عباس عجاج - فك طلاسم القصة القصيرة جدا الما بعد الحداثوية

(( القصة القصيرة جدا عبارة عن طلاسم و ألغاز تكتب لفئة معينة ))
الجملة أعلاه سؤال كثيرا ما يتم طرحه خلال النقاشات التي يتم تداولها حول ال ق ق ج الحداثوية, و يشار به إلى النص الذي تغلب عليه الرمزية, و اللغة الشعرية, ويعتمد الايحاء في لغته, مبتعدا عن الاسلوب الكتابي المباشر.
فلنتخيّل صورا مختلفة لمبنى Hass-Haus في فيينا, سنتخذها مثالا توضيحيا,
أولا.. يجب الاشارة إلى أن مفهوم الحداثة, وما بعد الحداثة ليس وليد اليوم , بل هو أحد الأسس التي جذرت لاتجاهات ما بعد البنيوية, وما بعد الأدبية, فلسفيا و منهجيا, ولم يقف عند فن الكتابة, بل شمل الفنون الأخرى مثل فن الرسم, و فن العمارة, وفن الموسيقى.
يذكر الأديب الناقد اسامة الشحماني في كتابه " الكتابة في مشغل ما بعد الحداثة " حول المبنى - الصورة:
" .. تكمن أهمية المكان الذي يقع فيه حيث يوجد في قلب العاصمة النمساوية, ويحتل أهم زاوية وسط الميدان وهو مركز فيينا الحاوي لأهم معالمها التاريخية, كالكاتدرائية الشهيرة Stephansdom , ويظهر انعكاس أبراج الكاتدرائية على المرايا الصقلية التي تكسو الجهة اليمنى من المبنى , وهنا يستقدم هذا الصرح علامة تقع خارج دائرة وجوده, و هي في الوقت ذاته علامة مسببة, و خالقة لذلك الوجود.
تخيّل أنك تدور حول هذا المبنى صبيحة يوم مشمس, ترفع نظرك بين الحين والآخر لتشاهد ما ينعكس على سطوح مراياه, من المؤكد أنك سترى على الدوام صورة أبراج الكاتدرائية, ومن المؤكد أيضا أنك ستشاهد في كل مرة منظرا مختلفا تماما عن سابقه, فأنت تتحرك و تقلّب نظرك على صفحات المرايا باحثا عن منظور جديد لانعكاسات المشهد, وعلى الشاكلة نفسها يغير المشهد انعكاساته على تلك المرايا الصقلية, ولذلك فإن أمرا ما يتجلى للمُشاهد وهو في حالة تبدّل دائمة, و يتعلق بوضعية المشاهد و موقفه, فضلا عن طول قامته, وطريقة توجيه نظره, بمعنى آخر أن كل انسان يرى المبنى على طريقته, و حسب امكانياته, وبصوره مختلفة تماما عما يراها الآخرين"
وما ينطبق على مبنى هاس هاوس ينطبق على ال ق ق ج الرمزية, إذن فالأسباب الخارجية, والمؤثرات المحيطة هي التي تعكس ماهية الصورة والتخيل, قد أرى أنا النص من بُعد يختلف تماما عمّا تراه أنت, و يختلف تماما عمّا رآه زيد من زاويته, و جميعنا على صواب.
إذن نحن أمام تعددية في فضاءات رحبة , وما تفضي إليه تلك التعددية الفردية من حرية في التعاطي مع أساليب الصياغة الفنية و الأدبية , تنفتح على استجابة ذاتية المتلقي من دون كوابح , وتعطي الحق لكل شخص أن يعبّر عن تصوراته حول النص, بعدد مرات رؤيته و قراءته.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى