شريبط أحمد شريبط - تطوّر البنية الفنية في القصة الجزائرية المعاصرة.. 1947 - 1985 -

1- نشأة القصة الإصلاحية.

اختلفت آراء الدارسين حول أول محاولة قصصية ظهرت في الأدب الجزائري الحديث، فقد ذهب الدكتور عبد الملك مرتاض إلى أن قصة المساواة- فرانسوا والرشيد" التي نشرت في العدد الثاني من جريدة"الجزائر"، في يوم الإثنين 20 محرم 1344 هـ الموافق لـ 10 أوت 1925 هي أول قصة جزائرية وقد أكد ذلك بقوله"إن أول محاولة قصصية عرفها النثر الحديث في الجزائر، تلك القصة المثيرة التي نشرت في جريدة الجزائر"().

وذهبت الدكتورة عايدة أديب بامية إلى أن أول قصة منشورة هي قصة: "دمعة على البؤساء" التي نشرتها جريدة"الشهاب"()، في عدديها الصادرين يومي 18 و 28 من شهر أكتوبر عام 1926.
أما الدكتور عبد الله خليفة ركيبي، فإنه ذهب إلى أن بداية القصة ترجع إلى أواخر العقد الثالث من هذا القرن، وأنها ظهرت أولاً في شكل المقال القصصي"الذي هو مزيج" من المقامة والرواية والمقالة الأدبية()"

وقد عدّ الدكتور صالح خرفي محمد بن العابد الجلالي رائداً للقصة الجزائرية القصيرة، وأنه أول من كتب القصة العربية في الجزائر()، مع أن الجلالي شرع ينشر قصصه في جريدة الشهاب منذ عام 1935م .


2- تطور القصة الإصلاحية:

قبل أن تبلغ القصة الجزائرية مرحلة نضجها الفني في أثناء الثورة التحريرية، مرت بمرحلتين فنيتين يصعب الفصل بينهما فصلاً تامّاً، فالمقال القصصي والصورة القصصية ظهرا تقريباً()، في آن واحد، واهتما بمعالجة موضوعات تكاد تكون واحدة، وهي الموضوعات المتأثرة بالمنهج الإصلاحي الذي تجلى في كتاب"الإسلام في حاجة إلى دعاية وتبشير"() ورغم هذه الصعوبة للفصل بينهما، فإنه يمكن تمييز بعض الفروق الفنية بينهما.

أ-المقال القصصي.
تميز المقال القصصي لدى ظهوره. بكونه مزيجاً من عدة أنواع أدبية كالمقامة والرواية والمقالة الأدبية. وبأنه تأثر بشكل مباشر بالمقال الديني الذي عرف ازدهاراً كبيراً على يد رجال الحركة الإصلاحية مثل: ابن باديس والبشير الإبراهيمي، والطيب العقبي، ومبارك الميلي وغيرهم.

فالشكل الذي جاء عليه(المقال القصصي) لا يعدو أن يكون"صورة بدائية" للقصة ذلك أن العناصر الفنية فيه غير منضبطة بقواعد هذا الفن تماماً كطول الزمن فيه والذي قد يمتد شهوراً عديدة، وتنوع عنصر البيئة وحشد الأفكار الكثيرة والاستشهادات العديدة وبث الحكم والإقناع في النص.

وكانت القصة بهذه الصفات مجرد"ثوب" ارتدته الأفكار الإصلاحية خلال مرحلة امتدت من 1925 إلى عام 1947م(). وفي هذه المرحلة كانت الشخصيات القصصية تأخذ بعداً واحداً فحسب، فإن كانت تنتمي إلى بيئة إصلاحية، فهي شخصية خيرة، وفاضلة، أما إذا كانت تنتسب إلى بيئة أخرى، خصوصاً بيئة رجال الطرق فهي شخصية شريرة وشيطانية().

والسبب في هذا أن كتاب المقال القصصي هم أعضاء بارزون في الحركة الإصلاحية، وهم أولى من غيرهم بالدفاع عن أفكارهم والتصدي للسموم الاستعمارية التي كانت تفحّ وسط الشعب الجزائري الأعزل.

إلا أن المقال القصصي أخذ يتطور فنياً كلما مرت الأعوام، إذ حدث أن كثرت تجاربه وكثر كتابه وازداد تمكناً واطلاعاً على ثقافة العصر، وأهم خصائصه الفنية في أواخر هذه المرحلة أي منذ عام 1947م، هي أن عنصر الحوار تركز حول موضوعات جديدة في السياسة والثقافة والفكر بالإضافة إلى الدين.()

ب- الصورة القصصية.
ظهرت الصورة القصصية في المرحلة التي نشأ فيها المقال القصصي. وذلك في كتاب"الإسلام في حاجة إلى دعاية وتبشير" لمحمد السعيد الزاهري وأول صورة قصصية ظهرت خلال المرحلة الأولى، هي صورة"عائشة" التي تصدرت مواد ذلك الكتاب.()

كما تناولت الصورة القصصية في هذه المرحلة الموضوعات الإصلاحية التي عالجها المقال القصصي، ولم تختلف عنه كثيراً من حيث الجانب الفني سواء في تنوع الأحداث، أم من حيث الشخصيات، وقد اتسمت عموماً بقصر الحجم الذي هو أحد خصائص القصة القصيرة.

ويلاحظ عليها ضعف الحوار. فهو لا يناسب شخصياتها الرئيسية. حيث تطغى عليها شخصية المؤلف، خصوصاً الثقافية. وينطبق هذا بالخصوص على شخصيات الزاهري، وكذلك بعض شخصيات الجلالي. وهي غالباً ما تنتهي بخاتمة وعظية مباشرة، وغير مناسبة يعلق فيها الكاتب"موضحاً أو داعياً إلى فكرة أو رافضاً لها.

بعد الحرب العالمية الثانية تطورت الصورة القصصية تطوراً كبيراً في الشكل أو المضمون، وعني الكتاب برسم شخصياتهم الفنية، كما أولوا عناصر السرد والحوار اهتماماً حسناً، وتناولوا قضايا جديدة كحرية المرأة والحب والزواج بالأجنبيات، وكذلك الشخصية المنحرفة التي تتاجر بالدين وتستغله للحصول على المال دون عناء، وقد تركزت الصورة القصصية حول ثلاثة محاور:

1- رسم الشخصية"الكاريكاتورية"، ويتضح ذلك من خلال وصفها وتحديد تصرفاتها وإشاراتها الظاهرة بغرض السخرية من مواقفها وأعمالها.

2- الإلحاح على فكرة نقد المجتمع وعاداته وتقاليده ونقد الاستعمار ومخلفاته وتكاد الشخصية في هذا المحور تختفي بسبب التركيز على تصوير الحدث القصصي وقد نشأ عن هذا انفصال بين الشخصية وبين الحدث.

3- وصف الطبيعة والحب وغيرهما من الموضوعات الرومانسية، وهنا تنعدم الشخصية بسبب التركيز الشديد على وصف الطبيعة ومظاهرها.()

ويمكن ملاحظة أن الصورة القصصية شهدت خلال هذه المرحلة الممتدة إلى غاية 1956، تطوراً في عناصر فنية أخرى، كالعناية باللغة، بحيث صارت أكثر إيحاء ورمزية، وكالاهتمام برسم(الحدث الواحد) والتركيز عليه لتصويره من جميع نواحيه.()

ومع ما يلاحظ من بساطة الشكل الفني الذي ظهر به كل من المقال القصصي والصورة القصصية، فقد أدى هذا الشكل دوراً مهماً في نشوء القصة الفنية الجزائرية فيما بعد، ثم إن هذا الشكل القصصي قام ولمدة غير قصيرة بالتعبير عن أفكار الأدباء واهتماماتهم الإصلاحية خير قام.

ولإيضاح ذلك نعرض فيما يلي إنتاج بعض أعلام هذه المرحلة
(1925- 1956)، والخصائص الفنية لهذين الشكلين القصصيين ودورهما في نشأة القصة الجزائرية المعاصرة.

ثانياً: كتاب القصة الإصلاحية.
يصعب إحصاء التجارب القصصية في هذا الميدان فالأسماء كثيرة والنتاج غزير متناثر في الصحافة الجزائرية والعربية، ولهذا قصرنا الكلام على أهم كتاب القصة الإصلاحية.

1- محمد بن العابد الجلالي.
بذل محمد بن العابد الجلاّلي جهوداً طيبة في سبيل إرساء تقاليد الفن القصصي في الأدب الجزائري المعاصر، فقد شرع ابتداء من شهر يناير عام 1935 بنشر قصصه بمجلة"الشهاب"، حتى إذا كان عام 1937 بلغ عدد قصصه المنشورة سبعاً حملتها جريدة"الشهاب" حسب الترتيب التالي:

1- في القطار، عدد يناير 1935
2- السعادة البتراء، عدد يونيو 1935
3- الصائد في الفخ، يونيو 1935
4- أعني على الهدم أعنك على البناء، يوليو 1935
5- تموز، غشت 1935
6- بعد الملاقاة، فبراير 1936
7- على صوت البدال، يناير 1937.()


وحظي أسلوبه الفني بإعجاب العديد ممن درسوا قصصه، قال الدكتور صالح خرفي في مقالة له بعنوان"محمد بن العابد الجلالي: هل هو رائد القصة القصيرة في الجزائر؟: "ذاك هو رشيد() في أسلوبه القصصي الرصين وفي نقاء عبارته وصفائها، وذلك هو رشيد في أفكاره الجريئة في تغنّيه بالحرية والاستقلال، في تنويهه بالجبال الشامخة وأبطالها المغاوير، والإشادة بدورهم الاشتراكي السامي الذي لعبوه".()

ووصف أحمد ابن ذياب قصصه بأنها نموذج متكامل للقصة"من حيث الأسلوب ومن حيث الروعة في العرض، ومن حيث الاتصال، ومعالجة المشاكل، معالجة حكيمة بثقة تستهوي القارئ، وتمتلك عليه لبه، فيظل مشدوداً بسياقها، يتابعه وتشتد الحبكة أو يتفاقم المشكل. فيأخذ ينتظر المصير متسائلاً عن أي المفاجآت يتجلى الموقف؟".()

استخدم محمد بن العابد الجلالي الطريقة التقليدية في سرد حدث قصته"أعني على الهدم أعنك على البناء"، 1935م، فقد ركز في بدايتها على تصوير البيئة التي جرى فيها الحدث، فطال الكلام على سهول متيجة، وخصبها واتساعها وشخصية المعمر الإقطاعي الفرنسي وقصره والنعيم الذي يعيش فيه هو وأفراد أسرته"يرقصون ويطربون على عزف الآلة، وأحياناً يستنطقون الراديو فينقل إليهم على متن الأثير ما في أنحاء العالم من حركات في المسارح ومناقشات في المجالس وأحاديث في المنتديات".()

بعد ذلك بدأ الحدث القصصي يتطور وينمو من خلال الحوار الطويل() والعنيف الذي دار بين الأب وابنته وهما فرنسيان، حول موضوعات شتى، أهمها مفهوم الإنسانية ونظرة كل منهما إلى المواطنين الجزائريين، حيث عدهم الوالد خدماً لا وعي لهم بشؤون الحياة الحضرية، وأنه ليس من حقهم أن يفيدوا من منجزات العلم والتكنولوجيا المعاصرة، كالاختراعات العلمية وغيرها بينما ترى ابنته البالغة من العمر خمس عشرة سنة أنهم مثلهم يحسون ويتألمون، ولهم عقول يفكرون بها، إنما ينقصهم التعليم وتوافر شروط الحياة المدنية الجديدة، وأن لهم فضلاً كبيراً على فرنسا أكبر من فضله وفضل أسرته، إذ اعترفت بفضلهم حين دافعوا عن الشعب الفرنسي وكرامته وحريته في أثناء الحرب العالمية الأولى.()

وهذان الرأيان يرمزان إلى جيلين: الأول هو جيل المعمرين الفرنسيين الموالين للإدارة الاستعمارية، ويمثله الأب بمركزه الاجتماعي الإقطاعي وبأفكاره العنصرية الحاقدة على الأهالي الجزائريين. بينما يرمز الجيل الثاني إلى جيل الشباب من أبناء المعمرين، الذين تختلف نظرتهم عن نظرة آبائهم فهي تتحلى بالعطف والاعتراف للجزائريين بفضلهم وجميلهم. وتعترف لهم بحقوقهم في العيش الطيب والحياة الكريمة- ولا تخلو هذه النظرة من غرابة، فكيف يمكن تصور صدق هذا الشعور من جيل تعلم في المدارس الاستعمارية، ونشأ في محيط اجتماعي استعماري، وتكون فكره بين أحضان الفكر الاستعماري الفرنسي الذي لم يعرف طوال حياته إلا القهر والاضطهاد، وسفك دماء أبناء الجزائر؟.

ولعله يمكننا أن نرد هذه الأفكار التي جاءت على لسان ابنة الإقطاعي والتي لم تتجاوز سن الخامسة عشرة من عمرها- وهو سن لا يسمح لها بأن تتبنى هذه الأفكار- إلى تأثر الكاتب نفسه بالأفكار الاشتراكية، وببعض أفكار حركة دعاة الادماج"().

إلا أن الكاتب لم يلبث أن استدراك، فعدّل موقفه قبيل نهاية الحدث، حيث سرد قصة أخرى شديدة القصر، تتلخص في خصام وقع بين عاملين يشتغلان عند المعمر، اختلفا حول بناء سور مأوى الحيوانات، إذ رأى أحدهما وهو الخادم"التواتي أن يتعاون هو ورفيقه" التهامي" على هدم السور وبنائه، بينما رأى"التهامي" أن يقوم رفيقه بهدمه، ويقوم هو ببنائه.()

وعلى هذا فقصة"أعني على الهدم أعنك على البناء" شملت حدثين: الأول تناول موضوع الإنسانية، وبطريقة لا تخلو من مبالغة، وتدخل فيه "القاص" لتلقين شخصية ابنة المعمر أفكاره وآراءه. وتناول الحدث الثاني: موضوع"التعاون" الذي يجب أن يسود بين العمال الجزائريين، حتى يتمكنوا من التغلب والانتصار على ظروفهم الصعبة، وهنا لم يعتن القاص بتصوير الحدثين قدر عنايته بسرد أفكاره، وآرائه حول موضوعات شتى: كالإنسانية والتعاون وإعجابه بسهول(متّيجة)، وكذلك بإبرازه شخصيته المطلعة على بعض المخترعات العلمية الحديثة، ومتابعة الأخبار العالمية.

وتبدو في هذه الصورة قدرات فنية كثيرة يمتلكها الجلالي، وخاصة إدارة عنصر الحوار حول موضوعات شتى، وكذلك حسن اختياره لشخصيات تعبر في معظم الأوقات عن مواقف فئات متباينة في الرأي.

2- محمد السعيد الزاهري.
يعد محمد السعيد الزاهري أول كاتب جزائري حاول كتابة"القصة القصيرة" باللغة العربية، فقد نشر في العدد الثاني من جريدته"الجزائر"()، التي أصدرها عام 1925 محاولة قصصية بعنوان: "فرانسوا والرشيد".

يدور حدثها حول طفلين: أحدهما(الرشيد جزائري الأصل مسلم العقيدة، بينما الثاني(فرانسوا) إسباني الأصل، فرنسي الجنسية، وقد نشأا نشأة واحدة، حيث ولدا في حيّ واحد، ودرسا في مدرسة واحدة، وتعلما مبادئ الثورة الفرنسية التي تدعو إلى المساواة والحرية والعدالة تعلماً متكافئاً. فآمن(الرشيد) بها ووضع ثقته كلها في الإدارة الفرنسية، إلا أنه أصيب بخيبة أمل كبرى بعدما استدعي هو و(فرانسوا) إلى الجندية الفرنسية وبدأ زميله يرتقي بسرعة مدهشة ويحصل على الرتب العسكرية الواحدة تلو الأخرى، إلى أن وصل إلى رتبة"كولونيل جنرال"، بينما بقي هو جندياً بسيطاً وقد ترك هذا في نفسه ألماً شديداً أودى به إلى القنوط فاليأس فالانتحار. وقد أحدثت هذه القصة أثراً بليغاً في المثقفين والقراء حين نشرها، فتعاطفوا وتضامنوا مع بطلها(الرشيد) إلى درجة أن جريدة"المنتقد"() نظمت سنة 1925م مسابقة أدبية لرثاء شخصيتها المحورية(الرشيد) ن

3- الشكل الفني.
عبر حوحو عن أفكاره بعدة أشكال فنية كالقصة، والرواية القصيرة، والمسرحية، والمقالة الأدبية، والنقدية، والصحافية، والعزف على بعض الآلات الموسيقية، خصوصاً آلة البيانو، ولكن القصة القصيرة كانت الأثيرة، ففيها صور آراءه في موضوعات شتى، خصوصاً موضوع الإصلاح الاجتماعي الذي أولاه اهتماماً كبيراً منذ رجوعه إلى الجزائر في بداية عام 1946م، وانتسابه إلى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.


فقصصه(فقاقيع الأدب)، و(الشخصيات المرتجلة) أقرب إلى المقالة الأدبية والعلمية منهما إلى الفن القصصي: وعنصر الحوار كثيراً ما يطغى على أشكال السرد الأخرى، ويمكن إرجاع ذلك إلى كونه كاتباً مسرحياً لا قصصياً فحسب، وله اهتمام شديد به، حيث بذل جهوداً جبارة من أجل إرساء قواعد المسرح في الوسط الجزائري، لإيمانه بقدرة هذا الفن على تصوير معاناة المجتمع الجزائري والتعبير عن أفكاره، وآرائه الإصلاحية والأدبية.()

ومع ذلك ظل حوحو منظراً للأدب أكثر منه مبدعاً مجدداً في فنونه، فتجلت ثقافته الحديثة في مقالاته أكثر مما تجلت في قصصه. ويعود ذلك إلى غياب النموذج القصصي المكتمل وإلى ضعف النص النقدي الجزائري الذي واكب مسار الأدب الجزائري الحديث.

4- الموضوعات:
موضوعات قصصه متنوعة ثرية، لا تخلو في بداياتها من الانفعالات الذاتية، وطغيان الأحداث العاطفية أما في مرحلته الأخيرة-خصوصاً بعد عودته إلى الجزائر- فقد أولى اهتماماً أكبر بالموضوعات الاجتماعية والإنسانية. وبموازنة إنتاجه مع إنتاج معاصريه يبدو حوحو أهم أديب جزائري شهدته مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية إلى يوم استشهاده في 29 ماي 1956م، وهو أول كاتب جزائري استجاب لتأثيرات الظروف السياسية والاجتماعية والثقافية الجديدة، وأول من ضمن كتاباته جل القضايا المعاصرة كقضية تثقيف المرأة والتعليم وبناء المجتمع وقضية الإصلاح الديني وتطور الحركة الثقافية والأدبية. وسنبين أهم الموضوعات التي عالجها في قصصه بقصد إبراز الصلة بين موضوعاته وبين الأشكال التي صيغت بها.


ولا يشذ عن هذه القاعدة سوى كتابات أحمد رضا حوحو، ففيها جرأة وتجاوز للعادات في تلك المرحلة الزمنية التي نشر قصصه فيها()، وكان يبحث في معظم قصصه العاطفية عن حب رومانسي، مكلّل بالصدق، وهو في هذا متأثر بالأدب القصصي الرومانسي الغربي وبسير الشعراء العذريين في الأدب العربي.

كتب في هذا الموضوع خمس قصص()، تضمنتها مجموعته الأولى"صاحبة الوحي" وممّا يلاحظ على هذه القصص أن أربعاً منها تعبر نهاياتها عن تجارب حب مخفقة سببها خيانة المرأة، والتي يكتشفها البطل بعد أن يكون قد أحبها حباً عذرياً صادقاً، وتكاد قصة(خولة) تشذ عن ذلك، حيث يصور موضوعها نظرية حوحو في عاطفة الحب. كما يعد تطبيقاً لآرائه، فقد انتصر الحب على الرغم من الظروف القاسية، وشدة تهافت والد(خولة) على المال فكان الكاتب يدعو إلى حب يتصف بالتضحية والتحدي إن لزم الأمر. وهذا ما حدث في نهاية القصة، حيث هربت(خولة) مع(سعد) من بيت خطيبها، متجاوزة بذلك كل أعراف البيئة البدوية وتقاليدها، ومتحدية السلطة الأبوية.

ونعزو هنا بعض الظواهر التي بدت غريبة، أو غير مألوفة في الحياة الريفية في قصة(خولة)، إلى تأثير الثقافة والعادات الأجنبية في أدب حوحو، لقد ذهبت خولة إلى(سعد) وهو في المرعى بمنأى عن القرية ورافقته إلى ديار أهلها على مرأى من الأهالي، ومثل هذه الأعمال محظورة في البيئة البدوية مهما كانت الظروف.

ب- الموضوع الاجتماعي.
يدل ورود الموضوع الاجتماعي في قصص حوحو على عمق إحساسه بقضايا المجتمع وهموم الشعب وانحيازه الصريح للفئات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة، فقد دافع عنها بكل قواه وبكل مواهبه الأدبية.

وليس الموضوع الاجتماعي جديداً على الكاتب والأدباء الجزائريين، لكن حافز الحرب العالمية الثانية وتأثيراتها في تطور الوعي العام عمقت الحاجة إلى مثل هذا الموضوع.

وأهم قصصه في هذا الموضوع()، قصة(عائشة) التي تصور وعي المرأة الريفية واستجابتها للتطور وللأفكار الجديدة، مما يوحي بالجرأة الكبيرة التي تمتع بها الكاتب وتجاوزه الانتقاد"إلى التنديد بهذه التقاليد، والدعوة إلى تحرير المرأة من ظلام الجهل وأغلال العبودية"() على حد تعبير أحمد منور.

إن تناول موضوع تحرير المرأة بمثل الجد والعنف اللذين عالج حوحو بهما قصته"عائشة" ليعد مسألة تسترعي الإعجاب بجرأته، إنها"دعوة لم يسبق حوحو إليها أحد قبله بمثل هذه الجرأة، وبمثل هذه المعالجة الصريحة.()"

وتدل قصته"الفقراء"()، على تفتح حوحو على الأدب القصصي الأجنبي، خصوصاً الأدب الفرنسي، واقتباسه من الكاتب الفرنسي"فيكتور هيجو" على نحوما نوهنا به من قبل.

ج- الموضوع الإنساني.
في قصصه تركيز على تصوير النموذج الإنساني الذي هو أهم محاور أدبه، ولذلك عدته الدكتورة عايدة بامية أبرز كاتب جزائري أولى اهتماماً متميزاً بالطبيعة البشرية()، في عصره، فقد التقط موضوعات من واقع الحياة البشرية بروحه الخفيفة، ودقة ملاحظته وعمق موهبته واتساع ثقافته ومقدرته على تحويل إحساساته الإنسانية إلى أحداث فنية جميلة متنوعة.

ولولا الضعف الفني الذي يشوّه بعض قصصه، ولولا المبالغة في عرض العواطف لعد صاحب تجربة نادرة في تاريخ القصة الجزائرية الحديثة.

د- الموضوع الديني.
لم يعالج كثيراً من القضايا الدينية إذا ما قيست أعماله بسائر الموضوعات. وليس بين أيدينا سوى قصتين اثنتين الأولى بعنوان: الشيخ زروق، والثانية بعنوان"سيدي الحاج" صور فيهما رجل الدين المنحرف، والذي لا يهمه إلا الثراء، حتى وإن كانت السبيل إلى ذلك غير مشروعة، وكذلك التهافت على لقب"الحاج" والولوع بالمظاهر، وذلك لما تجلبه هذه الألقاب من حظوة ومكانة للكسب المعنوي والمادي وللتقرب من السلطة وأصحاب النفوذ.

وقد استغل الاستعمار هذا الانحراف، استغلالاً كبيراً فسخره لخدمة سياسته في قهر الأهالي. وجعل بعض عناصر هذه الفئة عيوناً له على بعض المناضلين والوطنيين.

هـ- الموضوع الأدبي.
برع حوحو في معرفة الأصول النظرية لعدة فنون تعبيرية، تجلى ذلك في مقالاته التنظيرية لفن القصة والمسرح: وكان يملك حساً فنياً للتعبير عن هذه القواعد بالشكل المناسب.

ويتبين هذا من خلال قصتين تضمنتهما مجموعتاه"صاحبة الوحي" و"نماذج بشرية". فقد سعى بهما إلى معالجة حال الأجيال الأدبية، ووضعية الأدب الجزائري. تحمل القصة الأولى عنوان(صديقي الشاعر)، وهي تدور حول فساد الذوق الفني وغياب الحكم النقدي الرصين عن الساحة الأدبية والفنية، فالعامة لا تقوم الفن من خلال نصوصه، وإنما تحكم عليه بالرداءة والجودة من خلال مكانة صاحبه الاجتماعية، ومظهره الخارجي، وقد أدت هذه النظرة إلى سطحية الحكم وإلى قتل كثير من المواهب الأدبية().

وعالج في قصة"فقاقيع الأدب" قضية المغالاة في التجديد لدى بعض الأدباء الشبان والآراء النقدية في الأسلوب الأدبي كقوله"الأدب العربي أدب السلس، والمعنى المتين، أدب البيان والتبيين، لا يمت بصلة إلى هذه الشقشقة الغامضة المحتثة التي أغرم بها هؤلاء الأدباء الفقاقيع أيما غرام؟"().

فهذه الآراء الأدبية، تؤكد اطلاع حوحو على الأصول الفنية للأنواع الأدبية، وما دفاعه عن الأسلوب العربي إلا ليقينه بأنه النموذج الجيد للكتابة الأدبية الفنية.

فحوحو ثري بالموضوعات القصصية، وطرق موضوعات جديدة لم يطرقها غيره قبله بمثل هذه الجرأة.

والملاحظة العامة أن موضوعات قصصه: (ثري الحرب)، و(جريمة حماة) و(خولة)، و(عائشة والعصامي) و(رجل من الناس)، و(سي زعرور) هي موضوعات يستوعبها فن الرواية أكثر من القصة القصيرة نظراً لطول زمنها، وتنوع بيئاتها، وتعدد شخصياتها وكثرة أحداثها.

ولكن هذه الملاحظة لا تشمل كل موضوعات قصصه، كقصص: (فتاة أحلامي) و(الفقراء)، و(الشيخ زروق)، و(السكير)، و(التلميذ)، لاحتوائها على كثير من شروط القصة القصيرة، كقصر الزمن، ووحدة الموضوع، والمكان وقلة الأحداث.

ولو أنه عالج موضوعات قصص أخرى بأسلوب أدبي آخر لكان خيراً له، من مثل قصة(فقاقيع الأدب)، فلو صبّ موضوعها في شكل المقال الأدبي النقدي لكان أفضل، ولكان توفيقه أكبر في تبليغ آرائه النقدية والأدبية.

5- صدى أدبه.
نالت آثار حوحو الأديبة والفنية اهتمام معظم المثقفين الجزائريين، وكذلك بعض الباحثين العرب ممن أتيح لهم مطالعة إنتاجه المتنوع الغزير.

ومع أن المقالات التي كتبت حول نتاجه كانت كثيرة، فإننا نأسف لغياب الدراسة النقدية الوافية لأعماله حتى الآن، كما أن بعض أعماله المعدة للطبع لم تصدر حتى اليوم، رغم أنه أعلن هو نفسه عنها، ككتابه الذي يحمل عنوان"فصول في الأدب والمجتمع" الذي انتهى من إعداده في شهر جويلية عام 1943م ().

أما أعماله الأدبية المطبوعة فقد حظيت باهتمام الباحثين والنقاد عل السواء،() كما حظيت بإعجاب معاصريه في مقالاتهم النقدية عن خصائص تجربته القصصية أو في كتب مفردة مخصصة لعرض سيرة حياته ومزاياه الفنية()، وكان صديقه عبد الرحمن شيبان من أكثر المعاصرين إعجاباً به، فقد قال عنه في تقديمه لكتاب حوحو"مع حمار الحكيم"، "يمتاز أدب الأستاذ أحمد رضا حوحو بطابع الخفة والصدق والانتقاد، فإنك لا تكاد تقرأ له فصلاً من فصوله، أو قصة من أقاصيصه، أو تشاهد له مسرحية من مسرحياته حتى يفاجئك بهذا الثالث و الجميل الحبيب().

ووصفه صديقه عبد المجيد الشافعي في كتاب"سبيل الخلود" الأديب الشهيد بأنه منفلوطي الجزائر، وبأن أدبه((أدب سلاسة، أدب تجديد، أدب تفكير، أدب تحليل، لا غموض فيه، ولا تكلف، يستسيغه القارئ، كما يستسيغ الماء العذب الرقراق، ليس فيه تنافر ولا غريب، سليم من الركاكة، والحوشية والتشابيه البعيدة التي يمجها ذوق القارئ، يصوغ عباراته في قالب السهل الممتنع ولا أكون مخطئاً إذا قلت أنه منفلوطي الجزائر).()

إن حوحو أول أديب بذر بذرة الأدب الحديث في الجزائر في ظروف عصيبة() بحسب ما انتهى إليه الدكتور عبد الله خليفة ركيبي حيث عده رائداً لفنّ القصة الجزائرية لإنتاجه الغزير فيها وعلو ثقافته الأدبية، واستيعابه عدة فنون أدبية، وإدراكه لتقاليدها وخصائصها.()

حظيت كتاباته باهتمام بعض الباحثين العرب، وقد عني الدكتور محمود الربداوي بمسرح حوحو، خصوصاً المجهول منه، ونشر عنه مقالاً نقدياً هاماً في مجلة"الثقافة"، جاء فيه أن حوحو"ضرب في كل فن من الفنون الأدبية بسهم وافر، شخصيته متعددة الجوانب الأدبية"().

وقالت الدكتورة عايدة أديب بامية إنه"الكاتب الوحيد الذي أبدى اهتماماً بالطبيعة البشرية ودرس مقاصدها وتصرفاتها"().

وفعلاً فإن حوحو ليعد أهم أديب جزائري عرفته الحياة الأدبية بعد الحرب العالمية الثانية، وصاحب أغنى تجربة أدبية، في تلك المرحلة، تفرد في التعبير عن أفكاره بأشكال أدبية جديدة، وفاق معاصريه غزارة إنتاج وقوة تعبير.

ولذلك لقب برائد الفن القصصي الجزائري المكتوب باللغة العربية، ونال أدبه كل اهتمام، وحفاوة وإعجاب، ولهذا ركزنا عليه أكثر من غيره لبيان بعض العناصر الفنية المتوافرة في قصصه القصيرة.

ثانياً: البنـــــاء الفــــــني.
نتناول فيما يلي بعض أركان البناء الفني في القصة القصيرة عند أحمد رضا حوحو وهي: الحدث- الشخصيات- الأسلوب- البيئة لتوافرها في أدب الكاتب أمام الضعف الفني الذي كانت الساحة الأدبية في الجزائر تشكو منه حين ظهوره.

1- بنية الحدث.
تنوعت طرائق عرض الحدث عند حوحو، تنوعاً كبيراً، وتجب الإشارة إلى أن الطريقة التقليدية هي الغالبة في بناء الأحداث، ومرّد ذلك إلى تأثره بأساليب القصة التقليدية السائدة آنذاك في العالم العربي، ولعله كان يرى في الأساليب التقليدية روح أصالة شخصيته الأدبية.

فقد خصصت بعض المجلات أركاناً لنشر الشعر من دون غيره من الأشكال الأدبية الحديثة كالقصة، والمسرحية، والرواية، فمع أن مجلة البصائر خصصت عام 1937م باباً عنوانه"الأدب الجزائري"، فإنها لم تنشر فيه غير القصائد الشعرية()، وهذه النظرة تبدلت بعد الحرب العالمية الثانية، فظهرت في بعض المجلات أركان ثابتة للقصص فحسب()، وهي خطوة متقدمة لفن لم ترعه الصحافة من قبل، ولكن حتى عام 1955م. ظلت مجلة البصائر الثانية تقصر ركن"لمحات من الأدب الجزائري الحديث" على نشر الشعر والدراسات حوله من دون غيره من الفنون الأدبية الأخرى.(). وتبرز مقدرة حوحو الفنية في تنويعه لطرائق عرض أحداث قصصه.

أ- الطريقة التقليدية.
استعمل حوحو الطريقة التقليدية أكثر من غيرها في قصصه، فبين عشرين قصة في مجموعتيه"صاحبة الوحي وقصص أخرى"، و"نماذج بشرية" وجدنا ثماني منها على الطريقة التقليدية، أي بنسبة 40% .

ففي قصة"فتاة أحلامي" تدرجت الأحداث من المقدمة إلى الخاتمة، متولدة عن بعضها بطريقة سببية، فالشاب يتحدث في البداية عن حياته في الثانوية، ويصف خجله الشديد الذي يعتريه كلما هم بالحديث مع الفتيات، وهناك كذلك حديث مطول عن بائعة الحلوى"بولوني".

ويمكن أن تعد هذه المقدمة، فصلاً من"سيرة ذاتية" لطالب تابع دروسه في القسم الداخلي، قدمها حوحو بشكل يكاد يكون متكاملاً لما فيه من ذكر أمكنة وأزمنة عديدة، ومتنوعة حيث يتحدث الراوي عن مغامرات زملائه في الشوارع أيام الأحد وعن الضجيج الذي يحدثونه في أثناء وجبات الطعام().

بعد هذه المقدمة الطويلة تدرج الحدث إلى أن بلغ به ذروته، وذلك ابتداء من جلوس بطل القصة()، في قاعة العرض السينمائي ومجيء الفتاة وجلوسها بجانبه.

وهذه العقدة بسيطة جدّاً، ونحن لا نقبل فنياً جلوس فتاة بجانب فتى طوال مدة عرض سينمائي، فيتحادثان، ثم يترافقان إلى المدرسة، من دون أن يتعرف عليها طوال هذه المدة.

لقد عرف الشاب أنها هي العانس"بولوني" قارعة جرس المدرسة، وذلك بعد سذاجة قصصية طويلة لم تكن مقنعة.

واستخدم حوحو الطريقة نفسها في عرض أحداث قصة"الفقراء"()، التي قدم لها بمقدمة عن تأثره بالكاتب الفرنسي"فيكتور هيجو" واقتباسه عنه().

وتبدأ القصة بهذه الجملة((كانت أسرة هذا الحوات الفقيرة تتكون من سبعة أشخاص، الأم والأب وخمسة أطفال صغار لا حول لهم ولا قوة))().

ثم ينمو الحدث بطريقة عفوية إلى ذروته عندما تحضر الزوجة طفلي جارتها إلى البيت، قبل استشارة زوجها. ثم وجدت نفسها في حيرة ودهشة وخوف شديد من غضب زوجها الذي قد لا يوافق على ما أقدمت عليه بسبب شدة فقره، وكثرة أفراد عائلته وكثف حوحو حيرتها في فقرة بعبارة مركزة غنية بأدوات الاستفهام فلاءم بين الموقف، ودرجة إحساسها بالقلق والحيرة" وماذا تقول لهذا الزوج الذي يقضي طول نهاره، وجزءاً من ليله في كد متواصل وتعب شديد، وكفاح دائم في سبيل الحصول على ما يسد الرمق، وقد كانت الأسرة تضم سبعة فأوصلتها بفعلتها إلى تسعة، وما هذه الزيادة إلا زيادة في شقاء زوجها"().

وقد عبرت هذه العقدة عن معنى اجتماعي كبير يوحي بتضامن الفقراء، وبالإشارات الإنسانية النبيلة.

ثم أخذ الحدث يسرع نحو النهاية في شكل حوار بين الزوجين، ركز حوحو فيه المعنى القصصي حول مصير الطفلين اليتيمين والبعد الإنساني العميق الذي تتصف به نفوس الفقراء رغم وضعيتهم الاجتماعية السيئة، وشدة حاجتهم.

وعرض حوحو في مقدمة قصة"صديقي الشاعر" على لسان راوي الحدث ملامح شخصيّة القصة المحورية الخارجية والنفسية()، وتضمن كذلك حديثاً مفصلاً عن موهبة بطل القصة الأدبية، واصطدام تجربته الشعرية، رغم ثرائها بجدار الأدباء الشيوخ الذين يقدمون الأدب من خلال شخص صاحبه، وليس من خلال النصوص الأدبية وهذه إشارة ضمنية إلى فساد الذوق الأدبي وضعف النقد الأدبي، وسيادة المفاهيم الأدبية السطحية الساذجة.

إن هذه التفاصيل، والآراء النقدية المباشرة لم تساعد القاص على توفير عنصري التركيز والإيحاء في مقدمته.

وقد تنامى الحدث بهدوء إلى أن وصل إلى نقطة القمة، وذلك عندما تعرف الناس على شخصية الشاعر عن قرب، ولم يجدوه شيخاً ضخماً، وإنما وجدوه شاباً صغيراً، هزيل الجسم، قبيح المنظر جدب الذقن فعزفوا عن شعره، وانتقدوه بعنف وسخروا منه.()

ولم يستغل حوحو نقطة التحدي لدى الشاعر الشاب الذي يرمز هنا للجيل الأدبي الجديد، ولم يوفق في خلق الصراع الفني بين هذا الجيل وجيل الأدباء الشيوخ، وإنما انتهت الأحداث باستسلام الشاب، وانزوائه بعيداً عن الحركة الأدبية تاركاً الفرصة للشيوخ المتأدبين، وتعبر هذه النهاية عن انتقاد الوضع الأدبي الجزائري آنذاك وأفكار أدعياء الأدب والطريقة نفسها في عرض الحدث مستعملة في قصة"خولة"، فهي تبدأ بتصوير البيئة القصصية في وصف شاعري يتلاءم مع موضوع القصة العاطفي، وتصوير شخصية"سعد" الخارجية بقوة ساعديه، وسمرة وجهه، وعذابه النفسي الذي يحاول إخفاءه().

ثم يتطور الحدث حين قرر الشيخ خليل والد"خولة" تزويجها من صالح ابن شيخ القبيلة المجاورة طمعاً في ماله، وجاهه، وبلغ الحدث قمته عندما زعمت أم"سعد" لابنها وفاة"خولة"، فتشابكت الأحداث أكثر.

ولولا كثرة الأحداث والشخصيات التي أثقل حوحو قصته بها لجاءت عقدتها أكثر توفيقاً ومتانة، ومما زادها ضعفاً وجود بعض الأحداث غير المقنعة لغرابتها عن البيئة الرّيفية بتأثير الثقافة الفرنسية، خصوصاً الأدب القصصي.

حتى النهاية لم تكن مناسبة للبيئة القصصية، ولا لموضوع الحدث نفسه، وإنما جاءت لتعبر عن مفهوم حوحو لعاطفة"الحب الناشئة" في البيئات الريفية والبدوية، فما أن علم"سعد" بالمكان الذي توجد فيه"خولة" حتى قرر أن يختطفها من بيت خطيبها ويرحل بها إلى قبيلة أخواله، وقد ساعدته في مهمته جارته العجوز"سلمى" التي قامت بدور الشخصية المساعدة في هذه القصة.

ومما ساعد"سعد" على تحقيق حلمه، شجاعته وقوته الجسمية التي يضرب بها المثل، وحب"خولة" له، وكذلك زمن الحدث الواقع خلال ساعات الليل المدلهمة.

فهذه العوامل كلها تعد سنداً رئيسياً لانتصار التقاليد والخير والحب، والقيم البدوية، على الجشع والطمع والتهافت على المال، كما أنها تعد من أهم الوسائل الفنية المقنعة التي أدت إلى إنهاء حدث القصة على الصورة المشار إليها أعلاه، رغم ما اعتراها من درامية، حيث"قطع سعد" ذراع خطيب"خولة" في أثناء قبضه على معصميها حين أسرعت نحو الشجرة التي يختفي تحتها"سعد"().

وتبدو الطريقة التقليدية في بناء الأحداث طاغية على معظم ما كتب على نحو ما نرى في قصة (الشيخ زروق)()، و(عائشة)()، و(العصامي)()، و(رجل من الناس).

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى