سميرة المنصوري العزوزي - لا يهم، المهم أن .. قصة قصيرة

قررت هذه الليلة أن تعمل بالنصيحة التي طالما ترددت في تطبيقها.. هيأت وجبة عشاء شهية.. أوقدت شموعا.. تزينت.. تعطرت ..لبست فستانا جديدا.. غيرت تسريحة شعرها.. نثرت ورودا على الفراش.. حضّرت منامة حمراء، حرصت أن تطويها بعناية فائقة، وتضعها في وسط الفراش؛ حتى تأخذ شكل وردة كبيرة وسط الورود الحقيقية المتناثرة
جالت ببصرها في المكان وابتسمت في رضى.. كل شيء في مكانه.. لا .. نسيت أمرا مهما ..الموسيقى ..هي تعرف نوع الأغاني التي يحب الاستماع إليها .. أغاني لا تروق لها ولا توافق ذوقها ولا مزاجها ولكن لا يهم.. المهم أن يمر كل شيء على ما يرام.. نعم الآن مع أنغام الموسيقى يمكن أن تطمئن أن كل شيء أصبح جاهزا.. مرّت على الغرفة الثانية، وألقت نظرة على طفلتهما التي تغط في نوم هادئ .. تنهدت بعمق .. محاولة أن تتخيل وقع المفاجئة عليه.. هي تعلم جيدا أنه لن يتذكر أن اليوم عيد زواجهما الرابع.. وحتى وإن حدث و تذكر فلن يخطر على باله تقديم هدية.. لا يهم ..المهم أن تطبق ما عزمت على تطبيقه .. المهم أن تجعل من المناسبة ليلة مميزة.. ليلة تعيد إليها إحساسا بالدفء افتقدته من زمان.. قلبها يخفق بشدة كلما اقترب موعد عودته إلى البيت.. موعد عودته؟ وهل لعودته موعد؟! لا ليس له موعد محدد.. وهذا ما يجعل وجيب قلبها يزداد حدة كلما مر الوقت.. تنظر إلى الساعة بإشفاق.. تتفقد المكان من جديد.. تعيد توزيع الصحون وترتيب الشموع على مائدة العشاء.. تلقي نظرة على المرآة تتفحص زينتها.. تضيف لمسات خفيفة على خديها.. تعيد تسريح شعرها تجمعه بين يديها ترفعه إلى أعلى رأسها على شكل ذيل حصان وتبتسم ..كان لا يتحمل أن تجمع شعرها بهذا الشكل.. يفاجئها دائما ويختلس المشبك ليبقى شعرها حرا طليقا.. أرخت قبضتيها فانسابت الخصلات منسدلة على كتفيها في تموج جميل.. عادت تنظر إلى الساعة من جديد.. أحسّت بانقباضٍ في صدرها.. هي تعرف جيدا أنه عندما يتأخر إلى هذا الوقت فهذا معناه أنه في سهرة استثنائية مع أصدقائه.. تلك السهرات التي قد تطول إلى الصبح إذ إنها أنها عادة ما تكون في بيت أحد العازبين الذين يشكلون غالبية كوبكة أصدقائه.. ولم يكن لها حق الإعتراض ..فأمه كانت دائما لها بالمرصاد :
(أشنو دّالك معاه؟ خذي بنتك فشونك ونعسي*)
وكانت دائما تحتضن طفلتها ودمعها ولا تنام.. لكنّ الألم هذه الليلة مضاعف.. مع أنها لم تطمع في أكثر من ليلة حالمة تشعرها أنها أنثى في ريعان شبابها وأنها خرّيجة جامعة عريقة ومن أسرة ميسورة.. وأنها زوجة مخلصة ضحّت في سبيل حبها - أو بالأحرى في سبيل ما تهيأ لها أنه حب- بكل شيء.. فعلاقتها بأسرتها شبه منقطعة بسبب تعنته وتعاليه فهو لم ولن يغفر لوالديها رفضهما له وإصرارهما على الرفض.. ولولا أنها هددت بالانتحار لما قبلا به على مضض.. وحتى عندما اكتشفت حقيقته الوحشية حينما ضربها وهي حامل، لم تسمح لأسرتها بحسم الموقف بل تحدتها وعادت إليه رغما عن إرادة الكل.. مما جعل أسرتها التي تتألم في صمت تأخذ الحياد ... حياد جعله يصول ويجول ولا يرعوي.. بل بلغ مداه بعد مجيء الطفلة .. أصبح يثور ويرغي ويزبد كلما أيقظه صياحها من نومه، الشيء الذي أرغمها أن تستقر في غرفة ثانية مع طفلتها وتزهد في غرفة نومهما.. غرفة نومهما التي باتت غرفة نومه الخاصة وأصبحت هي ضيفة تحل عليها في أوقات معينة هو من يحددها .
كانت منغمسة في استعراض شريط حياتها الكئيبة معه حين أخرجها من شرودها صوت المفتاح يدور في القفل ..ورجة الباب.. مسحت عينيها بسرعة .. وبحركات سريعة وعفوية حاولت إصلاح نفسها :
شدت فستانها إلى أسفل ومررت يديها على شعرها ووقفت مبتسمة مرحبة.. نظر إليها مستنكرا.. سألها ورائحة الخمر تفوح من فمه :
- أين كنت ؟
ابتسمت وردت بأنها في استقباله هو ومن أجله هو.. وأشارت إلى مائدة العشاء التي لم يلق إليها بالا، بل لم يزد أن أشاح بوجهه مرددا :
- (تعشيت مع أصحابي)..
ولما بقيت مشدوهة متعجبة من ردة فعله ؛ نظر إليها باستغراب وقال بسخرية:
- ( ومالك مزوقة بحال التعريجة* !؟ )
وقبل أن تستفيق من الصدمة جرّها من يدها نحو غرفة النوم.. حاولت أن تتملص من قبضته ..أن تلفت انتباهه إلى العشاء المجهز بعناية وإلى الشموع .. لم يكترث بل أزاح غطاء السرير بعنف تناثرت معه الورود بما فيها الوردة الكبيرة الحمراء التي لم يلحظها ودفعها إليه دفعا وهو يقول :
- لا يهم العشاء .. المهم أن...



* (أشنو دّالك معاه؟ خذي بنتك فشونك ونعسي) // ما الذي أخذه منك ؟ خذي طفلتك في حضنك و نامي
* ومالك مزوقة بحال التعريجة* !؟ ) // و لم انت مزخرفة كالتعريجة ، و التعريجة آلة ايقاع تقليدية في المغرب


* نقلا عن نادي القصة السعودي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى