رسائل الأدباء : رسالة من دريني خشبة الى صلاح الدين المنجد

11 - 10 - 1943


إلى الأستاذ الفاضل صلاح الدين المنجد

ليس أيسر على المترجم يا صديقي من أن يفتح القاموس فيعرف مرادف الكلمة التي يريد نقلها إلى العربية فيأخذه دون مشقة ولا عناء. غير أني أكره هذه الطريقة المرتجلة في الترجمة. ولما كنت آخذ نفسي هذه الأيام بالدعوة إلى سلك الأدب المسرحي في الأدب العربي، وبالتالي إلى تجديد الأدب العربي، وذلك في حدود التواضع الكبير (!) فقد مهدت في رأس الفصل الأول من فصول نشأة الدرامة الإنجليزية بأن لي غرضاً خاصاً من نشر هذه الفصول. . . على أنني لا أدري لماذا استثقل ذوقك الرفيع كلمة (السمعيات أو الإنجيليات مرادفاً لكلمة التي تعني الأسرار الغامضة بالترجمة الحرفية؟. . . لقد استعملت كلمة السمعيات بمعناها الديني الذي يعرفه المسلمون عن جميع الأسرار الغامضة التي لا يصح البحث فيها، أو التي يعجز العقل عن تعليلها؛ فماذا غير السمعيات يكفل أداء هذا المعنى؟ وقد فسرتها أيضاً بالإنجيليات لأن جميع مؤرخي الأدب والمسرح الإنجليزي يفسرون هذا النوع من أنواع الدرامة الإنجليزية، بأنه النوع الذي تؤخذ موضوعاته بحوارها من الإنجيل مباشرة دون تغيير أو تبديل. وهكذا أراني وفقت كل التوفيق في وضع هاتين اللفظتين لكلمة

أما ترجمة بدرامات الخوارق كما يقترح أخي فقد رأيتها ترجمة قاموسية لا تتفق والعلم المسرحي الذي نحن بصدده؛ فالخارقة تصدر عن أي إنسان؛ أما الكرامة فتصدر عن القديسين عند المسيحيين وعن الأولياء عند المسلمين؛ ولهذا آثرت النسبة إليها فقلت الدرامات الكرامية، ثم أردت أن أربطها في ذهن القارئ - وذلك من صناعة التعليم التي مارستها عشرين عاماً - فقلت، أو القديسية، وذلك لأنها درامات تتعلق بحياة القديسين أولاً وبما كان يصدر عنهم من (خوارق) - أو كرامات، ثانياً. فأي بشاعة يا أخي صلاح في هذا الذي آثره صاحب أساطير الإغريق؟!

وبعد، فلا عليك من ذلك؛ ولكن لي رجاء بودي أن تحققه مع الصفوة من أصدقائي أدباء الشام. إن باكورة أعمالك المسرحية التي تفضلت فأرسلتها إلي تشف عما يختبئ فيك من الروح الدرامي العظيم، فهل انتويت أن تتحف الأدب العربي بثمرة ثانية وثالثة. . . وعاشرة، أم أنت في حاجة إلى محاربة روح التشاؤم فيك، كما نحاربه في أدبائنا. . . أرجو أن تبدأ الشوط مع أدباء الشام الأعزاء، وإن كنت أسأل الله أن يوفق أدباء مصر إلى الفوز بقصب السبق...
وتقبل تحيتي

دريني خشبة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى