جمال الخرسان - مقاهي باريس شاهد على تحولات الادب، المعرفة والسياسة

لمقاهي باريس التي يعود معظمها الى قرنين او ثلاثة وخصوصا مقاهي الحي اللاتيني حي الكتاب، الطلاب والمفكرين حي السوربون تاريخ اكثر اثارة وألقا حتى من تاريخ بعض البلدان. فلكل مقهى من تلك المقاهي تقاليده وما يميزه في الشكل والمظهر او حتى ما يقدمه لزبائنه، ولكل من تلك المقاهي شريحة ايضا من المرتادين بعضهم شخصيات بارزة في تاريخ الفكر والادب الفرنسي والعالمي.
استوحيت في تلك المقاهي عشرات بل ربما مئات القصائد الخالدة، ونمّيت ونضجت افكار هذا الكتاب او تلك النظرية. لكل من تلك المقاهي قصته وتاريخه الشيّق وبعضها كان دخيلا في رسم مسارات سياسية ومعرفية جديدة. كما ان بعضها مسجل في لائحة المواقع التراثية في فرنسا نظرا لأهميته وعراقته.
ليس بعيدا عن اللوفر تقع مقهى لابروكوب "Le Procope" اقدم مقاهي العاصمة الفرنسية باريس، والتي تحتفل عام 2016 بمرور 330 عاما على تأسيسها حيث تأسست عام 1686 بتصميم أنيق وهيبة عمرانية قروطسية، وجدران زينتها اعمال فنية نادرة لتكون ملتقى لأشهر الاسماء الفرنسية في عصر التنوير.
بعض المقاهي لازالت تحمل اسماء مؤسسيها وخصوصا انهم يستحقون ذلك نتيجة لجهودهم الكبيرة في مجال المعرفة والادب والفنون، فمثلا مقهى لاديوغي التي تأسست عام 1862 لازالت تحمل اسم الاديب الفرنسي "ارنست لاديوغي".
وبعضها ارتبط ببيكاسو وبعض لوحاته فمقهى اغوتوند "La Rotonde" شهدت رسم احدى لوحات بيكاسو كم يقال. ومن المعروف ايضا ان العديد من المبدعين منحوا نتاجاتهم الفنية هدايا للمقاهي لقاء قهوة او عشاء هناك. الملفت ايضا ان بعض المقاهي يقوم بمنح جائزة سنوية في مجال الادب كما هو الحال مع مقهى كافيه دو فلوغ Café de Flor ذات المقهى كانت في يوم من الايام مملكة الاديب الفرنسي "غيوم ابولينير" ومحبيه.
ومن مقاهي باريس ما يعنى بأدب البلدان الاخرى كما هو الحال مع مقهى ومكتبة شكسبير المعنية بالدرجة الاولى بالأدب الانجليزي، تقع المقهى في الحي اللاتيني على ضفاف نهر السين قبالة "كاتدرائية نوتردام" الشهيرة.
مقاهي باريس ليست دافئة بما يكفي كما هو الحال على سبيل المثال مع مقاهي شمال اوروبا التي حينما تدخلها ولو في ذروة الشتاء لا تشعر بالبرد على الاطلاق فالبنية التحتية للمباني في شمال اوروبا محكمة بشكل مذهل لكن رغم ذلك فمدافئ المقاهي الفرنسية انيقة هي الاخرى، علّقت في سقوف المقاهي كالقناديل. مقاهي باريس كانت اكثر من مجرد امكنة لتناول القهوة والشراب بل هي اشبه بمؤسسات ثقافية وادبية لها لمستها البيّنة على مجمل التيارات المعرفية والادبية في اوروبا والعالم. المقاهي المثيرة والملفتة في باريس جزء من المشهد الباريسي اليومي وشاهد حي على مختلف ما شهد من تحولات كبرى في النصف الثاني للقرن التاسع عشر والنصف الاول للقرن العشرين.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى