إسماعيل ديب - القصة القصيرة في المنظور السيكولوجي

القصة القصيرة استجابة ارتكاسية لأحداث المجتمع واكبت مجمل التغيرات الوطنية والاجتماعية ومشاعر المرء الدفينة وعايشت سيرورة حياته , فكانت القصة القصيرة خير سفير للتعبير عما يحدث بإيجاز
وشفافية .‏
وان مصطلح القصة يحمل في طياته عددا من المفاهيم التي قد تختلف من دارس لآخر مما يفرض على الباحث ضرورة تحديد مراده حين يستعمل هذا المصطلح ليكون اكثر دقة وعلمية , ومهما تعددت وجهات النظر في هذا الجنس الادبي وتعريفه فإن رابطا ما يشدها بقوة وهو انتماء القصة إلى السرد - النثر وان بات على المرء أن يكون متحفظا قليلا لو حاول البحث بعمق في اركان هذا الجنس ونجاحه , وان ملامح غنائية يمكن أن تظهر فيه وصفات انفعالية احيانا يمكن أن نجدها ايضا , ولعل بحث علاقته في بعض الاجناس الادبية يسهم في تحديد بعض معالمه , ومثل هذا البحث في علائقه كان الطريق الارحب الذي حاول من خلاله عدد من النقاد تحديد سماته وخصوصياته فعن علاقة القصة القصيرة بالرواية يمكن القول أن هذه العلاقة قد شغلت النقاد زمنا ولجؤوا إلى هذه الموازنة في سعيهم إلى تحديد خصائص القصة القصيرة وخرجوا بفوارق شتى نصت عليها افكارهم ومبعث هذه المفارقة شعورهم بأن القصة والرواية ينتميان إلى النثر ولكن بقليل من الانتباه نجد أن الفوارق كثيرة في آلية المعالجة وفي النظر إلى الاشياء ويبدو ذلك في مسألة القصر والطول وهي قضية مستعصية فمسألة القصر تستوجب الوقوف عندها متخذين منها احدى الصور الرئيسية للتفريق بين هذين النمطين اللذين تجمعهما اشياء عديدة وتفرقهما اشياء اخرى الا أن هذا التشابه بين القصة والرواية ليس وحيدا من حيث علاقة القصة بالاجناس الاخرى لأنها تتشابه ايضا في محاور عديدة مع فن الشعر ونجاحه في تتطوراتها اللاحقة وتحاول الافادة من بعض خصائصه ويبدو ذلك على صعيد التعامل مع اللغة واللجوء للمفارقة واشياء اخرى , وكذلك الشعر استفاد من بعض خصائص القصة القصيرة وهذا التداخل ليس جديدا , وقد اخذ املاء اوسع في ظل الدعوة إلى « النص المفتوح » وكسر الحواجز بين الاجناس الادبية , وفي المنظور السيكولوجي تبدو الحرارة التي يمكن أن تكتب في ضوئها بعض انماط القصة القصيرة اكثر قربا من الشعر بخاصة الاستفادة من تجربة انفعالية متكئة على لحظة زمنية خاصة ووعي حاد في بعض القضايا .‏
وتنطلق مثل هذه الوشائج لتصل إلى اجناس اخرى مثل المقالة من حيث الوظيفة الملقاة على عاتقها ومباشرة غاياتها في بعض النماذج مثلما تستفيد بعض انماط المقالة .‏
فالقصة القصيرة كانت تضع في حساباتها مجموعة من المقالات تريد ايصالها إلى القارىء بعد أن تخلت عن اسسها الترفيهية والبوليسية والوعظية ولكنها لن تتخلى كليا عن تلك الاسس , بل تهدف إلى تحريض بعض الجوانب النفسية عند القارىء وآليات تفكيره ويلاحظ في نصوص عديدة أن الايديولوجية تزيد على حدها مما يهدد جوانبها الفنية والنفسية , فهي لاتهدف إلى اشباع القارىء بقدر ماتريد أن تحرض بعض الجوانب النفسية , وآليات التفكير , وقد تنازعتها عبر تاريخها الرغبتان الشفوية والكتابية وقد نجح معظم كتابها بإجراء شيء من التوازن في هاتين الغايتين اللتين بإنتمائهما في بنائها وتكوينها من حيث الحكاية والتشويق والوسائل الفنية الاخرى .‏
ومع وجود حالات تجديدية حاولت تخليصها من شفاهيتها وجرها إلى عالم الكتابة فقط والغاء الحكاية والتتابع فيها .‏
ولكن الايام اثبتت أن هذا الفن مرتبط بكتابته كما هو مرتبط بشفاهيته والقصة القصيرة يخص وجودها عناصر مثل الايجاز - التكيف , وكونها تقدم لحظة مهمة مأزومة في حياة الشخصية اضافة إلى الاحساس الدرامي الذي يجب أن يبقى حاضرا في انتماء القصة القصيرة , ولقد عبر « فايري شو » عن القصة القصيرة بقوله هي انسجام بين التناقضات وتفاعل بين التواترات والمقولات المتعاكسة قصيرة ولكنها رنانة مكتوبة نثرا ولكن بها تكمن صور شاعرية مصنوعة من كلمات سوداء على صفحة بيضاء لكنها تومض باللون والحركة مكتوبة لكنها تحاكي الكلام الانساني

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى