محمد عباس اللامي - وإنقطعت أوتار الحب

كانت وفاء حريصة على ان توفر لماهر كل ما يحتاجه في المكتب من الحمام حتى المطبخ.. حتى انها عمدت على شراء سرير سفري ليستعمله ان اراد ان يرتاح قليلا.. وكان موضوعا في غرفة صغيرة.. جعلت منها وفاء غرفة خاصة لماهر.. فيما اذا اراد البقاء في المكتب في غير ساعات العمل.. وكان ماهر يعول على هذا المكتب الشيء الكثير لاسيما بعد النجاحات التي حصل عليها في كسب الكثير من الدعاوى حتى بات معروفا في المحاكم ويطلبونه بالاسم لتوكيله في دعاواهم.. ولقد كان سلسا مع الجميع ومتعاونا جدا مع زبائنه لاسيما بالامور المادية.. فكان لا يكلف احدا اكثر من طاقته.. وهذا ما جعل الاقبال عليه شديدا وعلى الرغم من الخلوات التي كانت بينه وبين وفاء ورغم هيامه بها.. ورغم كل ما فيها من اثارة الا انه كان مهذبا معها.. ولم يحاول يوما ان يستغلها.. وكانت هي واثقة منه جدا.. بعد ان وجدت فيه الحرص عليها اكثر من اي شيء اخر.. ولقد اعتقد الجميع انها زوجته عندما وجدوها تقوم بتاثيث المكتب ولم ينف هو ذلك فكانت وفاء لا تنقطع عنه اما ان تكلمه هاتفيا واما ان تلتقي به خارجا لتناول طعام الغداء في احد المطاعم.. كان قد مضى على علاقتهما اكثر من ثلاث سنوات ولما كانت بزيارته في المكتب بعد ان طلب منها الحضور وما ان جلست حتى اخرج من درج المكتب خاتما من الذهب المرصع بالماس وتناول يدها بعد ان جلس الى جوارها والبسها الخاتم طابعا قبلة على اناملها الحلوة.. فائلا: ليكن هذا الخاتم هو حياتي واضعها بين يديك فدمعت عيناها قائلة: بل انت حياتي وكل حياتي.. فقال: ما ان الاوان لزواجنا.. يا حبيبتي فما عدت احتمل فراقك بعد اليوم.. قالت: وانا خائفة فوالدي صعب وليس من السهولة اقناعه.. لاسيما يريدني واختي التي تكبرني لاولاد اخيه.. فقال: وهل تكلم عنك احد من اولاد عمك.. فقالت: لا.. حتى علاقتنا بهم غير حميمة.. وهم على خلاف دائم مع والدتي وترى انهم لا يصلحون لشيء.. لاسيما ان اولادهم لم يكملوا دراستهم.. واتجهوا للاعمال الحرة واحوالهم بالكاد تكفي لادارة امورهم.. فقال: وفاء اتركيني احاول.. وعليك تهيئة الاجواء وغدا ستكون والدتي في زيارتكم.. فقالت: ان والدتي تعرف كل شيء فانا لا اخفي عنها شيئا ومؤكد انها ستكون عونا لنا.. فقال: على بركة الله.. وفي اليوم التالي كانت ام ماهر في غرفة استقبال بيت وفاء وكانت في حديث ساخن مع ام وفاء كله مودة وحب وتفاهم ووافقت ام وفاء على طلب ام ماهر الا انها طلبت منها فرصة لطرح الامر على والدها واقناعه.. ودخلت وفاء غرفة الاستقبال فطلبت ام ماهر ان تجلس الى جوارها.. وقالت ام ماهر: ما شاء الله الله يحفظك.. وباذن الله تكوني من نصيبنا.. فاجابتها وفاء: اشكرك خالة وغادرت ام ماهر واخذت منهم وعدا للاتصال بها بعد يومين.. وكانت ام ماهر راضية تمام الرضا على وفاء بعد ان وجدت فيها الكياسة وما عليه من ادب وجمال.. ثم اخذت بالدعاء لولدها بالتوفيق ونيل المراد.. لم تتصل وفاء بماهر حتى يعرف ما تم عندهم وهذا الامر اقلقه جدا.. وانتهى يومان وليس هناك خبرا.. واصبح ما هر عصبي المزاج لا يطيق احدا فغياب وفاء ليومين متتالين دون وصول خبر منها معنى ذلك هناك مشكلة ما.. وفي اليوم الثالث كان ماهر قد عقد العزم على ارسال والدته ثانية للاطلاع على الاخبار ولكن عند الظهيرة وماهر يجلس مع والدته يتحدثون بالامر رن جرس الهاتف.. وكانت المتحدثة ام وفاء وتبادلت التحية مع ام ماهر وزفت لها خبرا بموافقة الاب وطلب لقاء ماهر مساء هذا اليوم حتى يشاهد البنت وبالعكس لانه لا يعرف ان بينهما ارتباطاً سابقاً.. وذهب ماهر ووالدته الى الموعد المحدد لهم وتم استقبالهم بحفاوة وسعدت ان وفاء عند مشاهدتها ماهر ووجدت به رجلا.. فدخل الوالد مرحبا بضيوفه وجلس ليسأل ماهر عن عمله وعن اصله وفصله وكان ماهر يقص عليه كل شيء تفصيليا وبادب جم.. ولما عرف انه من عائلة اصيلة وانه محاميا ناجحا قال: الله يقدم ما فيه الخير.. فلا مانع عندي ان قبلت وفاء بزوج المستقبل.. وتركهم وغادر الغرفة.. وبعد لحظات تم اعلام الوالد بموافقة وفاء فبارك الله وطلب الحضور يوم الخميس المقبل للخطبة.. وشكرهم ماهر على ذلك.. كما تقدم من والدة وفاء وقبلها من راسها قائلا: سوف لن انسى مساعدتك ووقوفك معنا.. الله يقدرني ان ارد لك هذا الجميل.. فقالت: انتم اولادي وكل الذي يهمنا هو سعادتكم ورضاكم.. وانتهى هذا اللقاء على خير وسط تبريكات الجميع.. والسعادة تملأ قلب ماهر ووالدته التي تتمنى ان ترى زواج ابنها البكر فكانت هذه امنية حياتها.. وكان والد ماهر يتطلع الاخبار منهما.. وابدى سعادته وغبطته لما سمعه منهما.. وفي يوم الخميس تمت خطبة ماهر على وفاء بعد ان اخذوا معهم الكثير من الشخصيات والوجهاء وسط زغاريد الاهل والاحبة.. واتفق ماهر ووفاء على اتمام مراسم الزواج خلال فترة وجيزة لا تتعدى الشهر خوفا من حدوث شيء يقلب حياتهم راسا على عقب.. وخلال اسبوع واحد تم شراء النيشان وتم تحديد عقد القران في الاسبوع الثاني الا ان وفاء طلبت ان يكون النيشان وعقد القران سوية وكان لها ما ارادت.. وكانت ليلة صاخبة في حفلة جمعت كل الاهل والاحبة حيث تعالت اصوات الموسيقى والاغاني وتم ادخال ماهر على وفاء والبسها النيشان وقبلها من راسها وسط تصفيق الاهل وزغاريدهم وتم عقد القران لهم بعد ان احضروا القاضي الى البيت.. واطمئن قلب ماهر اخيرا وكذلك وفاء بانهما اجتازا منطقة الخطر.. وكتب لحبهم الانتصار اخيرا.. وقبل ان تنتهي الحفلة بقليل فوجئ الجميع باطلاق عيارات نارية كثيفة على دارهم مما جعل الجميع يركض الى داخل الدار خوفا من الاصابة دون ان يعرف احدا ما يجري.. وما ان هدأ الرصاص قليلا حتى خرج شيخ كبير يستطلع الامر فوجد سيارتين تقفان امام الباب واربعة شباب يحملون الرشاشات فلوح الرجل الكبير بيده بايقاف اطلاق النار. وسالهم عن مبغاهم.. فقالوا : انهم اولاد عم وفاء وهم اولا بها من الغريب.. وانهم ينهون زواجها من غيرهم.. وان هذا الزواج باطل وركبوا سيارتهم وغادروا.. وفهم الجميع الامر فلا يمكن لماهر ان يتزوج وفاء دون موافقة اولاد العم.. وانتهت هذه الليلة وسط اراء واقاويل كثيرة.. ورجع ماهر واهله وهم يحملون هما كبيرا على اكتافهم.. وتم ارسال المراسيل لاولاد العم بالوصول معهم الى اتفاق معين ولكن كل الجهود باءت بالفشل.. ومرت الايام وماهر ووفاء في حيرة من امرهم.. واراد ماهر اللجوء الى القانون ولكن وفاء رفضت ذلك لانها تعرف ان اولاد عمها سوف لا يسكتون فانهم يحملون ارواحهم على راحة يدهم.. واعاد ماهر الكرة وارسل ناسا من جديد الى اولاد العم عارضا عليهم المال تارة وتارة اخرى خطوبة اي بنت يطلبونها الا انهم رفضوا الا زواج ابنهم من وفاء وعليه ان يرمي عليها يمين الطلاق.. ورفض ماهر طلاقها مهما كانت النتائج وكان يقول: يكفي انها زوجتي امام الله والناس وبقى الحال على اوضاعه واخذ اولاد العم يهددون ماهر بالطلاق والا خسر حياته.. الا انه رفض التسليم لارادتهم وبقى زواجه معلقا وخيوط المودة والمحبة مازالت متواصلة بينهما ولم يستطع احد من قطعها الا ان ماهر راح يسال نفسه .. هل تنقطع اوتار الحب.. فكانت وفاء تقول له: لا ياحبيبي لا تنقطع ما دامت الاوتار بيني وبينك فاخذها بين اخضانه وغاصا بقبلة كبيرة تتحدى كل ذلك الرصاص وكل تلك المفاهيم البالية.. وما ينتصر الا الحب اخيرا.

محمد عباس اللامي – بغداد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى