محمد فتحي المقداد - وقفة مع كتاب (ملامح في الشعر الأردني) للناقد عبدالرحيم جداية

يُعتبر هذا الكتاب وثيقة أدبية تاريخية، أضاءت جانبًا مُهِمًّا من الحركة الشعريّة في الآونة الأخيرة في الأردنّ، و أفسح المجال لتوثيق النتاج الأدبيّ في الشعر، هذا العمل الجليل بداية، فقد وجد الصدى الكبير في نفسي و قلبي، وأنا أشتغل عليه مراجعة و تدقيقا، مساعدة لصديقي المؤلف.

حقيقة لا تستهويني قراءة ومطالعة كتب الدّراسات النقديّة كثيرا، ولكن أثناء العمل وجدتُ نفسي مُنجذبًا إلى مراجعتها التي استطابت مذاق هذا الفنّ القديم المُتجدّد، عبدالرحيم جداية استقطبني إلى ساحته النقديّة، ووجدتني مُنقادًا باستسلام عجيب لقراءة عميقة لدراساته النقديّة التي جاءت كنسائم الرّبيع الجَذلى، وهي تُداعب القلب و تتجلّى الرّوح منّي، وهي تُحلّق في دوّامة من المفاهيم الجديدة في طريقة الأداء السَلِس المُحبّب.

عبدالرحيم جداية مثله كمثل غيره من الأدباء و أساتذة النّقد، لكنّه شذّ عن طريقتهم، حينما نَحا طرْقَ النّصوص من أبواب جديدة، تتميّز بسهولة الفهم دون اللجوء للمفاهيم و المصطلحات المُعقّدة المُستعصية على فهم القارئ العاديّ، دون الحاجة لاستنطاق تلك المفاهيم عن مجاهلها، و التي ربّما يقف أمام بعضها أساطين الفكر.

لا مراء و لا تزلّف، جاء هذا السّفرُ ليكون شاهدًا وثّق شهادته في سجلّ خلّد أسماء الشعراء، وأضاء دروب حروفهم، وفتح المجال لقراءتهم بعمق، و أعطى أبعادًا فكريًة ذات صبغة فلسفيّة للمجموعات الشعريّة التي حظيت بالقبول لدى عبدالرحيم جداية، وأتاح إيصال رسالتها إلى المتلقي العادي.

هذه الدراسات و القراءات التي تقدّم بها جداية في كتابه، جاءت إضافة مُهمّة للمكتبة الأدبيّة العربيّة عمومًا، فقد استفزّت مكنونات النّاقد، فاستخرجت أجمل ما عنده، حينما استنفذت طاقته المُتوقدّة، لتُظهر عُمق ثقافته، وسِعَة إطّلاعه، و أصالة فكره الذي لم يبرح دائرة العروبة و الإسلام، و غرّد بمفاهيمه المُسطّرة بين دفتيّ كتابه ملامح الشعر الأردني، وهو يؤسس لمدرسة ذات اتّجاه لها خصوصيّتها النابعة من إيمانه الذي لا يزايله الشك، بأنه يخدم ثقافة أمته.

ما عرفُته إلا مثابرًا دؤوبًا على عمله بجدٍّ و إخلاص، مُبتعِدًا عن التجاذبات التي تحرق الرؤية الحقيقيّة للمثقف و الأديب، عندما تَسلِقُ المراحل للسعي المجنون إلى المقدّمة بقليل من الأدوات اللازمة لذلك، ساعتها تنكشف الحقيقة عندما يذوب الثلج، وتظهر الكارثة، عبدالرحيم مُتأنٍّ برأيه الحصيف، فهو يدبّ على الدرب كالنملة، أو كالسلحفاة، لا يحبّ القفز فوق المراحل وهو يروم الوصول.

وَفِيٌّ بطبعه، لم ينس صديق مشواره الشّاعر مهدي نصير من خلال تخصيصه بالشكر في بداية صفحات الكتاب، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله.

***



دلالات العنوانات لدراساته جاءت مثيرة محفزة للقارئ، وهي كالآتي:

1- المعاندة و المطاوعة في ديوان (موتى بلا سقوف) للشاعر د. محمد الحوراني.

2- إشكالية الفعل بين اللغة و العلم و الدين في ديوان(بيوت الطين)للشاعر د. حربي المصري.

3- ميكانيكا التصورات الجمالية. للشاعر د. محمد مقدادي.

4- الزجل و المناخات الأدبية في تجربة (حسن ناجي).

5- ملامح البعث بين النزوة و الفكر في ديوان (شراك الصقيع) للشاعر عيد النسور.

6- المشاركة التكامليّة في فعل المقاومة عند الشاعر ناصر قواسمة.

7- التقابل النفسي و الدلالي في ديوان(تلالي تضيق بعوسجها) للشاعر عمّار الجنيدي.

8- الثنائيات في ديوان (ارتعاشات على جسد الخريف) للشاعر د. سلطان الزغول.

9- الشعر و إعادة الانتاج في ديوان (الكتابة على الماء و الطين) للشاعر نضال القاسم.

10- ضاق الفضاء بدمي، وأسئلة التجريب للشاعر يونس أبو الهيجاء.

11- القصيدة المثقفة و أميّة القصيدة (رؤية جديدة)، الشاعرة إيمان العمري، أنموذجا.

12- القصيدة المفاهيمية الشاعر إسلام علقم.

13- فلسفة الكلمات المفتاحية في ديوان (الطواف حول الثبات) للشاعرة أفنان هديب الدوايمة.

هذه الطائفة من العنوانات السابقة بجديدها، تسترعي انتباه القارئ، وتحثه لمتابعة محتوياتها بتشويق طافح بالتثقيف.

ربّما لم ينتبه أحد للكتاب، والعتب كبير على الشعراء الذين نالوا حظّا وافرًا من الدراسة التي قدّمها الناقد عبدالرحيم عنهم. فهل خانتهم فطنتهم أن يقولوا، ولو كلمة شكر صغيرة في حقّ الكتاب أوّلًا، والكاتب النّاقد ثانية؟؛ لحثّه على المُضيّ في طريقه ونهجه، و تشجيعه.



عمّان/ الأردن

21-3-2017

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى