رسائل الأدباء : رسالة من محمود علي قراعة إلى أحمد حسن الزيات

أستاذنا العزيز الزيات:

تحية وبعد فقد كتب أستاذنا الدكتور زكي مبارك في العدد (314) من (الرسالة) الغراء مشيراً إلى ما كتبنا إليه ذاكراً ما ذكرناه من إنّا نرى أن اللذات التي سينعم بها المؤمنون في الجنة لذات روحية، وأن اللذات التي ذكرها القرآن الكريم ليست كلها لذات حسية، وأن القرآن الكريم عندما ذكر النعيم المادي إنما ذكره كجزاء لما قدّم العباد من حسنات تتصل كلها بالروحانيات والمعنويات. فرأينا كلاماً أن أستاذنا أحمد أمين صادق كل الصدق في نظرته إلى أن القرآن كتاب روحانيات وكتاب معنويات، وأنه عند ذكره الأشياء المادية لا يريد بها لذات مادية، وأنه إن أراد بها أو ببعضها أشياء حسية إنما هي نتيجة اتباع لروحانيات، واتصال بمعنويات. هذا هو الرأي الذي يستقيم مع أصل النصوص ويستقيم مع الفكر الإسلامي السليم. وإلا لو أراد أستاذنا الدكتور زكي مبارك منا أن نفهم فهمه لأخذنا بالرأي المضحك السقيم الذي ذكره مثلاً ابن عابدين في الجزء الثالث من حاشية (المختار) الدر المختار ص315 فيما ذكره (من مطلب لا تكون اللواطة في الجنة من أنه قد قيل إنها سمعية فتوجد، وقيل يخلق الله تعالى طائفة نصفهم الأعلى كالذكور والأسفل كالإناث وأن الصحيح الأول. وفي البحر حرمتها أشد من الزنا لحرمتها عقلاً وشرعاً وطبعاً. . .). فلو أخذنا بالرأي الذي يقول به أستاذنا الدكتور لقلنا: إن المراد بالولدان أن يفهم ذكرهم هذا الفهم السقيم، وحاشا لله أن يكون كذلك. والأقرب إلى العقل أن يكون ذكر الولدان التمتع بالفكرة الروحية التي يبعثها الجمال الحسي، وإنه إن جاز إن نأخذ في ذكر الحور العين باللذة الحسية، فإنه لا يجوز أن يفهم هذا عن ذكر الولدان. على أن ما ذكره القرآن الكريم من حور عين ومن ولدان ولحم طير ورحيق وأباريق وفاكهة، لا يجوز بحال أن نفهم أن ذكرها يؤيد أن القرآن يعنى بالحسيات، أو أنه كتاب حسيات، لأنه كما قلت إنما عنايته موجهه للمعنويات وذكرها يراد به اللذات المعنوية. وإن أريد من بعضها أو من ذكر بعضها اللذات الحسية فعلى أنها تابعة للذات المعنوية ويراد من ذكرها تقوية معاني الروحانيات عند المؤمنين لأنها جزاء من عمل صالحاً وجزاء من اتقى

والغريب أني عند صدور عدد (الرسالة) الأخير قابلني في الترام أحد المبشرين الأمريكان يجادلني في هذه الفكرة التي يريد دكتورنا أن يأخذ بها المسلمون. وبعد فالدكتور زكي مبارك عزيز علينا ولكن أعز منه كتاب الله والفكرة الإسلامية السليمة التي يجب أن ندافع عنها، وهي أن الإسلام دين روحانيات ومعنويات وأن ليس معنى هذا أنه لا يعنى بالحسيات والماديات، بل هو يعنى بها وبتنظيمها التنظيم الذي يتصل بأن يرقى بالإنسان إلى الروحانيات، وأنه عند ذكر الماديات الأخروية لا يريد بها جزاءها الحسي، بل يريد بها جزاءها المعنوي الروحي، وأنه إن أراد ببعضها اللذة الحسية، فإنه لا يريدها حقيرة متواضعة، كما هي في دنيانا، بل يريدها عزيزة تتصل أكبر ما تتصل بالروحانيات والمعنويات، والسلام عليكم ورحمة الله.

محمود علي قراعة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى