محمد عبد الدايم - المانيكان

بموازاة صخب العالم؛ ضجيج التلاطم البشري الذي لا يحجزه الجدار الشفاف؛ ورغما عن العيون المتطفلة التي تسترق نظرات سريعة حينا؛ حالمة ربما، مندهشة أو ساخطة؛ ومع إحساس بالشفقة على قطة صهباء أو مرقطة وجدت بقعة ماء راكد، فتسللت من خلف صندوق قمامة لتلعق متوجسة قطرات عكرة، ومع ألفة معتادة لرؤية عامل النظافة الكهل الذي يبكر كل صباح ليلتقط بقايا الذين مروا بالأمس، وسيعبرون اليوم، وإذا عاش للغد لن يتغير روتين يومه، بعيدا روحيا، وعلى مقربة جغرافية، ومن خلال الحاجز الزجاجي المختوم ببصمات آلاف الأصابع؛ يحاول الجسدان أن يقتربا، يميل الواحد نحو الآخر، رغم تكبيلهما بقاعدة دائرية ثقيلة تأسر كل منهما في موضعه، لكنهما لا يفقدان الأمل في الاقتراب والالتصاق الخجول، ربما حينها يشعران بحميمية روحية لم يستشفا مثلها في أجساد العابرين جيئة ورواحا، لكن أسوأ كوابيسهما حين يدخل السجان، صاحب المكان، بعد نهاية كل موسم، ليبدي للعالم سوءاتهما، فيخلع عنهما سترهما دون أن يأكلا من شجرة الخلد، ولا يخصفا على جسديهما ما يداري حقيقتهما عن بعضهما. وهكذا يقضيان عمريهما.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى