رسائل الادباء : رسالتان بين زكي مبارك و حسن القاياتي

30 - 08 - 1943

إلى السيد حسن القاياتي

قرأت خطابك إلي فوجدته دون ما يحسن صدوره عنك، وإلا فكيف جاز لك التوهم بأني أقول فيك ما دونته بقلمك نقلاً عن أراجيف المرجفين؟

أنا أقول إنك أديب خلقته الظروف، وألاعيب مصطفى القاياتي في السياسة؟

هذا الكلام لا يقوله من يعرفك، كما أعرفك، وهو أيضاً كلام لا يقوله صديق في صديق، وأنت تعرف جيداً أني لا أقبل إيذاء أصدقائي بمثل ما نقل إليك، ولا بأيسر مما نقل إليك، فأقطع ألسنة الدساسين، واحفظ ما بيننا من العهود. احفظ أنت، أما أنا فكما عهدت، ولن أتحول ولن أخون

ثم تطلب إلى أن أسأل نفسي عن الصلات التي كانت بيني وبين الدار القاياتية، وأنا أوجه مثل هذا السؤال إليك، فما أظنكم عرفتم رجلاً أصدق مني، ولا أحسبك تنسى أنني أديت للشيخ مصطفى جميلاً يفوق الوصف ويفوق الجزاء، وهو جميل سجلته أنت بقلمك في مجلة الكشكول سنة 1924 بإمضاء (العقوق) يوم كان إيذاء الشيخ مصطفى من هواك

أينما أوفي لذكرى هذا الرجل: أنا أم أنت؟

لو نطق التاريخ الأدبي لقال إني لم أكن راوية يوم عرفت داركم، وإنما كنت أستاذاً يساعد على خدمة أدبية تعرفها الجامعة المصرية، يوم اختارت الشيخ القاياتي خلفاً للشيخ المهدي

وتقول إنك أعددت عشرين مقالاً في نقد كتاب (النثر الفني) وأنك ستنشرها في الرسالة إن ضمنت أنها لا تجاملني، وأنك تنتظر مني كلمة الحق

وأقول إن الرسالة لا تجامل أحداً، فقدم إليها في نقدي ما تريد. ثم أقول إن هذه الكلمة هي كلمة الحق، فانقضها إن كنت تطيق

وجاء في كلامك أن لي في الأدب ألاعيب وترهات، فمتى كان ذلك؟

أنا يا صديقي لا ألهو في الأدب ولا ألعب، فجد الأدب جد وهزله جد، ولا يصدر عن قلمي إلا ما يرضاه وجداني

أما بعد فهذا ما تقرأ لا ما تسمع، فخذ عني ما تقرأ ودع ما تسمع، فما أذكر أني حادثت أحداً بالقاهرة منذ شهور طوال، ولا أذكر أنك خطرت في بالي قبل أن تنقل إلى (الرسالة) خصامك العنيف، يا أعز الخصماء

أنا ما أسأت إليك، وإنما أسأت أنت إلى نفسك بكسلك. ومع هذا تقول إن اللغة العربية لن تجد من يذود عن حماها غير قلمك، ونحن نعرف طاقتك في البيان

توكل على الله وانفض الغبار عن نفسك المكسال، فقد تصبح ولك مثلي ترهات وألاعيب. وليس من العسير جداً أن تكون في منزلة الكاتب الأول والشاعر الأول.

زكي مبارك


***

06 - 09 - 1943

إلى الدكتور زكي مبارك

قرأت بإعجاب خطابك الأسيف الذي تواضعت (الرسالة) فنشرته لك، وهي بعد - تعرف القاياتي الذي لا يود أن يحاط اسمه بهذا السياج الباهت من الدعاية الكاذبة. ويقحم اسمه بين الأسماء الشاعرة

إن القلم القاياتي يا دكتور نسيج وحده تعرفه الأسواق الأدبية الحرة يوم يكون في مصر للقلم الكبير أسواق. . . تجزي المحسن وتلفظ المسيء

القاياتي أيها الناس نظم الشعر وكثير من أدبائنا الذين تطنطن الصحف بذكرهم اليوم أسماء لا يحلو ترديدها إلا على ألسن اللوات في الحارة. والأتراب في القرية!!

القاياتي شاعر من شعراء المدرسة القديمة التي تلقى فيها الدكتور أول درس في اللغة وأخر درس في البيان

وليس يضير الشاعر أن يسلك به النشء هذا المسلك الذي لا يحمده الأدب. ولا تسيغه أثلات الأقلام

إن الأدب يا دكتور ليس كلاماً ترجعه الصحافة كل يوم ويطالعه النشء كل ساعة. وليست الصحف التي تملأها بالصحف التي تروق الذين نحب أن تكون واسطة عقدهم (الأدب حساس) لا يزنه إلا الحس المرهف. ولا يفيد إلا المشاعر الحية. ولا يعرف النقد إلا الحساسية في الأدب

أخال فلاناً لا أراني الله شخصه. وقد زكته نقابة الصحافة في قاهرة الفاطمي بأنه أمي متسول. ثم يكون بعد اللتيا والتي من هيئة النقابة. وواحد الصحافة. وزعيم الأغلبية. لك الله يا بلد المعز. فقد جعلت دهماء الأدب يحكمون هذا الحكم الأعرج على جماعة الأدب في الشرق ويزنون الناس بغير ميزان فتخاطبهم صعاليك الصحافة وتجهلهم الأخلاق المريضة وليس بكثير على الدكتور مبارك أن يرميني بالكسل والكسل الهازئ حتى تنجح قضيته الخلابة ويروق منطقة الساخر

أجل أنا لا أريد أن أكثر يا دكتور. وفي كل يوم لي مقطوعة ستكون الشاهد لي يوم يحتاج الأدباء إلى شهود ترفعهم إلى درجات المجد وترقى بهم إلى السماء

إن ديواني يا (دكتور) يكلم الناس من أربعين عاماً. . . وأنت بعد ما تزال حدثاً تكلم الناس بلسان الحكائين وتحدثهم بمنطق الأطفال. ثم ماذا؟ ثم تكون لي ثروة شعرية تحت يدي تقع في مجلدات ضخمة غير ديواني الناشئ وباكورتي من نصف قرن. ثم هذه الكلمات العريضة التي اعترف بها البيان. وخلدتها الصحافة. وانتفع بها شيوخ الأدب. وكانت دروساً ألقيت في مدارس البيان. (القاياتي) يا دكتور مبارك لا يعجبه هذا الأسلوب الخادع. فهو أعرف بطوايا قلمك. وخفايا نفسك ولقد توكل على الله يا ولدي العزيز قبل أن يعرفك. وكان قلمه من بين الأقلام المتوكلة عليه سبحانه فانتفع ونفع وجاهد في سبيل الأدب وخدمة اللغة وسيجاهد إلى أن يقضي الله عليه بالفناء والرسالة التي تقول عنها. أنها لا تجامل أحداً - أعتب عليها هذا العتب البريء - فأقول: أنها تجامل كثيراً أدباء عرفتهم الصحافة لهم حاضر في الأدب يحاول الشباب أن يهدمه بالحق. وللحق - ولكنها تطوي رسائله طياً وفي هذا موت للشباب. وحياة للمصانعة الخاتلة ورب رسالة شابة خير من جهاد شيخ يتوكأ على عصا الشهرة ويمشي على سراج خافت ولقد صدق الله إذ يقول:

(تبت يداً أبي ولهب وتب، ما أغنى عنه ماله وما كسب، سيصلَى ناراً ذات لَهبٍ. . .!!!

(دار القاياتي)

حسن القاياتي

عضو المجمع اللغوي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى