طاهر الدويني - نداء الماضي.. قصة قصيرة

كاد أن يستغرق في النوم هاربا من رتابة الحفل الذي جاءه مجبرا لولا أن الاسم الذي هتفت به مقدمة الحفل تعالى وسط القاعة عاليا ، اعتدل في كرسيه وهو يتابع خطوات المرأة التي قدمت من الصفوف الخلفية وأخذت تشق طريقها إلى المسرح متكئة على عكازها .
انطلق صوت في داخله :
يا إلهي ، كيف غدت الآن بعد تلك المرة الأخيرة التي رأيتها فيها ، أين ذاك الجسد الممشوق ، و تلك العينان الضاجتان بالحياة والتوثب ،بل أين تلك الأناقة التي كانت علما عليها ؟
مع الزمن العابر راح يرسم لها صورة ماضية ، غرق في التفاصيل ، وشدته الذكريات ، وهاهو الآن بعد نحو خمسين عاما على اللقاء الأخير بينهما يراها فجأة ،تنبعث أمامه ، لكن بهيئة أخرى ، وكيان قلما يمت بصلة إلى ما كان يعهده .
من مواجع الذكريات وحرائقها، أتته كلماتها :
_ ليس في وسعي أن ألقاك بعد اليوم ، فقد خطبت وسأتزوج الأسبوع المقبل ،وسنرحل مع زوجي إلى الخارج حيث سنعيش هناك .
ماتت كلماته آنذاك حتى قبل أن تولد على شفتيه ،لما تركته حتى قبل أن تسمعها .
حين التقطت ناقل الصوت وشرعت تلقي كلمتها على الحضور ،هاله أن صوتها الرخيم الموسيقي ، والذي كان يحلو له أن يسميه بصوت البلبل ، قد أصابه الوهن وناله التحشرج .
من جديد هاتفته نفسه :
_يا لسطوة الزمن علينا ، كيف يغيرنا بملامحه الفظة ، ويسرقنا من أنفسنا حتى لم نعد نعرفها!.
عندما عاد إلى البيت ،بعد أن انتهى الحفل أنشب وجهه أمام المرآة ، وراح يتطلع إلى ملامح وجهه ، يتفرس في معالمها ،ويمرر أصابعه على تضاريسها، ثم ما لبث إلا أن طرد من مخيلته زمنه الحالي ليستغرق في زمنه الماضي .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى