رسائل الأدباء : (كتاب من الأستاذ خليل بك مطران إلى الدكتور محمد صبري بمناسبة ظهور كتابه (الشوامخ))

01 - 05 - 1944


حضرة الصديق الكريم. . .

الداء الذي ساورني في هذه الأيام عاقني عن أداء واجب الشكر لما أتحفتني به من التحفة الغالية، أعني بها النسخة من كتابك (الشوامخ)

وما زلت إلى هذا اليوم غير قادر على بذل مجهود فكري يعتد به. غير أنني بوجه إجمالي موجز أرى أن الشعر كلما اتصل بالفطرة كان من الفن الأصيل، وكلما بعد عنها أفضى إلى التعمل، وهو فن آخر، أي فن الصناعة. وشتان بين الأصل والنقل وبين الإبداء والمحاكاة

ألم تر إلى شعر هوميروس كيف بقى عند الفرنجة بمنزلة الينبوع الصافي الذي استقى منه جميع أدبائهم على اختلاف ألوانهم ومذاهبهم وأهوائهم ونزعاتهم

ولقد تكلف الفرنجة ما تكلفوا ليفهموا هوميروس وليقتبسوا من لغته القديمة المجهولة ما اقتبسوا، ونحن لم نتكلف ولا تنكلف شيئاً لنفهم امرأ القيس وإضرابه من أيام الجاهلية، فيغيبون عنا فنحكم عليهم لا لهم

ولولا أنك جئت تفهمنا معاني امرئ القيس، ولولا الدكتور طه حسين بك وما جهد ليشرح آيات الشعر الجاهلي الصادق النسب، ولولا آخر كتاب للأستاذ عباس محمود العقاد في (جميل بثينة) لبقيت كنوز الشعر الجاهلي بعيدة عنا أصلاً كريماً جديراً بأن نعنى به

بعد كتابة ما تقدم على علاته أوجه إليك بعض أبيات جرت على قلمي وهي:

بعد ألف وبعد بضع مئات ... أُنصفت عبقرية الضلَّيل
نُضيء السِتر عن جلال امرئ ال ... قيس بسفر من البيان جليل
رد صبري ألواحه فتجلت ... من خفاءٍ آيات فن جميل
وإذا الحسن ندّ عنه حديث ... طُلب الحسن في العتيق الأصيل
آفة الفن جهله، كيف والأ ... علام تُطوى ما بين جيل فجيل
إنما الرأي ما أبنت وهل أب ... لغ مما أقمته من خليل مطران

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى