محمد عباس اللامي - وإنقطعت أوتار الحب.. (1) قصة قصيرة

ارتبط بها بعلاقة حب كبيرة.. وكان قد صادفها وهي بانتظار سيارة الدائرة.. وما ان شاهدها احس وكانه يعرفها طيلة حياته التي قاربت على الخامسة والعشرين. سمراء رشيقة متوسطة القامة ذات شعر قصير عينان واسعتان وشفتان غليظتان قد زادتها جمالا واثارة وكانت معانيها حادة كما وجدها انيقة جدا وعطرها قد ملأ رئتيه وهو يغمض عيناه مستنشقا عطرها.. ويقول في نفسه: الها حتى جاءت سيارة (باص) كتب في لوحتها اعلام.. فعرف انها موظفة في وزارة الاعلام او احد دوائرها.. وكان ماهر وهذا هو اسمه قد تخرج من كلية الحقوق واخذ يمارس مهنته كمحام مع خاله وكان تحت التمرين.. ولكنه خلال مدة بسيطة قد استطاع ان يثبت جدارته بالعمل ويكسب الكثير من الدعاوي.. وما ساعده على ذلك لباقته ووسامته.. اضافة الى انه من ذلك النوع الجدي الملتزم.. وكل ذلك من مقومات المحامي الناجح. ولم تبارح مخيلته تلك السمراء.. وكان يسال نفسه هل يمكن ان تكون فنانة مثلا.. كل ذلك خطر بباله.. وكان كانه يستعجل ان ينقضي الليل ليشرق الصباح حتى يذهب هناك حيث وجدها بالقرب من دار الازياء العراقية.. وكان قد قرر هذه المرة ان لا يكون في حيرة من امره فانه سيلحق بها حتى يعرف مكان عملها.. وما ان حانت ساعة خروجه من البيت حتى كان باناقة ملفتة للنظر.. فقد قضى الليل يختار ما يناسبه من ملابس.. حتى استقر اخيرا على بدلته السوداء وقميصه البنفسجي الفاتح وربطة عنق قريبة بالوانها من القميص.. ووصل قبلها.. عند موقف باص المصلحة.. وتوافد الكثير من الموظفين والطلبة بانتظار السيارات.. وصعد بعضهم بعد ان وصلت باصاتهم.. وكانت الدقائق تمر ثقيلة عليه.. وما هي الا لحظات حتى شاهدها قادمة مسرعة في خطاها.. وكانت هذه المرة بزي اخر غير ما كانت تريد به بالامس.. ولم يرفع عينيه منها.. ما ان وصلت والتقت عيناه في عينيها حتى ابتسم.. وكانه يشكرها على حضورها.. ولقد ادركت هي ان ذلك الشاب يلاحقها بنظراته ولم يرفع عينيه منها.. فلقد دفعها الفضول ووجدت انه يقف على مقربة منها واشاحت بوجهها حتى لا تلتقي عيناها بعينيه.. وما ان جاء الباص ليأخذها حتى سارع ماهر بتاجير سيارة اجرة ويلحق بها.. وطلب من السائق ان يكون خلف السيارة لا يفارقها.. واخيرا وقفت السيارة عند مقر الوزارة وعرف ماهر انها تعمل في مقر الوزارة وقرر ان يلف ا قسام الدائرة حتى يعرف باي قسم هي.. وانطلق من هناك الى المحكمة حيث كانت له مرافعات عدة بها.. وكان من عادته ان يعود من المحكمة الى دارهم حيث يرتاح ومساء يذهب الى مكتب خاله.. الذي يقع على الشارع العام التجاري من منطقته (زيونة) فكان يذهب الى المكتب مشيا على الاقدام.. وكم كان يتمنى ان يصادفها في الشارع اوفي الاسواق ما دامت هي تسكن في نفس منطقته وكانت من هوايات ماهر.. ان يكتب الشعر وسبق له ان نشر مجموعة شعرية عندما كان طالبا في الجامعة.. وهو اليوم قد انجز مجموعته الثانية.. وعليه استحصال موافقة الوزارة لطبع المجموعة.. والحالة هذه تتطلب ذهابه الى الوزارة ولقد اسعدته هذه الفكرة عسى ولعله يرى تلك الانسانة التي شغلت قلبه وشلت تفكيره. وفي اليوم التالي اخذ مجموعته معه قاصدا الوزارة وكعادته متالقا باناقته.. وكان بانتظارها مثل كل مرة وجاءت باحلى ما تكون عليه الانثى من جمال فاحش.. ولقد نظرته جبدا قبل ان تصل الى موقف الباص فوجدت به هيبة وكمالا ولم يعترض قلبها وانما احست ان نبضاته قد زادت نبضا وهم ان يكلمها ولكن السيارة كانت اسبق منه حيث اخذتها بعيدا عنه.. فاستاجر سيارة اجرة ولحق بها.. كان الدوام قد بدأ توا والموظفون مازالوا يتوافدون فقرر ان ينتظر قليلا وعرج على الاسواق القريبة ليقتل بعض الوقت.. ثم دخل الوزارة وراح يبحث عنها في اقسامها وغرفها.. ولم يجد لها اثرا ثم ذهب الى قسم اجازة المطبوعات وانجز ما جاء من اجله وقد اخذ موعدا منهم لاستحصال الموافقة وهم بالخروج من الوزارة وبينما هو في الرواق حتى صادفها وجها لوجه وهي تحمل بيدها فايلات عدة.. ودهشته لما شاهدته.. وما كان منه الا ان يقف قبالتها ويقطع عنها الطريق مبتسما قائلا: هل يرضيك ان تكون ابنة منطقتي هنا.. ولا تقدم لي العون.. فاجابته بابتسامة عريضة: انت تامر.. قال: اولا اقدم لك نفسي المحامي ماهر محمد فاجابته هي: وانا وفاء شاكر.. فقال: فرصة سعيدة واجابته: انا اسعد.. ثم وقف الى جوارها فاسحا لها الطريق.. وهو يحدثها: الحقيقة قدمت كتابا للطبع وكنت امل استحصال الموافقة فورا.. ولكن الظاهر ان الجامعة .. فاجابته: ولا يهمك ان ساتولى الامر.. وعندما التقيك صباحا (ونظرته نظرة ماكرة) ساعطيك الموافقة فاجابها : واكون شاكرا.. واعطاها كارتا باسمه ورقم هاتف المنزل والمكتب.. وسالته عن عنوان مجموعته فقال: اجنحة الظلام.. وغادرها وهو في غاية الامتنان لمجموعته التي اتاحت له الفرصة بالتعرف على وفاء.. تلك الانسانة التي بدون مقدمات قد سرقت النوم من عينيه وتربعت على عرش قلبه.. وهو يفكر بكل ما تحمله من حسن وجمال.. وعند المساء وماهر في المكتب يطالع ما لديه من قضايا.. رن جرس الهاتف.. وما ان رفع السماعة.. وعرف المتكلم حتى صاح: كنت اتوقع كل شيء الا ان اسمع صوتك.. وبعد تبادل التحايا.. قد اخبرته وفاء بانها استحصلت الموافقة على طبع مجموعته.. وانها قد اطلعت على بعض قصائده وقد نالت اعجابها.. فشكرها على كل ذلك وتشجع وقال لها: وهنا يتوجب علي دعوتك للعشاء غدا.. ما رأيك فضحكت وقالت له: هي رشوة.. فقال لها: لا وانما عرفانا ولنحتفل معا بالمجموعة التي كانت سببا في تعارفنا.. وقد وافقته على طلبه.. وانتهت المكالمة وهو كذلك الذي سكر حتى الثمالة.. نشوة بما آلت اليه الامور مع وفاء.. وعند سكون الليل وبعد ان نام الناس.. بقى هو وحيدا في فراشه وذهب بمخيلته الى حيث وفاء وجمالها.. وهو يحاول ان يتذكر كل خطوط وجهها وجسدها.. ومر كل شيء من امامه وكانه شريطا سينمائيا.. وكان يقف عند كل محطة منها.. ويملأ عينيه من ذلك الحسن وذلك الجمال.. وراح يردد ابياتا شعرية يتغنى بجمالها غزلا وهياما.. حتى غلبه النعاس عند الفجر. وفي الصباح كان ماهر كعادته بانتظارها وهذه المرة كان متلهفا لرؤيتها والحديث اليها.. وكان الشوق يحرق فؤاده حرقا وكانها قد غابت عنه دهرا من الزمن وما ان اطلت ولاحت له قريبة انزوى جانبا بعيدا عن الواقفين وما ان وصلت الى عنده حتى تبادلا التحية وكانهما يعرفان بعضهما البعض قبل ولادتهما.. وتناول منها الاوراق واكد موعده معها عند المساء وكانت نظراتهما هي ولوحدها التي تتحدث في عالمها بعيدا عنهما.. حيث ادرك كل منهما حقيقة المشاعر التي يحملها كل طرف للطرف الاخر.. وكانت تتمنى ان تتاخر سيارتها عن الحضور لتبقى مع ماهر قليلا حتى تملأ عينيها منه.. وكانت تتفحصه بكل دقة وبامعان الا انه محامي ولبق الحديث فاستطاع ان يعبر بشكل دقيق عن كل ما يخالج نفسه بكلمات قليلة قد تركت في روحها ونفسها اثرا وحضرت سيارتها وبدون ارادة منها لامست يده مودعة وظل هو واقفا سعيدا بتلك اللحظات وبتلك اللمسة التي وجد بها الحب قلبه. وقف بانتظارها امام المطعم الذي اتفق واياها بانه سيكون بانتظارها.. وما هي الا لحظات حتى نزلت من التكسي وهي اشبه بعروسة من عروسات البحر.. رائعة كل مفاتنها.. وهب لاستقبالها مصافحا اياها.. ودخلا المطعم وهو يمسك بيدها وقد انعشه عطرها.. وما عليه من حلاوة لا تقاوم في ركن من اركان المطعم وباجوائه الحالمة جلسا يتناولان طعامهما وهما يتحادثان ويضحكان.. وحدثها ماهر عن كل ما يخص حياته وعرفها بعائلته المتكونة من اربعة افراد الام والاب والاخ الذي يصغره سنا وطالبا بالثانوية.. كما اعلمها ان والده يعمل بتجارة الاطارات والبطاريات ووالدته مدرسة بينما هي تحدثت عن عائلتها وكان والدها ضابطا كبيرا وقد تقاعد توا وان والدتها ايضا موظفة في احدى الوزارات وهي الابنة الاصغر من ثلاث بنات ولديها اخ يصغرها عمراً.. وسرعان ما انتقل الحديث بهما عن ارتباطهما السريع فقال لها ماهر: ما ان رايتك حتى شعرت باني اعرفك منذ امد بعيد وكان لا حاجز بيني وبينك وساعتها اردت ان اسارع واضمك الى صدري.. وعندها قررت ان اعرف كل شيء عنك وان اصل الى اعمامك مهما كلفني ذلك من ثمن.. لانني وجدت نفسي اسيرا مقيدا بحبك وهواك.. وكانت هي تبادله نفس المشاعر وكانت رقيقة شفافة في التعبير عن عواطفها واحاسيسها وفي هذا اللقاء تم وضع اقدامهما على اول الطريق في مسيرة المحبين العاشقين.. متعاهدين على كل القيم المثالية التي ربطتهما بهذا الحب المقدس.. وتوالت الايام والليالي وهما سائران بخطى ثابتة على ذلك الطريق الذي رسموه لنفسيهما وكل واحد منهما ينهل من ينابيع الاخر ما طاب له وما يطفئ ذلك الضمأ الذي اصابهما في لحظات بعدهما عن بعض.. فكانت تشتاق له وهو ماثل بين يديها وكان يريد الغوص باعماقها وهي تحت عينيه وباحضان قلبه.. كان حبهما جميلا بتفاصيله وبكل احداثه حتى ازف لها ماهر تلك الليلة على نيته بافتتاح مكتب خاص به.. ولقد فرحت كثيرا لذلك واعلمته بانها ولوحدها من ستتكفل بتاثيثه على ذوقها.. واتفقا على ذلك.. وفعلا ما ان حصل على مكتب حتى قامت هي بوضع لمساتها في كل زاوية منه.. وقامت بوضع قطع الاثاث في اماكنها حتى كان مكتبا ضخما يليق بمكانة حبيبها واخر ما وضعته تلك اللافتة النحاسية التي تحمل اسمه (المحامي ماهر محمد) وقد وضعتها في صدر مكتبه وكانت قد سحبت ماهر من يده واجلسته خلف مكتبه قائلة بانها تريد ان تراه.. خلف المكتب فقالت: هائل.. هكذا اردت المكتب ان يكون.. فنهض ماهر واقفا فاتحا ذراعيه مناديا لها: تعالي.. فتقدمت منه لترتمي باحضانه وليقبلها قبلة اختلط فيها الحب والعرفان والشكر.. ثم دعت له بالخير والتوفيق وبان يكون هذا المكتب فاتحة خير وبركة.. وكانت مؤمنة بالحسد.. فوضعت اية الكرسي في لوحة كبيرة قد علقت خلف ماهر وفوق راسه.


محمد عباس اللامي – بغداد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى