عبد العالي بشير - سيميائية الصورة في رواية " عابر سرير " لأحلام مستغانمي

1. مفهوم الصورة: يعطي المعجم الوسيط للصورة التعريف الآتي[1]: " صوره : جعل له صورة مجسمة. وفي التنزيل: " )هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (آل عمران:6) .
وصور الشيء أو الشخص: رسمه على الورق أو الحائط ونحوهما بالقلم أو بآلة التصوير. والتصوير: نقش صورة الأشياء أو الأشخاص على لوح أو حائط أو نحوهما بالقلم أو بآلة التصوير. والتصوير الشمسي: أخذ صور الأشياء بالصورة الشمسية. والصورة : الشكل والتمثال المجسم . وفي التنزيل العزيز " )الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَك. فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ) (الانفطار:8،7) .
2. أنواع الصور:
2. 1. الصورة الصحفية: لقد عرفها الدكتور محمد أدهم بقوله: " هي الصورة الفنية، البيضاء أو السوداء أو الملونة ، ذات المضمون الحالي المهم الواضح والجذاب ، المعبرة وحدها أو مع غيرها في صدق وأمانة وموضوعية ، وأغلب الأحوال عن الأحداث أو الأشخاص أو الأنشطة أو الأفكار أو القضايا أو النصوص والوثائق ، أو المناسبات المختلفة المتصلة غالبا بمادة تحريرية معينة ، تنشرها أو تكون صالحة للنشر على صفحات جريدة أو مجلة أو توزعها وكالات الأنباء ، أو صور على سبيل التأكيد والتوضيح والتفسير والدعم والإضافة ولفت الأنظار وزيادة الاهتمام والقابلية للقراءة والإمتاع والمؤانسة ، وزيادة التوزيع وكمعلم وركيزة إخراجية والتي تلتقطها عدسة مصور بطريقة تعكس حسا فنيا اتصاليا وفهما لوظيفتها. بعد إعداد خاص، وتحصل عليها بمعرفة المحرر أو الوكالات أو من مصور محترف ، أو حر أو من أحد الهواة أو نقلا عن وسيلة نشر أخرى أو بواسطة من يتصل بموضوعها عن قرب. وغالبا ما تكون إخبارية أو تسجيلية أو تفسيرية أو جمالية أو وثائقية، وقد تكون قديمة متجددة الأهمية، تقدم بواسطة أحد هذه المصادر أنفسها ، أو بمعرفة مراكز المعلومات ، أو أرشيف الصور الخاصة بوسيلة النشر أو دور المحفوظات والوثائق . [2]
لقد جمع هذا التعريف كل العناصر التي تدخل في تشكيل الصورة الصحفية كاللون والمصدر والنوع والهدف. وهي غالبا ما تكون متصلة بمادة تحريرية معينة صالحة للنشر على صفحات الجرائد والمجلات للفت الأنظار وزيادة الاهتمام والقابلية للقراءة . و ويشترط فيها أن تعبر بصدق وأمانة وموضوعية عن أفكار وأحوال المصور الذي التقطها. وتنقسم الصورة الصحفية إلى الأنواع الآتية:
§ الصورة الفنية الجمالية:دأبت الصحف والمجلات على تخصيص مساحات لنشر الصور الفوتوغرافية ذات الطابع الفني والجمالي . ومن صفات هذه الصور عدم احتوائها على عنصري الخبرة والإثارة ، إنما تكون لمجرد عرض إبداع المصور الذي يحمل آلة التصوير ويتصيد اللقطات الجميلة من الطبيعة أو من مشاهدات الشارع.[3] وهذا النوع من الصور لا ينشر على الصفحات التي تتغلب عليها العادة الخبرية إلى في حالات نادرة.
وتتميز الصورة الفوتوغرافية حسب " رولان بارث " بكونها ذات استقلالية بنيوية. وتتشكل من عناصر منتقاة ، ومعالجة وفق المطلبين الجمالي والإيديولوجي الذين يعطيانها بعدا تضامنيا.[4]
وإذا كانت الصورة الفوتوغرافية تمثل الواقع الحرفي فإنها في الوقت نفسه تخضع هذا الواقع إلى عمليات التقليص. ولكن هذا التقليص لا يعني التحويل. يقول بارث في هذا الصدد : "إن الانتقال من الواقع إلى صورته الفوتوغرافية لا يستلزم حتما أن نقطع هذا الواقع إلى عناصر وأن نشكل من هذه العناصر علامات تختلف ماديا عن الشيء الذي تقدمه للقراءة ".[5]
وتوحي الصورة الفوتوغرافية بمجموعة من الدلالات ويبقى للقارئ اختيار أو إنتاج البعض منها. وهكذا فإن قراءة الصورة الواحدة يتعدد نظريا بتعدد القراء. ولكن اختلاف القراءات لا يعني أن الصورة تبقى مفتوحة إلى ما لا نهاية.لأن تلك القراءات تظل حسب " بارث " مرتبطة بالمعارف المستثمرة في الصورة : معارف لغوية ، أنتربولوجية ، تجريبية ، جمالية.[6] وهكذا فالخطاب الرمزي للصورة الفوتوغرافية مشكل سلفا من قبل المجتمع والتاريخ والثقافة واللغة .
§ صورة الإعلان: يرى المتخصصون في الإعلان أن الصورة تعادل ألف كلمة ، وأن صور الأشخاص تجذب الانتباه أكثر مما تجذبه الصور الأخرى. ويتعين على المصور الذي يقوم بالتقاط الصور الإعلانية أن يتقن عملية التصوير ابتداء من عملية اختيار نوع الفلم ، وتحديد فتحة العدسة ، واستخدام الإثارة التي تلعب دورا هاما في التأثير في نفسية القارئ والتفاعل معه. [7]
§ الصورة الشخصية: وهي صورة نصفية لشخص معين تعبر عن حدث ما أو خبر، وتنشر مع حديث صحفي أو تصريح سياسي. ويخضع هذا النوع من الصور للفحص ، بحيث يحرص ملتقطها على أن تكون ملامح الشخص – الذي التقطت له الصورة – تتلاءم مع مضمون الخبر أو الحور أو التحقيق.
§ صورة التحقيق الصحفي: يقوم الصحفيون بإجراء تحقيقات حول بعض الموضوعات الجديرة بتسليط الضوء عليها ، وغالبا ما يرفقون تحقيقاتهم بصور تكون بمثابة الدليل القاطع على ما هو مكتوب ضمن التحقيق.
§ الصورة الخبرية: تمثل هذه الصورة حدث وقع في مكان معين وزمن معينين. وهذا النوع من الصور يعطي القارئ متممات للخبر ولا يجعله يستفسر عن صحة ما ورد في الخبر من معلومات.
على العموم تعد الصورة الفوتوغرافية وسيلة فعالة من وسائل الإعلام الحديث ، ولذلك أصبحت تحظى بالاهتمام المتزايد يوما بعد يوم في الصحافة والسينما والتلفزيون.
2. 2 الصورة الفنية ( اللوحة الفنية ): إن فن الرسم والتصوير في العصر الحديث.هو عمل توجهه الانفعالات والأحاسيس ، والمتناقضات الصارخة والاحباطات الذاتية والأحداث التي عاشها الفنان ولم يتمكن من هضمها. فهو في حقيقة الأمر عملية نفسية مثيرة تنعكس في الإنتاج المعروض في القاعات والمتاحف العالمية.
إن دراسة أي لوحة فنية يتطلب من الناقد العودة إلى حياة الرسام لا سيما طفولته " لأن العبقرية في أصلها هي العودة الإرادية إلى الطفولة كما يقول بودلير.[8]
انطلاقا من هذه المعطيات النظرية سنسعى في هذه الدراسة إلى فحص بعض الصور الفوتوغرافية و اللوحات الفنية التي وظفتها " أحلام مستغانمي " في روايتها.

الصورة الأولى:

الطفل البائس وجثة الكلب



المرسل: هو خالد المصور الذي سفر إلى باريس لاستلام الجائزة عن أحسن صور ة صحافية ألتقطها لطفل وكلبه.
عنوان الصورة : الطفل البائس وجثة الكلب .
وسيلة التصوير: آلة تصوير عادية لأن المصور في مثل هذه الظروف لا يحتاج إلى آلة تصوير فائقة الدقة ، بقدر حاجته إلى مشهد دامع. لا يحتاج أيضا إلى تقنيات متقدمة في انتقاء الألوان ، بل إلى فيلم بالأسود والأبيض . ما دام بصدد توثيق الأحاسيس.
طريقة التقاط الصورة: التقط المصور هذه الصورة من قرية " بن طلحة " التي لم تستيقظ من كابوسها ، وبقيت مذهولة أمام موتاها. والصورة تعكس حالة طفل جزائري بائس نجا من الموت بأعجوبة ص 32. وهي تعبر عن صخب الدمار في صمته ، ودموع الناجين في خرسهم النهائي.
تاريخ الصورة وظروف إيداعها: التقطت هذه الصورة أثناء مذبحة " بن طلحة " ونشرت على صفحة إحدى الصحف الوطنية. وتعتبر من أهم الصور التي عرضت فظاعة وبشاعة عمل الإرهابيين.
نوع الصورة: صورة فوتوغرافية ، ذات بعد سياسي واجتماعي. سياسي لأنها عكست الوضع الخطير الذي آلت إليه البلاد في تلك الفترة العصيبة من تاريخ الجزائر. واجتماعي لأنها صورت حالة بعض الأفراد الذين فقدوا أهلهم وأقاربهم في عهد الإرهاب.
محاور الصورة: تحمل الصورة مشهدين: مشهد الطفل الجالس وهو يضم ركبتيه الصغيرتين إلى صدره ، وقد أطبق الصمت على فمه. ومشهد جثة الكلب الذي سممه المجرمون ليضمنوا عدم نباحه.
أسباب التقاط الصورة:
§ التقطت هذه الصورة الفوتوغرافية أثناء ولوج الإرهابيين إلى قرية " بن طلحة " . وقد لقيت إعجاب النقاد المهتمين بتقييم ودراسة الصور الصحفية ، فاختاروها كأحسن صورة لتلك السنة ، وقد نال صاحبها الجائزة العالمية. والصورة في حد ذاتها هي رسالة إعلامية موجهة إلى الجماهير ، والرأي العام العالمي لمعرفة ما اقترفه المجرمون في حق المواطنين الأبرياء العزل.
§ مرسل هذه الصورة هو صحافي جزائري حر محترف، انتقل إلى عين المكان للقيام بتحقيق صحفي حول مجازر " قرية بن طلحة " وهو بذلك يكون قد قام بدوره كصحافي في تنوير الجماهير. ولكنه في الوقت نفسه ، قدم – ربما عن غير قصد – خدمات جليلة للإرهابيين تمثلت في الترويج لجرائمهم البشعة.
الإرسال: تم إرسال هذه الصورة في فترة التقاطها ، أي في صبيحة تلك الليلة السوداء التي قتل فيها الإرهابيون مجموعة من أفراد تلك القرية البائسة، وبعد دخول أفراد الجيش الوطني. وقد نشرت هذه الصورة على صفحات إحدى الجرائد الوطنية.
التأثير: تمثل تأثير هذه الصورة في الصدمة التي أحدثتها في صفوف المواطنين الجزائريين ، الذين لم يفهموا ما يقع في الجزائر بالضبط . ولماذا لجأ الإرهابيون إلى قتل الأبرياء . بل ولماذا لم يتدخل الجيش في الوقت المناسب لحماية سكان هذه القرية، على الرغم من أن الإرهابيين بقوا فيها مدة طويلة.
هوية الرسالة الفنية: تنتمي الرسالة إلى الصورة الخبرية لأنها تمثل حدث وقع في مكان وزمن معينين. وهذا النوع من الصور كما قلنا سابقا مكمل للخبر ، بحيث لا يجعل القارئ يستفسر عن صحة ما ورد في الخبر من معلومات. كما أن قوة الصورة تتضح جليا في العناصر التي دخلت في تشكيلها كالطفل الذي استند إلى الحائط ، وهو يضم ركبتيه إلى صدره ، وتوجد بالقرب منه جثة كلبه. فالعنصران يعكسان الحالة السائدة في القرية، والمتمثلة في الذعر والخوف والدهشة. كما أن الصورة عكست الحالة النفسية لذلك الطفل البائس الذي فقد كل أفراد عائلته. ويرمز الكلب في الصورة إلى الوفاء والإخلاص .
سنن الأشكال والألوان: يمكن تقسيم الصورة بخط عمودي واحد يقسمها إلى قسمين الجزء الأيسر خاص بالطفل ، والجزء الأيمن خاص بجثة الكلب. وتتحق الوحدة الجمالية بانسجام اللونين الأبيض والأسود وترابطهما ، بحيث يساعد هذا الانسجام والترابط في قراءة واضحة للصورة.
السنن التشكيلية: سندرس في هذه النقطة العناصر التي دخلت في تشكيل الصورة وهي على النحو التالي:
- الحائط الذي استند عليه الطفل.
- الطفل.
- جثة الكلب.
وهذا التشكيل يوحي لنا بمعنى، وهو تمكن الإرهاب من دخول قرية " بن طلحة " ليلا ، وقتل كل من صادفوه في طريقهم بما في ذلك الحيوانات التي لم تسلم من بطشهم . وقد ترتب عن هذا العمل الفظيع والشنيع تشريد سكان تلك القرية التي كانت تنعم بالهدوء والطمأنينة قبل أن تطالها يد الإرهاب.

مجال البلاغة والرمزية في الصورة: تضم الصورة عدة علامات بصرية تشكيلية وقد تضمنت الدلالات الآتية:
§ الطفل: علامة بصرية تدل على اليتم والضياع و الضعف والبؤس والبراءة والانطواء.
§ جثة الكلب: علامة بصرية تدل على الوفاء والإخلاص في المراقبة، ولذلك سممه الإرهابيون حتى يضمنوا عدم نباحه ، ويتسنى لهم الدخول إلى القرية بدون أن يشعر بهم أحد.
المعنى التقريري والمعنى التضميني:كما قلنا سابقا لقد نشرت هذه الصورة على صفحات الجرائد ، وعلى صفحات الإنترنت. وقد تعددت القراءات والتفسيرات التي أعطيت لها .
نقد الصورة : كتب الصحافيون الجزائريون عدة مقالات باللغة العربية والفرنسية ينقدون فيها تلك الصورة. ومن بين العناوين التي تصدرت هذه المقالات نذكر البعض منها:
" جثة كلب جزائري تحصل على جائزة الصورة في فرنسا "
" فرنسا تفضل تكريم كلاب الجزائر " ص 36.
فالصحافة الجزائرية رأت أن فرنسا كرمت من خلال الصورة كلاب الجزائر لا موتاهم. ولكن إذا نظرنا إلى الصورة بطريقة موضوعية ، فإننا نلاحظ أن الموت فيها قد جاوز الحياة بالرغم منه أنه لا يمثل سوى جثة كلب . كما أن صحابها سعى من خلالها إلى توثيق الزمن ، وإيقاف انسياب الوقت في لحظة. وبذلك تكون هذه الصورة عبارة عن محاولة يائسة لتحنيط الزمن ص 197.
حوصلة وتقييم: تحمل صورة الطفل البائس وجثة الكلب بعدا إعلاميا وسياسيا، وقد أراد صاحبها تمرير فكرة إلى الرأي العام الوطني والدولي ، مفادها أن الإرهاب الأعمى قد عثا في الأرض فسادا ، وقتل عائلات بكاملها ، وقد ترتب عن ذلك تشريد الأفراد الأبرياء ، وضياع الأيتام والشيوخ والنساء. على العموم لقد وفق المصور الصحفي إلى حد بعيد في مهمته.


الصورة الثانية:



المرأة النائحة



المصور: المصور الصحفي حسين زميل خالد.
عنوان الصورة: العذراء النائحة وقد حصل صاحبها منذ أربع سنوات على الجائزة العالمية للصورة.
تاريخ الصورة: عندما وصل المصور الصحفي حسين إلى قرية " بن طلحة " وجد نفسه أمام أكثر من ثلاثمائة جثة ممدة في أكفانها. فتوجه إلى مستشفى بن موسى حيث أخذ صورة لتلك المرأة التي فاجأها وهي تنتحب ، والتي قيل له إنها فقدت أولادها السبعة في تلك المذبحة. ص 34. وقد نشرت تلك الصورة على صفحات الجرائد والمجلات الوطنية ، و جابت العالم، وتعتبر من أهم وأقوى الصور التي جسدت عبثية الموت.
عناصر الصورة: تتشكل الصورة من العناصر الآتية:
- امرأة عزلاء أمام الموت وهي تنتحب.
- سقوط شالها في لحظة الألم، و قد بدت في وشاح حزنها جميلة ومكابرة.
النسق من الأعلى:
- لقد زار المصور الصحفي " حسين " قرية بن طلحة بعد خروج الإرهابيين منها، وهناك التقط صورة لتلك المرأة التي فاجأها وهي تنتحب . و مما لا شك فيه أن الصحفي كان يهدف من وراء هذه الصورة إلى تصوير فظائع أعمال الإرهابيين ، و فضح جرائمهم التي ارتكبوها في حق المواطنين الأبرياء.
§ البث: تم بث ونشر هذه الصورة في فترة التقاطها ، أي مباشرة بعد خروج الإرهابيين من قرية بن طلحة ، ودخول الجيش وأفراد الأمن ورجال الحماية المدنية والصحفيين. وقد نشرت هذه الصورة في أغلب الصحف الوطنية وعلى الصفحة الأولى منها.
التأثير: تتمثل تأثيرات هذه الصورة في الصدمة النفسية التي أحدثتها في نفوس المواطنيين الجزائريين.
هوية الصورة الفنية:تنتمي هذه الرسالة إلى الصورة الفوتوغرافية بالأبيض والأسود، وقوتها تتضح جليا في العناصر التي تشكلت منها.
مجال البلاغة والرمزية في الصورة: تضم الصورة عدة علامات بصرية تشكيلية جاءت لتعطي دلالات مختلفة وهي على النحو الآتي:
- المرأة النائحة: علامة بصرية مشكلة لعامل الضعف ، لأن الإرهابيين قتلوا أولادها أو أقاربها السبعة ولم تكن تملك القوة للدفاع عنهم وحمايتهم من الموت.
- سقوط الشال: إن سقوط الشال في لحظة الألم من رأسها يدل على شدة حزنها وعدم التحكم في نفسها ومشاعرها، لأن المرأة الجزائرية في مثل هذا السن لا يمكن لها أن تظهر أمام الملأ ورأسها غير مغطى، ولكن في مثل هذه اللحظات الصعبة يحل وشاح الحزن محل الحجاب.
المعنى التقريري والمعنى التضميني. تعبر الصورة عن الموت في كامل خدعته كما تعكس الوضع الخطير الذي ألت إليه البلاد في تلك العشرية السوداء . حيث أصبح أمن كل المواطنين الجزائريين مهدد بالخطر .
حوصلة وتقييم: : لقد نشرت هذه الصورة على مختلف صفحات الجرائد الوطنية والعالمية وعلى صفحات الانترنيت، وبفضلها تحصل " حسين " على الجائزة العالمية للصورة. ولكن غيرة وحسد الجزائريين دفع بعضهم إلى إقناع تلك المرأة البائسة برفع دعوى على ذلك المصور الذي صنع مجده وثراءه بفجيعتها. كما تطوعت جمعيات لرفع الدعاوى على المجلات العالمية الكبرى التي نشرت تلك الصورة بذريعة الدفاع عن حياء الجزائري وهو ينتحب بعد مرور الموت ص 35.
على العموم إن الكاتبة كانت تهدف من وراء توظيف هذه الصورة وغيرها من الصور الأخرى إلى فضح وتعرية الإرهابيين الذين استهدفوا الممتلكات والأشخاص ، وأتلفوا جزءا لا يحصى من ثروات البلاد البشرية والمادية ، وشوهوا سمعتها في الساحة الدولية.

الصورة الثالثة

ضحايا مظاهرات
17 أكتوبر 1961

المرسل: " زيان " وهو فنان جزائري ، كان معرضه الأخير الذي أقامه في باريس بمثابة جغرافية للتشرد الوجداني ، وخريطة لترحاله الداخلي.
الصورة: هي عبارة عن لوحة فنية زيتية ، رسمها " زيان " وهي تمثل شباكا بحرية محملة بأحذية بمقاييس وأشكال مختلفة تبدو عتيقة ومنتفخة بالماء المتقاطر منها. وقد رسمها تخليدا لضحايا مظاهرات 17 أكتوبر 1961 . فقد خرج الجزائريون في باريس في مظاهرة سلمية مع عائلاتهم للمطالبة برفع التجوال المفروض على الجزائريين ، فألقى البوليس بالعشرات منهم وهم موثقي الأطراف في نهر السين. مات الكثير منهم غرقا ، وظلت جثثهم وأحذية بعضهم تطفو على نهر السين لعدة أيام ، لكون معظمهم لا يعرف السباحة. وتعد هذه اللوحة من أحب اللوحات إلى زيان.
عناصر الصورة: تتشكل الصورة من عنصرين أساسيين :
- شباك بحرية محملة بأحذية .
- الأحذية العتيقة ذات الأشكال المختلفة.
الإرسال: رسم زيان هذه اللوحة عندما كان مقيما بباريس، وقد أوحت له شرفة بيته المطلة على نهر السين برسم تلك اللوحة . وقد جسد فيها مدى حقد الفرنسيين على الجزائريين وعنصريتهم.
التأثير: أثرت هذه اللوحة على الفنانين والجمعيات. فقد استوحت جمعية لمناهضة للعنصرية فكرة تلك اللوحة ، فقامت بإنزال شبك في نهر السين تحتوي على أحذية بعدد الضحايا. ثم أخرجت الشباك الذي امتلأت أحذيتها المهترئة بالماء، وعرضتها على ضفاف السين للفرجة تذكيرا بأولئك الغرقى ص 59.
هوية الصورة الفنية: إن الهوية الفنية للصورة تكمن في المذهب الذي تأثر به الرسام في حياته الفنية. والملاحظ أن " زيان " في لوحته لم يركز على جثة الموت التي ظلت تطفو فوق سطح الماء لعدة أيام. وإنما رسم الثياب التي كان المتظاهرون يرتدونها والأحذية التي كانوا ينتعلونها.
السنن التشكيلية: ما يميز هذه اللوحة الفنية هو كونها ليس رسما على الكرتون لما تبقى من جثث الجزائريين ، بل عكس حالة مجموعة من الجزائريون الذين خرجوا في مظاهرة سلمية في باريس ، وكان مصيرهم الغرق بعد الإلقاء بهم في نهر السين وهم مربوطي الأطراف.إن هذه اللوحة جديرة بقدرة الفنان على استخدام الألوان والأضواء.
المقاربة السيميولوجية: نتحدث في هذا العنصر عن مجال البلاغة في لوحة المتظاهرين الجزائريين في باريس.
زيان وسر اللوحة: اشتهر زيان برسم الجسور ، ولاسيما جسور قسنطينة ، ولكن لوحة المتظاهرين والتي تعد من أحب لوحاته تعد مرآة عاكسة لعمله ولذكائه. وقد تعاطف الشاعر في هذه اللوحة مع الجزائريين الذين غرقوا في نهر السين، وهو بذلك قد عكس لنا من خلال تلك اللوحة صحة قضية الجزائريين وعزيمتهم وإصرارهم على المطالبة بالحرية .
المعنى التقريري والمعنى التضميني: إن زيان مبدع هذه اللوحة الفنية ، لم يقترح في تفسير لوحته معنى مخالف للعنوان الأصلي للصورة " ضحايا مظاهرات 17 أكتوبر 1961 ". بل كانت مطابقة لمعناها التقريري. وبذلك لم تعد اللوحة مساحة لفظ نزاعات الألوان ، بل مساحة لفظ نزاعات التاريخ.
§ حوصلة وتقييم: لقد تعمد الرسام في لوحته تلك أن يضعنا أمام أحذية أكثر بؤسا من أصحابها الذين غرقوا وقد تركوا أحذيتهم يتسلى المارة باستنطاقها. أحذية كان لأصحابها آمال بسيطة ذهبت مع الفردة الأخرى. فردة ما عادت حذاء إنها الأمل الخالي من الرجاء ، كصدفة أفرغت ما في جوفها ، مرمية على الشاطئ. ذلك أن المحار لا يصبح أصدافا فارغة من الحياة ، إلا عندما يشطر إلى نصفين ، ويتبعثر فرادى على الشاطئ ". ص 61.
وننهي هذه الدراسة بالملاحظات الآتية:
1. تعد الصورة من أهم وسائل الاتصال التي تساعد على توطيد العلاقات الإنسانية، وتنمية الحس الجماعي ، و الإحساس بآلام الآخرين.
2. لقد وفقت أحلام مستغانمي في انتقاء بعض الصور الصحفية والفوتوغرافية وتوظيفها في روايتها ، بحيث لم تبق هذه الصور طافية فوق سطح النص بل ذابت في نسيجه.
3. كما أنها سخرت تلك الصور الموظفة من أجل فضح الجرائم التي ارتكبها الإنسان في حق أخيه الإنسان الجزائر.


الإحالات

1. أحلام مستغانمي " عابر سرير " رواية ، منشورات ANEP الجزائر ، طبعة الجزائر 2004.
2. أدهم محمود " مقدمة إلى الصحافة المصورة الصورة الصحفية وسيلة اتصال " ط/1 ، مطابع الدار البيضاء ، 1998.
3. إبراهيم مصطفى وآخرون " المعجم الوسيط " المكتبة الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع ، استانبول ، تركيا ، الجزء الأول والثاني .
4. إسماعيل إبراهيم " الصحفي المتخصص " دار النشر والتوزيع القاهرة ، الطبعة الأولى ، 2001.
5. عبد الحميد بورايو " مدخل إلى السيميولوجيا " ( نص – صورة ) ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر ، 1995.
6. قدور عبد الله ثاني " سيميائية الصورة مغامرة سيميائية في أشهر الإرسالات البصرية في العالم " دار الغرب للنشر والتوزيع وهران ، 2005.
________________________________________
[1] . إبراهيم مصطفى ، أحمد حسن الزيات ، المعجم الوسيط ، المكتبة الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع ، استنبول ، تركيا ، ط/ 2 ج/1 ، 1972 ، ص 528 .
[2] . محمود أدهم ، مقدمة إلى الصحافة المصورة ، الصورة الصحفية وسيلة اتصال ، ص 22.
[3] . عبد الحميد بورايو ، مدخل إلى السميولوجيا ( نص – صورة ) ديوان المطبوعات الجامعية. 1995
[4] . نقلا عن قدور عبد الله ثاني " سيميائية الصورة " دار الغرب للنشر والتوزيع ، وهران ، 2005 ، ص 25.
[5] . المرجع نفسه ، ص 29.
[6] . نفسه ، ص 32.
[7] . إسماعيل إبراهيم ، الصحفي المتخصص ، دار النشر والتوزيع القاهرة ، ط/1 ، 2001.
[8] . قدور عبد الله ثاني ، سيميائية الصورة ، ص 224.



الدكتور عبد العالي بشير
جامعة أبي بكر بلقايد تلمسان


* للفائدة نقلا عن مجموعة ماستر ادبجزائري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى