حسن أحمد بيريش - حوارات مع محمد شكري.. المعيش قبل المُتخيَّل : - 13 - الحركة الأدبية المغربية

* ما تقييمك الخاص لواقع الأدب المغربي راهنا؟ هل تمكن من ترسيخ ملامحه الخاصة والمميزة؟ وهل يمكن الحديث عن إبداع مغربي فاعل يتبادل التأثير والتأثر مع محيطه الاجتماعي؟
- سؤالك هذا يفترض بمن يجيب عنه متابعة راصدة، ومتفحصة، ومتواصلة لكل، أو معظم، ما يصدر من كتابات في الساحة الثقافية المغربية: وأنا بصراحة لست متابعا مواظبا· ولذلك لا أدري حقيقة إذا كنت مؤهلا للإجابة عن السؤال· ولكن من موقعي ككاتب وقارئ جيد، أظن أن في إمكاني تسجيل بعض الملاحظات السريعة حول الكتابة الأدبية المغربية اليوم· هناك كثير من الكتابات· ولكن يطغى عليها الكم على حساب الكيف، أو الجودة الأدبية· وبعض الكتابات ماتزال في مرحلة التجريب والتعثر· وربما التشكل أيضا، لم تسفر بعد عن خصوصية ونوع من التميز· ثمة أسماء وازنة في القصة، والرواية، والشعر، والمسرح، تواصل تطورها الأدبي، وتأثيرها وتفاعلها مع الحياة الثقافية والاجتماعية· وبشكل عام، ربما يصح القول أن ما يصدر الآن من كتابات يمكن اعتبارها بمثابة إرهاص لولادات أخرى قد تكون أهم وأغنى·

* ما رأيك في ظاهرة "استسهال" الكتابة التي أصبحت متفشية في الساحة الثقافية المغربية الآن؟
- يبدو لي أنه من الضروري أن يتحمل النقاد مسؤوليتهم في فرز ما يقدم على الساحة الأدبية من كتابات حتى نميز الإبداع الحقيقي من الإبداع الزائف، ونعرف الكتابة الرزينة، الصحية، من الكتابة الانفعالية المريضة· الساحة الأدبية المغربية الآن تزدحم بأسماء لامعة، وأخرى شديدة الانطفاء· كتاب درجة أولى، وكتاب درجة عاشرة، وكتاب لادرجة لهم، بعيدون عن دائرة الفعل الأدبي بعد الأرض عن السماء! موهوبون ومتطفلون لا حظ لهم من الموهبة، يبحثون عن الشهرة ويتهافتون عليها بواسطة ما ينشرونه من انفعالات عاطفية مسطحة يسمونها (شعرا)· أو كتابة نثرية تافهة يقال عنها إنها (رواية)! إن استسهال الكتابة والتهافت على الشهرة الفقاعية! هي التي أنتجت في حياتنا الثقافية المغربية هذا السقم، أو ذاك الهراء الذي تجده في الروايات، والمجموعات القصصية، والدواوين الشعرية!

* الى هذا الحد تبدو لك الصورة قائمة؟
- لست متشائما، وما قلته لايتجاوز الواقع الذي لا أعتقد أن هناك من ينكره أو ينفيه من ساحتنا الأدبية ·والأمر، في الحقيقة لايدعو الى التشاؤم· بل يدعو ـ على الأقل بالنسبة لي ـ الى التفاؤل·

* كيف ذلك؟
- إن الأدب الرديء يمنح القيمة للأدب الجيد، ويساهم في إبرازه على الساحة الثقافية· ثم لاتنسى أن القارئ اليوم لم يعد من السهل أبدا مغالطته· فقد أصبح القراء الجادون يمتلكون وعيا أدبيا عميقا يمكنهم من انتقاء الإبداع الجيد، ويمنحهم القدرة على فرز الغث من السمين·

* مَنْ مِنْ الكتاب المغاربة الذي يلفت انتباهك الآن، وتقرأ له باستمرار؟
- أقرأ لكثيرين· كل ما كتبه محمد زفزاف يعجبني· لكن هناك بعض التفاوت بين عمل له وآخر· وأقرأ لأحمد بوزفور وأعتبره أحسن كاتب قصة قصيرة في المغرب الآن· وأتابع أعمال محمد برادة في النقد والرواية· وبعض قصص ادريس الخوري· وكتابات عبد الجبار السحيمي ورشيد نيني· كما أحرص على قراءة كل ما يكتبه حسن نجمي في الشعر والنثر· وثمة أسماء كثيرة أخرى تغيب عني الآن·

* ما رأيك في الكُتَّاب المغاربة الذين يكتبون باللغة الفرنسية· هل تعنى كتاباتهم بتأصيل هوية أمتهم، وإبراز شخصيتها الحقيقية، والتواصل الحي مع قضاياها المصيرية؟
- هؤلاء الكُتَّاب ليسوا كلهم على شاكلة واحدة· إنهم يختلفون باختلاف شخصياتهم، وأيضا المدى الذي بلغه كل منهم في الاهتمام بقضايا بلده، أو مجتمعه الأصلي· الحكم على هؤلاء الكتاب بالتعميم الذي يتجاهل خصوصية كل كاتب، ويضع الكل في خانة واحدة، مسألة مرفوضة بالنسبة لي شخصيا· اللغة ليست معيارا نحكم من خلاله على التزام الكاتب بقضايا وطنه، أو العكس· واللغة ليست وسيلة لتصنيف الإبداع تصنيفا مع أو ضد· الحكم، أولا وأخيرا، ينبغي أن لا يتجاوز الإبداع ذاته، بصرف النظر عن اللغة المكتوب بها· هناك كتاب يكتبون باللغة الفرنسية وتلمس في إبداعهم ملامح قوية من شخصية بلدهم· مثل المبدع الكبير المرحوم محمد خير الدين وعبدا لكبير الخطيبي· وهناك، بالمقابل كتاب لا تجد في كتابتهم أي تأصيل لهويتهم مثل الطاهر بن جلون الذي يكتب تحت الطلب! ويحول الكتابة الأدبية الى شعوذة تتنكر لواقعها الأصلي، وتتلاعب بمشاعر القراء الفقراء ذهنيا!!

* نعت هؤلاء الكتاب بـ "الاستيلاب" هل يعود في رأيك، الى حساسية لغوية في التعبير الأدبي؟
- نعت الكاتب المغربي، أو العربي عامة، الذي يبدع في غير لغته بـ "الاستيلاب"، لا يمكن أن يكون إلا حكما متعسفا· وربما يكون مصدر هذا الحكم حساسية لغوية مفرطة، كما تفضلت، وإن كنت لا أنفي دور بعض النقاد المتزمتين، الرجعيين، في ترسيخ هذا النعت الفج! إن "استيلاب" كاتب، أوأكثر، مثلا، لا يعني أن الكتاب جميعهم قد استلبوا من خلال اللغة التي يكتبون بها· لقد كان الشاعر والروائي محمد خير الدين، رحمه الله، يتمنى دائما لو أنه يكتب باللغة العربية· رغم ما عرف عنه من عبقرية معجزة في الكتابة باللغة الفرنسية·
في الستينات صدرت في المغرب مجموعة من الأعمال الأدبية حظيت بمتابعات نقدية مكثفة، ووزعت توزيعا جيدا بفعل تدريسها في الجامعات· ولكن سرعان ما انطفأ وهجها· ولم يعد لها الآن أية فاعلية أو تأثير في الحركة الأدبية المغربية! هذا الفشل في الصمود يعطي الانطباع بأن هذه الأعمال لم تكن أكثر من كتابات مرحلية! ألست متفقا معي؟
أنا دائما أقول إن المبدع الحقيقي ينبغي أن يركز اهتمامه بالدرجة الأولى على التقنية وليس على الموضوع، هذا الأخير في حد ذاته ليس مهما· الأهم والأبقى دوما هي الطريقة التي يكتب بها· إننا لو ألقينا نظرة سريعة على الكتابات الإبداعية العالمية التي صدمت واحتفظت بأهميتها الأدبية وبفاعليتها وتأثيرها، سوف نكتشف أن التقنية هي الأخلد· أما المواضيع فتفنى·

* هل يمكنك تقديم أمثلة في هذا الإطار؟
- يمكن الاستشهاد هنا ببودلير· إن ما كتبه تجاوزته كتابات أخرى· لوكان أسلوبه في التعبير والطريقة التي كتب بها شعره ونثره مازالت خالدة ستظل كذلك· ونفس الأمر ينطبق على الشاعر رامبو· إن "أولسيس" لجيمس جويس موضوعها ليس مهما، والمهم هو التقنية التي كتب بها· واللائحة طويلة·

* وبخصوص الأعمال الأدبية التي صدرت في الستينات وانطفأ وهجها· كيف تفسر فشلها في الصمود؟
- عندما يتعلق الأمر بالعمل الأدبي ينبغي أن لا نكتب كما لو أننا مطالبون بتحرير ربورتاج! حضور الفن هنا مسألة أساسية حتى لا يفقد الإبداع سمة التفاعل والتأثير في كل العصور، ويتحول الى كتابة مرحلية·


10/27/2004

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى