سونيتا خليل - المكالمة الأخيرة.. قصة قصيرة

تتصلُ به كعادتها فَقَدْ اشتاقت إليه.. لكنه لا يرد، لا بأس ربما لم يسمع فتعيد الاتصال مرة أخرى والابتسامة جاهزة على شفتيها لترحب بصوته، الذي تحبه. ولكن دون رد، فيقوم إصبعها بطلب المكالمة مرة ثالثة ورابعة بشكل لا إرادي والنتيجة لا إجابة!!

بدأت تسحب أنفاسها بصعوبة وصارت تسمع خفقان قلبها الذي يشير إلى بداية القلق.. ماذا حدث؟ لماذا لا يجيب؟ وتتردد في ذهنها العشرات من الأسئلة المبهمة، لكنها تقنع نفسها اخيراً "لا بأس إنه منشغل.. لابد ان يتصل بي بعد ان يفرغ".

ليس في يدها الان سوى خيارٍ واحد ألا وهو الانتظار!.

يدير النهار ظهره ويرحل بهدوء ليبقيها جالسة مقابل الانتظار وبحضرة المساء الذي يسحب نفسها منها شيئا فشيئاً.. الانتظار يأكل منها يفقدها الشعور بالراحة، الضحك، الجوع وأي شيء اخر ما عدا هذا الشعور بالقلق.

ها هي تحمل هاتفها مرة اخرى، تتصل به رغم شعورها الخالي من الأمل.. ومجدداً دون إجابة منه! فتبدأ بالمراسلة، دون جدوى، ولا رد!! فتعيد الاتصال مرةً اخرى وملامحها فقدت كل ألوانها، وهي متأكدة انها ستسمع الرد الآلي المزعج الذي تسمعه رغما عنها كل مرة (عذرا لم يتم الإجابة على المكالمة الرجاء تكرار المحاولة لاحقا).

ولكنه يجيب هذه المرة، وهي لم تعط مجالا له حتى ليقول آلو: "حبيبي قلقت عليك جدا أين كنت؟ لماذا لم تجب على رسائلي ومكالماتي حبيبي انت بخير؟ عمري، لقد اشتقت اليك كثيراً، لتنتبه اخيراً انها لم تسمع صوته من الأساس بعد.. آلو!! تسمعني؟

يبدأ أحدهم بالتكلم بصوت أرفع "احم، اممم.. عذرا أنا ماهر أخوه هو طلب مني أن اجيب عليك وأخبرني أن اُعلمكِ بأنَّهُ لا يريد الحديث اليكِ.. مع السلامة".

- لا.. توقف ماهر أرجوك.. فيعيدُ الشاب الصغير الهاتف مرةً اخرى ويلصقه بأذنه: "نعم ماذا تريدين؟"..

- فقط اريدُ أنْ اعرفَ كيف حاله هذا كل ما في الامر أرجوك.

- إنّ أخي ممددٌ على فراشه لم يتحدث إلينا منذ ليلة البارحة، ولم يجب على أيةِ مكالمة إنَّهُ فقط ممدد يحضن وشاحاً بلون وردي في الحقيقية رأيته يشمُهُ ايضاً.

- حسنا لا أريدهُ أنْ يتكلم فقط أعطهِ الهاتف.. ضعه على أُذنه من فضلك

مرت دقيقة منذ أنْ انقطع صوت أخيه والاتصال مازال جاريا حسنا الهاتف في المكان المطلوب إذن، قامت تتحدث إليه بكلِّ هدوءٍ ومحبة لم تسأله لماذا لم تجبني منذ الصباح؟ ولم تسأله أين كنت؟ أو ماذا كنت تفعل؟ ولم تعاتبه لأنه سلمها لذلك الاهمال القاتل الذي كان يأكل منها ولا يشبع.. قالت له:

- أنا سأتحدث وأنت انقر بأصبعك على الهاتف إشارة منك على أنك تسمعني.. هذا كل ما هو مطلوب منك حبيبي، وقامت تتحدث اليه عن كل شيء جميل خطرَ ببالها دون أن تتعب.. مرت ساعات وهي تتكلم وهو ينقر.. وأصوات انفاسهما تمتزج ببعضها، وكأنه لحنٌ تؤلفه بجمالها.

أخيرا نطق قائلاً: "أنا سيئ، سيء جداً، أنا لا استحقكِ".

- يا روحي انتَ لست بسيئ أنتَ حَبـ...

يقاطعها بقسوة: "لا أنا سيئ.. لقد خنتكِ. ليتخفف صوته شيئاً فشيئاً وهو يقول تباً، لقد كانت جميلة وضعفت أمامها.. كانت تتحكم بي في ذلك الليل الحقير، كانت تمر بأصابعها على شفتيّ وتمسك بيدي وتحركه على كل جسدها حتى صارت المسافات تنتحر بين شفاهنا كلما ازدادت أصوات انفاسنا. أنا قبلتها ومن ثم...!!

صمت هو، وصمتت هي أو صدمت.. يسألها بعد أن تحرر من صمته آلو... تسمعيني؟ تكلمي... كان مستعجلاً ومصراً جداً ليسمعَ ردها كمُتهمٍ ينتظرُ تلكَ اللحظة التي ينطق فيها القاضي ليقرر مصيره النهائي: "ماذا؟ تكلمي...".

تأخذُ الفتاة شهيقاً وتطلق زفيراً قوياً، وكأنها تخمدُ آخر ما تبقىٰ من نار تلك العلاقة بعد أن احترقَ كُلُّ شيء في لحظة ولم يتبقَ منها سوى الرمادْ!!

-تطلب مني أن اتكلم؟

- نعم تكلمي.. قولي..

فتجيبه بجملةً تختصر كُلَّ شيء:

- لقد انتهى كلُّ شيء !!

هذا كانَ آخرُ ما سَمعِهُ مِنها قبلَ أن يبدأ صوتُ إنهاءِ المكالمة بالدوي في أُذنًهِ للأبدْ.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى