقت الغروب، ليس له أغراض بالحجرة، عندما يغادرها لايخلف وراءه شيئا
المرور جنب الضريح في الليل محفوف بالمخاطر، إذ يخرج بسيوني رأسه من الباب مفاجئا ضحيته، تبرق عيناه الغائرتان في جمجمته الجافة كالمومياء، ما انفك يبعبع حتي يعبر سالك الطريق، مسببا له رعبا لن ينساه كان يكفي وكنا صغارا أن ننقر باب الضريح بحصوة حتي تلمع عيناه في الظلام مبعبعا مدافعا عن الضريح.
مرت الأيام ومات بسيوني، لم يكن يملك شيئا ذا قيمة، باستثناء علبة معدنية لامعة بها بقايا دخان جمعها من أعقاب سجائر ودفتر ورق بفرة، وخمسة أبيض سداسي الشكل وعليها بروفايل جانبي للملك فؤاد.
إلا أن صدي صوت شبحه يعلو مدوما في تجويف الضريح إذا ما مر أحد عليه في الليل، أو نقر بابه بحصوة أصيبت القرية بحيرة لاحدود لها، كانت تفكر في جدية متي يصمت؟.


* نقلا عن جريدة أخبار الادب
  • Like
التفاعلات: علي سنبل

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى