بوشعيب عطران - مأزق

"عليك أن تبدأ برؤية باطن الأشياء..لتكتب قصتك الحقيقية.."
- تمسك جيدا.. - احذر الطريق.. - افلت بجلدك.. تصلني وغيرها من أصوات تحذرني، تلاحقني، تتداخل فيما بينها، تشكل حاجزا مموها،يزيدني حيرة في طريق أتخبط فيها وحيدا.. فزعا، مذعورا من رفرفة أجنحة طويلة، أشعر بظلالها تجري مسرعة ورائي، لكنها تختفي حالما التفت، انخلع قلبي، ارتجفت ركبتاي، الإعياء يدب في أوصالي، اندفعت مرغما داخل الغابة، تحاشيتها طويلا لقربها من الخلاء ،الذي أصبح ملاذي منذ أن لفظتني المدينة. خطواتي نفسها لكنها معكوسة، حاذيت جدارا سميكا ينتصب بداخل الغابة، تلمسته بلهفة أبحث عن منفذ، الظل يقترب، يكبر شيئا فشيئا، أنفاسه تحاصرني، خليط من روائح تلفحني ،كانت تطاردني في أحلامي، أغمضت عيني متأففا، أحدق في جفني من خلالهما ،أري الظلام يتحول إلي أشكال غريبة، تطفو في العتمة، لا تلبث أن تختفي عندما أفتحهما ولا يختفي الظل القابع أمامي.. احتكاك، صرير، انفتح باب في الجدار، دخلته متلهفا.. لم أكن خائفا هذه المرة، لأن ذهني كان مركزا علي النجاة، كما لم تكن هناك أماكن أخري للهروب من هذا المأزق الذي وجدتني فيه.. غابت كل الأصوات، حل صمت ثقيل، تلاشي معها الظل تماما علي إثر نور هائل، كشعاع شمس حجز علي مرآة..تتبعت خيوطه الوامضة علي عجل، أفضي بي إلي دهليز متعرج قاتم، انتهي بي إلي دائرة يتوسطها شكل هلامي لا ملامح له، يسكن شقوق ذاكرتي، لكن صعب علي تذكره في لحظة رعب..
تسمرت أمامه، لا أجرؤ علي تجاوز الدائرة، أحسست بإرادتي مسلوبة في حضرته، خدر لذيذ اجتاحني ،أنعش دواخلي، كما لوأن شيئا انفصل مني،لا إحساس بالوقت أو المكان كأني فوق الغيم.. أتاني صوته عميقا كأنه من بئر سحيقة: - لن أسألك عن نفسك.. بالكاد أعرف كل شيء عنك.. من حيث لا أدري وكأني تحت سحر ما، وجدتني أقول كلاما عن أشياء لم أرغب يوما الإفصاح عنها، عندما انتهيت، تهاويت في مكاني وكأني قطعت أشواطا، لأصل إلي هذه اللحظة.. أفزعني رجع الصدي لقهقهته.. تمتمت بداخلي : (أراني في حلم..) كأنه أدرك ما يجول بداخلي،رد بحنق: - الأحلام دائما تعني شيئا.. شعرت بانقباض من كلماته التي تلسعني كلهيب حارق، انزاح من طريقي وصوته يصلني كفحيح: - لقد اجتزت خطا غير مرئي.. فاصلا بين الظلام والنور في وقت محدد.. غادرته مسرعا، ملتحفا بالصمت، لحظتها كنت أغوص في دوامات فارغة، لا أستطيع فهم ما يجري أو الوقوف عند الحد الفاصل بين الحلم والحقيقة. نظرت إلي الدائرة، كانت فارغة وضوء النهار ينحسر عنها، أدرت وجهي نحو الشمس الغاربة، كانت تغطس بالكامل وراء الأشجار، والسماء تتلون بالوردي والأرجواني في انتظار الظلمة القادمة.


* نشر بجريدة أخبار الادب

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى