لقمان ديركي - مقهى القصر - 2 - رجال تحت المروحة

والحال تغير، فالغليون أضحى في يد محمد أبو معتوق بتنباك وطني بعد أن حرره من هيئة وليد إخلاصي البرجوازية، وكل هذا حدث بعد أن كتب أبو معتوق روايته الجميلة الممتعة (شجرة الكلام) ونشرها رياض نجيب الريس في لندن أواخر الثمانينات أو في بداية التسعينات، ففي ذلك الوقت انقلب الحال، وذهب الاتحاد السوفييتي آخذاً معه ما تبقى من مريديه في أصقاع العالم ومنها حلب، لكن قبل ذلك كانت هناك انتفاضة ثقافية قام بها اليساريون كتأثر واضح بالبيروسترويكا تبع غورباتشوف، انفتح اليسار على الشعراء والأدباء غير المؤدلجين، وكنا نحن شعراء الملتقى الأدبي لجامعة حلب منتصف الثمانينات هدفاً فوضوياً لليسار المنظَّم والدقيق، فنظم الدكتور عبد الرزاق عيد جلسة نصف شهرية لقراءة ومناقشة كل أصناف الآداب، وكنا من عتاولة هذه الجلسات، واستضفنا حيدر حيدر وهاني الراهب وغالب هلسا وحسن م يوسف ووليد معماري وحكم البابا الذي دخل في مجادلة مع أحد المستمعين، قال له المستمع أن قصيدته لا تكترث بالجماهير، فرد البابا بأن الجماهير رعاع، هنا قال المستمع جملة تضع حكم في خانة اليك وتحشره فيها: هلأ أمي وأمك رعاع؟!..رد حكم بخفة وسرعة: أمك رعاع.. أما أمي فلا. وانتهى النقاش، ولكنه في مقهى القصر لم ينتهِ، بدت التغيرات الدولية تبان ملامحها هنا، وعاد الحلبي إلى تجارته بعد أن تناساها في غمرة الفورة الاشتراكية لسنين وسنين، لكن في ذلك الوقت أيضاً، بزغ نجم الروائي نهاد سيريس، واحتل الحديث عن روايته التي لم تزل مخطوطة وقتها النقاش في المقهى، تحمس لها عبد الرزاق عيد، رواية رياح الشمال التي صدرت بعد ذلك لتلهم باقي الكتاب الحلبيين للاتجاه نحو الرواية، كانت فورة الرواية الحلبية التي لم يقدَّر لها أن تنال نصيبها من الإعلام. فيصل خرتش يكتب (موجز تاريخ الباشا الصغير)، ومحمد أبو معتوق يكتب (شجرة الكلام)، وخالد خليفة الشاعر الشاب يعلن اعتزاله الشعر والتوجه نحو الرواية في زمن مبكر على الإعلانات. هكذا كانت في حلب الثمانينات، هكذا كانت الأمزجة التي قدِّر لمقهى القصر أن يجمعها معاً كل يوم من الصباح حتى نهايات المساء تحت مروحته السقفية الشهيرة، وكان أن أعلن فيصل خرتش معارضته الروائية لرواية غسان كنفاني (رجال تحت الشمس) بإعلانه عن روايته التي لم يكتبها عن مقهى القصر واسمها (رجال تحت المروحة)، وتحت المروحة تحدث كل الأشياء، وأهمها اقتحامنا للمقهى والجلوس على كراسيه وسط النظرات المشككة بأحقيتنا من سدنة المقهى، لكننا مدعومون، دعمنا هو الدكتور فؤاد مرعي أستاذنا وراعي حركتنا الأدبية في الجامعة، كنا نجلس تحت رعايته أيضاً في المقهى، تماماً كما كنا نقرأ الشعر تحت رعايته في الجامعة، وكان لا يحب تشاؤمنا، كان يدفعنا نحو التفاؤل، وتفاءلنا، وإلى مقهى القصر دخلنا، نحن أبناء الـ18 وما فوق بقليل من الأعوام. يتبع فابقوا معنا في مقهى القصر... تحت المروحة بليز.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى