عصام عبدالله مسعد مريسي - عائلة موبوءة.. قصة قصيرة

اسند ظهره إلى حافة الصنبوق ( قارب الصيد الصغير) وبدأ القارب الرحلة مغادر مياه البلاد الذي تحمل له الكثير من الفرح والكثير من الالم ، تصاعد الدخان الصادر من ماكنة القارب وارتفع ضجيج المواطير المحركة والقارب يشق مياه البحر وتتصاعد النسمات الباردة ومدينته الحبيبة تتلاشى شيئاً فشيئاً لكن ذكريات الماضي أفراحه وأحزانه ترتسم أمام عينيه على صفحة الماء وهو يتمايل على الجهتين كلما هبت الرياح تتقاذف بقاربهم الصغير وهو يحاول أن يشق البحر باتجاه الساحل المقابل وأمه ينفرج ابتسامتها كلما عادت أخته الكبرى جميلة الملامح رديئة السلوك والعادات مع سائق جديد غير الذي كانت معه بالأمس وهي تقول :

احضرت لي القات والتمباك وكل عدة التخزينة حق القات بصوت جريء إلى حد الوقاحة:

أيوه يا أم الفاتنة الحلوة ، كل العدة حق الكيف جاهزة كاملة.

الشاب الصغير يحمر وجهه من سلوك أخته وأمه ويكاد الغضب أن يشق صدره ليطلق المارد الذي يرفض ما تعيشه أسرته من الضياع والانحلال:

أمي كيف تقبلين هذه الاشياء دون أن تسألي عن مصدرها وكيف جاءت ؟

ببرود وعدم اكتراث تجيب الأم ولدها المشتعل حنقاً وغضباً:

يا ولدي أختك بتصرف على البيت ، وإذا لم تكن هي سوف نموت جوعاً

يشتد لهيب غضب الشاب الصغير ويعتريه حالة من الهستيريا فإذا به يجول في أركان البيت كطائر مذبوح يهدي بعبارات مفهومة وغير مفهومة وهو يعبث ببعض مقتنيات المنزل ويحطمها والأم مازالت تتعامل مع ولدها ببرود فهي لا ترغب بتعكير جلسة الكيف والنشوة التي وصلت إليها فتقول له:

انظر إلى أخيك كيف استطاع أن يبني نفسه

يشتد هيجان الشاب وغضبه فيقع دون أن يشعر وتسيل الدماء من رأسه وهو يقول:

لماذا دائماً تعرضين النماذج السيئة ، كلما يمتلكه من حرام من تجارته في ترويج المخدرات

مازالت اجاباتها تصدر من اعتزاز بما يقوم به ولديها اللذان يكسبان رزقهما من الحجر:

كن مثله واكسب رزقك .

ينقطع شريط الذكريات المؤلمة على صراخ بعض الصيادين :

لقد وصلنا إلى الشاطئ الأخر .. استعدوا للنزول

يجمع ما تناثر من حاجاته على قاع القارب ويستعد للنزول إلى الشاطئ الأخر وعيناه ما تزالان تنظران للجانب الأخر من البحر ولا ترى إلا سراب ولكنه يشتم نفحات الارض التي غادرها مجبراً على فراقها لما تحمله له من ذكريات مؤلمة عن عائلته الموبوءة .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى