عبد اللطيف الهدار - ورع..

صعد إلى الحافلة ، وقد أوشكت على الانطلاق ، سلم بسلام المسلمين ، وجلس في المقعد الفارغ جنبي ..
كهلٌ عليه سمات الوقار ، بلحية مشذبة مصبوغة بالحناء ، وبشرة أرجوانية تطفح منها آثار النعمة ، وبقعة بنية ترصع الجبين ، وبطن يبدو انتفاخه جليا ، رغم الجلباب الفضفاض ..
تحركت الحافلة ، وشقت طريقها .. تنحنح الرجل الوقور ، وأخرج من كيس بلاستيكي ، دجاجةً ملفوفة في كاغد الألمنيوم .. فتح الكاغد . فاحت رائحة الشواء . لذيذة طازجة ، فاحت . .
تلمظت مذاق الشواء في فمي ، وفي قرارة قلبي ، تمنيت أن يقول لي : تفضل . وخلته سيفعل ، لكنه لم يفعل ، وإنما أقبل على دجاجته بشهية مفتوحة ، ونهم أقرب إلى الشره ..
جمع بقايا الدجاجة ، ودسها في الكيس ،أخرج قنينة ماء معدني ، عبَّ منها تباعا .. ثم تجشأ . شكر الله على النعمة ، وهو يمسح يديه و شدقيه بمنديل الكلينكس ..
تجرأت ، ولا أدري كيف ؟ ولا ما الدافع ؟ وسألت جاري :
ـــ أكانت دجاجة ؟
أجاب بشكل قاطع وحاسم :
ـــ ديك .. وديك بلدي ..
قلت بمسكنة حقيقية :
ـــ بالصحة والعافية ..
قال بنبرة شبعانة إلى حد التخمة :
ـــ الله يعطيك الصحة .. وأردف :
ـــ هل الأخ يصلي ؟
ٌقلت :
ـــ صليتُ حين كنت تتعشى ..
حدجني بنظرة نجح في أن يجمع فيها بين التعالي والازدراء ، وكأنه متعود على ذلك . ثم كبّر ، وشرع في الصلاة .
لما فرغ من صلاته ، سألته :
ـــ هل قصّرت ؟
قال :
ـــ نعم .
قلت :
ـــ تقبل الله منك .
قال :
ـــ آمين .
وغطَّ في نوم عميق .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى