ديوان الغائبين ديوان الغائبين : علي الرقيعي - ليبيا - 1934 - 1966

ولد علي محمد الرقيعي في طرابلس (الغرب)، وفيها توفي.
عاش حياته القصيرة في ليبيا.
تلقى مراحل تعليمه الأولي في طرابلس، ثم اضطرته ظروفه المادية إلى توقف رحلته مع التعليم الجامعي، فعكف على تثقيف نفسه ذاتيًا.
عمل موظفًا بوزارة الصحة في قسم المحاسبات، ثم اتجه إلى العمل الإذاعي فقدم مجموعة من البرامج الأدبية، من بينها برنامج «همسات الليل».
كان عضوًا بنادي الشباب الليبي.
زاول النشاط الرياضي، من خلال فريقي الطليعة والأهلي بطرابلس، غير أن القدر لم يمهله فرحل عن دنيانا وهو شابّ.

الإنتاج الشعري:
- له عدد من الدواوين، وهي: «الحنين الظامئ» - دار الفرجاني (ط1) - طرابلس 1957، و«أشواق صغيرة» - اللجنة العليا لرعاية الفنون والآداب (ط1) - طرابلس 1966، و «الليل والسنون الملعونة» - إعلام طرابلس (ط1) - طرابلس 1966، و«لم يمت» - إعلام طرابلس (ط1) - طرابلس 1991.
شاعر ذاتي وجداني، تغلف شعره مسحة من الحزن الشفيف، وشعور ممض بالوحدة والاحتياج، مجدّد؛ فقد كتب شعره على التفعيلة، إلى جانب كتابته للشعر على
الطريقة الموروثة، يعبر عن نفس معذبة قلقة وحالمة. تتميز لغته ببساطتها، وسهولة تراكيبها، مع ثراء خياله، وجدّة صوره. التزم الأوزان الخليلية في كتابته للشعر
باتجاهيه: المحافظ والجديد.

مصادر الدراسة:
1 - أحمد قبّش: تاريخ الشعر العربي الحديث - دار الجيل - بيروت (د. ت)
2 - عبدالله سالم مليطان: معجم الشعراء الليبيين، شعراء صدرت لهم دواوين - دار مدار للطباعة والنشر - طرابلس 2001.
: معجم الأدباء والكتاب الليبيين المعاصرين - دار مدار للطباعة والنشر - طرابلس 2001.
3 - محمد الصادق عفيفي: الشعر والشعراء في ليبيا - مكتبة الأنجلو المصرية - القاهرة 1957.
: الاتجاهات الوطنية في الشعر الليبي الحديث - دار الكشاف للنشر والطباعة والتوزيع (ط1) بيروت - القاهرة - بغداد 1969.







أغنية حب إلى أصدقائي

على صورته وسدت رأسي
وتمسحت بخديه
وقبلت عيونه
وتضرعت طويلا للسماء
كي تصونه.
إنه يا أصدقائي الطيبين
زيت مصباحي لآلاف الليالي الآتية
إنه في خاطري يروق أشهى أغنية
غسلت قلبي بأفراح الحياة.
أصدقائي
في ليالي السهد لما
ينشر القلب لمن يهوى جناحه
ويمد القمر الأخضر للعشاق راحة
ساكبا في رفة الصبح إليهم موعدا
فأعلموا يا أصدقائي الطيبين
أن آمال الهوى لن تخمدا
لن يظل الليل في الأعين
وهما أسودا نزقا
ما دام في الأعماق نبض يتوهج
وحنين يتأجج.
للعيون الشاعريات الحيية
بعثر الله عليهن ضياه
وسقاهن بأجلاف الأماني الأزلية
ما يصير العمر لولا لمسة الحب السخية.
أصدقائي
قال لي:
يوما سألقاك هنا
ضمني شوقاً إليه
مثل عصفور تعلقت به
ثم أختفى
آخذا روحي معه
وأنا ما زلت لم أبرح مكاني
وأنا أهتف:
يا سرب الصبايا ألف آه
هل رأيتن حبيبي
في ليالي القلق الحلو
وفي ظل العيون الشاعرية.
كان يا ما كان أن ضوء روحي بحنانه
وعلى ضحكته وسدت رأسي
وتمسحت بخديه
وقبلت عيونه
وتضرعت طويلا للسما
كي تصونه .

الخباز والأطفال

يا جذوة الحب العميق
لا تنطفيء
فلكم يعذبنا الحنين.
لك
في قرانا الخضر
في يوم انتصار
صاف كوجه أبي يدندن للنهار
حيث المسافات البعيدة
والقفار تعنو
وحيث بلا جدار
تنساب أغنية الرفاق الظافرين.
بيضاء يشربها شعاع الشمس
بيضاء الجبين.
يا جذوة الحب العميق
شبي بأضلاعي فلي يوم انتصار
ما زلت أنشده
ويا خباز شارعنا التريب
فلتستفق أبتاه
ولتعلن بغنوتك الحنون
ميلاد أفراح الصغار
في حينا
يا أيها الرب العظيم
ولتكتسح أيامنا الجدباء غنوتك الحنون
يا زارع البسمات
في أحلامنا العطشى
ويا أمل الغداة
أبتاه يا أمل الغداة
لا تنتظر
أطفالنا يتعذبون
والليل في أحيائنا
لا تنتظر
قاس
ومعبره صعيب .

انتظار

أورادنا ذبلت
ولم نبرح على حر اللهيب
وفي انتظار
أحبابنا يا أيها الحادي الوديع
عرج علينا
أه
تيمنا الغرام
إلى اللقاء
والقلب لا يشفي بغير الحب
يا حادي الحبيب
عرج فقد طال الفراق
وتقرحت أجفاننا شوقا
وأوراد اللقاء
ذبلت
وما زلنا على جمر الحنين .

فتاة تونسية

الليالي الدافئات التونسية
لم تقل لي
كيف لا تصفو العيون العسلية ؟
كيف لا تبقى وفية ؟
وأنا أصلب أشواقي على صدر طفولي
في عشية
طمعتني بالهوى حتى انتشيت
خبأت لي بسمة خضراء في هدب صبية
يا صديقة
كيف بعد اليوم آنستي ؟
هل تودين الحقيقة
أه
لو يوماً معي قلبك نضرت طريقه
من لهيب الشوق في قلبي
ومن نور عيوني
فأعذريني
وأغفري لي يا صديقة
إنما يأسرني دفء القلوب الطيبة
القلوب الشاعرات الأنثوية
وهي دنيا حلوة السكب ندية
بالأماني
يا صديقة
خبريني لم تحتال العيون العسلية
ثم تقسو
إنما أبهرني إحساس عذراء على جنح قصيدة
فانثريني
وأبحري
عبر شطآن المدى عبر الزمان
في شراع من حنان
إنني أشتاق أن أغفو في حضن حبيبي
ذات ليلة
من ليالي صيف يوليو القمرية
حيث آتيك بأشعاري
وأوهامي الحيية
راعش المهجة
سكران الهوى
فأنتظريني
وسأجتاز المسافات الطويلة
أحمل الحب لعينيك
وأشياء جميلة
وأنا أرقص كالطفل
أشدو
وأنادي
يا حبيبي
كيف بعد اليوم أنسى ؟
ذكريات أشعلت روحي أنسا
لست أنسى
يا حبيبي عشت لي
عشت في قلبي شمسا .

ماذا أخبر عنك ؟

ماذا أخبر عنك ؟
هل تجدي وسيلة ؟
يا جنة الغرباء
يا مثوى طفولتنا الجميلة
ماذا وخيرك يا بخيلة
بددته للريح ؟
خيرك يا بخيلة
يا من يعذب حبها قلبي
وما بيدي حيلة.
أنا ههنا في الصمت
تحرقني عذابات الطفولة
أرنو لشاطئك الحزين
وما تبقى فيه شيء
أمواجه بله السنين تضم رقدتك الطويلة
والريح تسرق أغنيات الصبح منك أيا كسولة
وهضابك الجرداء تستلقي قتيلة
في كل قلب
في عيون الآخرين
يا زهرة لم تلتمع يوما ببسمة
مدي برغم الليل
مدي لي يديك
أنا
ههنا في جنح غيمة
متيبس الخلجات
مدي لي يديك
فلعل في عينيك رحمة
ولعل
يا بلد الهموم
لعل ضرعك فيه قطرة
لإبل هذا القلب
كي أشفي غليله.
أواه
من حبي العميق
ومن جحودك يا بخيلة
يا مرفأ الغرباء لو تدرين
أي يد ثقيلة
تمتد للشعراء
أي يد ثقيلة
في الليل
ليل الصمت مذ أرخى سدوله
لكن حسب الشعر
لأسمك يا... جميلة
إني أعري صدري الدامي الممزق للرياح
كي تنظري أعماق جرحي.
ما زلت أؤمن أن في عينيك رحمة
مهما قسوت
ففي دمي تجري أمومتك الجليلة .

غربة

بلا عينيك تبتسمان لي في وحشة الدرب
أنا جوعان
بلا مأوى
بلا حب
أبعثر يومي المصلوب من مقهى
إلى
مقهى
وفي قلبي
فراغ موحش الغربة
وفي رئتي طعم التبغ
والأقداح
والليل
ومخدع امرأة همجية العينين تأكلنه
ببطء الليل تأكلني
وتصلبني
على نزوات فستان بلا أزرار
أقول لها:
أنا جوعان
أقول لها:
أحس النار في قلبي
بلا حب
أصارع في خضم العمر محترقا بلا مجداف
بلا مرفأ
عليه أنظم الأشعار
أرقد عنده
أدفأ
عليه ألتقي بيدين تبتنيان لي مأوى
عليه أنام
لعلي ألتقي بطيوف أحبابي ولو مرة
وأشعر إنني إنسان
حبيبي
في سبيل العيش جئت مدينة الأضواء
بلادا مـــرّة
الطرقات لا ترحم
على أمثالنا تقسو
بلادا تحضن الغرباء
تميت طفولة القلب
بلا قمر شفيف الضوء في شغف عبدناه
بلا أغنية خضراء تلهج في ثناياه
بلا عينيك تبتسمان لي في وحشة الدرب .

أشواق صغيرة

إن تململتم بالأشواق في الليل طويلا
فلتظلوا ساهرين
لا تناموا قبل أن تحضن أحلام الكرى رمش الحبيب
وسدوه بعد أن يغفو حبات القلوب
دثروا عينيه في رفق بأستار المحبة
دفئوا بالحب قلبه
هدهدوه بالحكايات وخلوه ينام
في سلام
وأصنعوا من وجهه الحالم ذرعا لليالي
يا خطاه
خبريه دفقة الشوق محال أن تموت
وشراع الملتقى ما زال يحكي الموج عنا
إنني عبأت بالحب عيوني
كي أراه
وأمتطيت الأفق
غنيت
وصارعت الليالي
في هواه
وعلى الثلج مشيت
أحمل العبء لكي يحيا معي
في أمان
يا شراع الملتقى
إنني أفردت للموج جناحي
لا تقل إني لعينيه بكيت
لا تقل إني على النار مشيت
ذات يوم
قسوة الصبر
عذاب الشوق أقسى
وهو مازال على الشاطئ وعدا يلوح
وهو قلب طيب الخفق ولكن لا يبوح.

يا عناقيد الضياء
سيجيء شباكه الأخضر في الليل برشات القمر
وأحملي لي مرة من وجهه الحلو خبر
وأصنعي لي منه درعا وحجابا
وقدر
دفقة الشوق
شراع الملتقى
لا تعلموه
إنني يوما لعينيه بكيت
وتململت على الأشواك وحدي ذات ليلة
فتظلوا ساهرين
لا تناموا قبل أن تحضن أحلام الكرى المسحور رمشه
دثروه بعد أن يغفو في رفق بأستار المحبة
دفئوا بالحب قلبه
وأحرسوه إنه صار حبيـبي .


علي الرقيعي.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى