حليم الفرجي - بياض أنثى.. قصة قصيرة

وضعتني أمي على عجلٍ في فجرٍ ماطرٍ ونهضت لترعى إخوتي ، ويبدو أيضاً أن أبي أرسلني إلى رحمها على عجل ، حيث كانت الحياة قديماً لاتمهلهم كي يلموا بالتفاصيل الجميلة للعلاقات. فخلقت عجولة ، يضيق صدري من التفاصيل المسهبة، كنت طفلة مزعجة دائمة البكاء ، كثيراً ما تعرضت للسخرية كلما خرجت للعب مع أطفال القرية ، فإذا ما عدت للمنزل تعرضت للعقاب دون سبب مقنع ، أصبحت دائمة الانزواء ، فملت للوحدة .
كانت أمي تردد على مسامعي كلما بدأت تبديل ملابسي بلهجتها القروية (هذا حق الناس) وتشير إلى كامل جسدي مشمئزة ، كنت أشعر بأني أحمل خطيئة وأتنقل بها أينما ذهبت فالجميع يراقب هذا الجسد وكأنه خلق للنار.
كبرت وأنا اخشى النظر أو التعامل مع (حق الناس) الذي أودعوه لدي. دفنتُ أنوثتي وكرهت النظر في المرآة لجسد لا أملكه ولم أجرؤ على لمس معالمه التي اعتبرتها قبيحة وحاولت دفن تلك التغيرات المتتابعة . كرهت جسدي فوهبته لأول متسلق جاء يطلبني للزواج كي يحمل عني عبء هذه ( الخطيئة ) ، وبدلاً من أن يحررني منها قيدني لرغباته الدائمة. فنزع عني تاج أنوثتي على عجل، نعم مضى كل شئ على عجل تماماً كمجيئي للحياة .
لم أستوعب صدمة وجودي معه كأنثى يتسلقها كلما أراد متعة أوتغيير رتابة ليله. مضت الأيام تباعاً ، أصبحت أما وها أنا أيضاً أتجنب النظر لجسد طفلتي وهي تكبر أمامي . أيعقل أن تحمل هي نفس خطيئتي التي لم أرتكبها ! أنظر إلى براءتها وهي تلعب أمامي ، أسرح بعيدا ، أهرب من كابوس مزعج بات يتكرر عليّ كلما لجأت للنوم وكلما رأتني مغمضة عينيَّ تكورت بجانبي وتظاهرت بالنوم ولا تفتح عينيها حتى أقبلها فتبتسم كملاك وتنهض لتكمل لعبها. صحوت هذا اليوم بمزاج سئ، لارغبة لي باللعب مع طفلتي ، هناك شئ يدفعني لأتذكر أحداثاً مثقلة مضت في طفولتي ، تقترب مني كي نلعب سويا ، أشيح بوجهي عنها ، أحاول الهرب بعيداً ، أغمض عينيَّ ، فتقلدني ببراءتها المعتادة ، مددت يديّ نحوها وأحكمتها حولها بقوة ، ابتسمت وأنا أرى أمي وخالاتي وجدتي ونساء الجيران وكل نساء العالم يضحكن لي ، فككت قيوداً كبلتني ، يتساقط المطر غزيراً كيوم مولدي ، فصول عدة تتابع عليّ ، أحاول فتح عينيَّ ، شئ ما يخنقني وأيادٍ عدة تمتد لعنقي ، أحاول الفرار فتتفرق الطرق أمامي ويواصل المطر النقر على النافذة ، استيقظت أخيراً ، حملت طفلتي وقبلتها ككل مرة نلعب فيها، ولكنها لم تستجب لقبلاتي ، أخبرتها بأن اللعبة أنتهت ولكنها استسلمت للنوم الطويل .

سيدي القاضي أقسم لك أنه لم يكن خطئي ، فقط طفلتي آثرت أن تنام باكراً ذلك الصباح ، باكراً جداً وتركتني بمفردي أنتظر أن تستيقظ ثانية.


* نقلا عن مجموعة نادي القصة السعودي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى