رسائل الأدباء : رسالة من عباس محمود العقاد إلى أحمد حسن الزيات

13 - 05 - 1940

أخي الكاتب البليغ الزيات

وحي رسالتك أصدق ما قرأت في الكتابة العربية الحديثة من مصداق لرأي القائلين: إن الرجل هو الأسلوب

فأنت أسلوبك وأسلوبك أنت: إتقان واستحياء وسلاسة، صُوِّرت في عالم الخلق فكانت إنساناً، وُصورتْ في عالم الفكر فكانت وحي الرسالة

إتقان صيغة في غير ظهور ولا ادعاء، يوشك من يتبينه أن يلمسه ليعرف موضع الجودة فيه، كما يلمس المسّوم النسيج المتين الذي وعى المتانة سراً من أسرار منواله وخلا من الزخرف والبريق، لأن إتقان تلك الصيغة كإتقان هذا النسيج، في حقيقتها وليس على مرآها، وعلى صفحة محياها دون سواها

واستحياء يخفى مزاياه ولا يفوته شئ بأن يخفيها، لأنها أثبت من أن يحجبها الإخفاء

وسلاسة تطوع العصي وتملك الزمام في الوعر والسهل على السواء. فإن ما تصف من ألم نفساني يلهب مراق الحشا ويَبْده الضعف الإنساني بأقصى ما يطيق وفوق ما يطيق، لكالذي تصف من ألم يباشر الفكر قبل أن يباشر اللحم والدم، ويحسب من قضايا الرأي كما يحسب من قضايا الفؤاد إتقان واستحياء في المعنى لا في اللفظ وحده، وفي موضوع الكتابة لا في بنيانها وتركيبها وكفى، وعلى السيماء وفي الطوية سواء

وتلك هي الأساليب التي تضاف إلى لغة العرب فيقال معنى إنساني في كلام عربي، ولا يرتد المعنى إلى بني الإنسان حيث كانوا ثم لا يبقى منه للعربية ما تحرص عليه

وحي رسالتك في كتاب أحمد

والسلام عليك وعلى من اتبع هداه

عباس محمود العقاد - مصر الحلوة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى