ابراهيم سليمان أبوناجى - المبروك أحمدون

-1-
ربطت التومة أم الفنان إدريس أبراهيم حمارتها الغبشة المحملة بخرج العطرون أمام زريبة غنم عمى السنى تحت شجرة الطلح الكبيرة أمام الدار، وقصدت بذلك حتى تعتلف حمارتها المتعبة بحمل العطرون من بقايا الكاويك وقش الدخن المهمل أمام الزريبة،، فى الوقت الذى قفزت فيه نبوية بت عمى من ضهر دحشتها الزرقا بعد أن وصلت على التو من مدرسة دارالعوضة الإبتدائية،نبوية تريد أن تعلف دحشتها من قشها المدسوس فوق رأس راكوبة البهايم لكنها تخاف فضول التومة وتعريضها بالرسول لتعلف حمارتها أيضا،، قبل أن تسمع صوت أمها فاطنة الزينة المتقطع بسفة صعوط زاحمت فكها السفلى: يا نبويى يا بتى عليك الله أدى حمارة التومى شوية قش معاكى!!! تستسلم نبوية وتعلف الحمارتين معا،،،عندما رأين التومة تسلل البشر إلى وجوههن جميعا، فاطنة الزينة، مريم بت عبدالله سالم، حبوبتى فاطنة الحرم وأمى حسونة بت ود حامد وكن جميعا يتونسن تحت النيمة الكبيرة أمام دارنا الملاصق لبيت عمى السنى!!! السرور يكمن فى أن التومة تجوب حلال البلد لتبيع عطرونها وتجلب معها الأخبار من تبو والسير جنوبا إلى مشارف بيوض شمالا،، مرورا بالكيد وكمنار شرقا،، حملت نبوية خرتاية الكراريس ودلفت إلى داخل المنزل،، وأتت التومة ناحية الحريم،، وقبل أن تنهى سلامها حق الله بق الله، قاطعتها بت عبدالله سالم وهى ترشف نفسا طويلا من سيجارة قمشة: أها يا أم إدريس خبر الحلال شنو؟؟ أردفت أمى: إنشاء الله خبر الخير والنعيم،، أعقبت دعاها حبوبتى بت الحرم وقالت ياااامين!!! عندها أجابت التومة الليلة جبت ليكن خبر السرور،،، الحروم إتصلحن فى القعدة على قول التومة، مريم أشعلت سيجارة قمشة تانية، فاطنة الزينة عمرت سفة طازة،، حبوبتى بت الحرم لا تسجر لا تصعط، أما أمى فما كنت أدرى بأنها تصعط فى ذلك الوقت الباكر فى الطفولة لكنى كفشتها بعد سنينا عددا،، فى صبحية ذلك اليوم كنا أنهينا على التو أكل عصيدة بالروب وعندما إتت ألينا بالشاى رأيتها تظبط سفة من حقة والدى الذى كان يستعد ليزين لعمى السنى رأسه صلعة!! بلد عجيبة الناس فيها ما هاميهم السعر كم، رجالها وحريمها يدخنوا القمشة ويسفوا التمباك.
التومة قالت: لاقتنى كلودة بت خالتك يا فاطنى الزينى وقالت لى أكلمك يوم الأحد تجيبى حريم الحلة والجنات فى شخدشاب( شيخ دياب) عشان النضر،، سرتك قالت ليك أحمدون جنا ود الهمشرى أسق عشمانة نضره يوم الأحد،، وقالت حتجيكم يوم السبت من مغربية بدرى تبيت معاكم ونمشوا كلكم شخدشاب سوى،، قالت ضابحين للجنا عتود،خلاص تم أربع سنى وبقا للطهارى!!! أردفت فاطنة الزينة: صحى الجنا ببقى تم أربعة،، تقاطعها مريم: إنتى مسعولة من الخير يا فاطنى، دحين الجنا ده تم أربعة، أها بقا ينضم والله لسه ما بنضم،، ترد بت الزينة: يخربنى يا مريم الجنا لا بنضم لا شىء بس يعاين بى عيونو وصوابعو فى خشمو،، تقاطعها بت الحرم يا لطيف،، ترد أمى الله يغطيه ويبرد حشا أمه!!!
تنتفض فاطنة الزينة وقد نسيت أن تعمل الأكل لنبوية بت المدرسة،، تسوق معاها التومة للداخل عشان تفك الريق ومعها شلة الحريم!!.
-2-
كل الحكى من الماضى بلسان فاطنة الزينة مرة عمى، أصلو كلودة مرة كرار بت خالتها وناس فريق(( أبو جندق)) كلهم أهلها، المرتين عارفات جنات الحلة كلهم، متين إتولدو ومتين عرسوا، بس مرة عمى دى دقست فى ولادة أحمدون وما متأكدة إتولد متين،، قمنا وجينا ووعينا ولقينا أحمدون مولود وحايم بى عراقى من غير سروال!!! تقول حبوبتى فاطنة الحرم: يا وليدى الجنا ده مولود حولين بعد يايكر جنا سعيد العندى أخد شامة بت عمتك أم الحسين ورحلها بابور تلودى!! تردف أمى وتقول أى تقول كدى!! مريم بت سالم تقول إتولد سنة البحر الكبير!! فاطنة الزينة تقاطعن: الجنا ده نديد محجوب ولد بت سعد،،، محجوب أسق ( حاجة دسى) ام ود فرج الله!! ترجع فى كلاما وتقول: شقانا النبى الخضر يا بت الحرم، الجنا ده إتولد نهارية اليوم المات فيه عجل حسن العندى،، يوم العجل قطع صريمته ونفر من الساقية الكان معلق فيها ووقع فى (الكوديق) بير الساقية وكسر رقبته ومات فى ساعتو!!! ناس البلد بقولو أصل الراجل حق الكيد أبو عين حمرة،، جاء يوم راكب حمارتو السودة وكان ماشى جهة قرنتى،، ولمن وصل قصاد الساقية والعجل معلق فيها،، وقف من بعيد يعاين من فوق حمارتو فى العجل، لا قال السلام لا قال ماشاء الله،، ولمن مشى وأدى ضهره الساقية،، العجل نفر طوالى، قطع صريمتو ووقع فى البير ومات!!!!! وقالو أبو عين حمرة واصل مشواره وغرب والظاهر مر من ورا بيت الهمشرى،، وسمع حرم مرة ود الهمشرى تتوجع بى أحمدون وما قال الله يخلصا بالسلامة،، ومن يوما إتولد الجنا درويش لا يعرف نضم لا فهم!!
إتلمن حريم أبوجندق( القرنداب والعندياب) ومعهن جنات الحلة،، ورؤوسهن محملة جرادل بليلة ولقيمات وموية وكسرة،، وود الهمشرى يحمل أمامه عتودا مليحا رادفا خلفه جناه أحمدون ذو الأربع سنوات، الجميع زحفوا جنوبا قاصدين قبة شيخ دياب بجوار المقابر الضاربة فى القدم لإقامة النضر والتبريكات لأحمدون من شيخ القبة الذى يرقد فى ثباته،، وأتت كلودة وفاطنة الزينة بحريم القلعة وأبعلق( الكجمة) وعيالهن لذات الغرض وعلى رؤوسهن مزيدا من المؤن تشريفا لأحمدون،،، إتلم الجميع وداروا حول القبة سبع دورات ومعهم العيال وأحمدون، ثم دردقوا أحمدون ومرمغوه داخل القبة،، قبل أن يتم ضبح العتود ويقفز أحمدون فوقه سبع مرات أيضا،، زبح عتود النضر والجميع يهللون وينشدون بكلام لامعنى له ودعوات يريدون أن تتحقق ببركة شيخ قد شبع موتا ولا حول ولا قوة له بغير الله ،،، قضوا نهارهم يأكلون ويشربون ويمرحون بنضر أحمدون،، ومسيح عيالهم بالزيت وملىء جيوبهم باللقيمات والتمر ،، وكذلك كان حال النسوة فى ذلك الزمن المورق بعفويته!!! إنفض الجميع من حول القبة وورائهم شيخ دياب وتبريكاته ولسان حالهم القابلة فى طهورة أحمدون!!!
نوى الجد الهمشرى أن تكون طهارة أحمدون حدثا فريدا خاصة وأن أحمدون باكورة عياله من أحد أبنائه وهو الحفيد الأول،، لذلك قرر أن يولم للحدث بثور سمين!!! دعا أهل القرى جميعا ويوم الطهارة أسرجت الحمير من جميع القرى والنجوع صوب بيت الهمشرى فى أبو جندق،، أتى بالطهار (( ختم)) من قرنتى،، نحر الثور والشياه وخمرت أزيار الدكاى من وقت ليس بالقصير،، أكل الناس وشربوا نهارا وأقيم حفل راقص بمغناه على شرف أحمدون ليلا،،، تغنى حمودى بطنبوره،، وردد معه حسين ود نمر وودشميم والعندى حسن وصبيان الكيد وأبتة،، جابودى وعرضة إتجالد على وقعها عرب البشارية،، وزاد حماسهم زغرود النسوة ورقصهن المتفرد بشبال يوقع فى القلوب عشقا!!!
-3-
إنتهى شهر رمضان وفرح الناس بمقدم عيد الفطر،، فى البلد تذهب الحريم يوم العيد من دغش الرحمن لزيارة المقابر فى شيخ دياب وخاصة اللائى لهن أزواج أو أقرباء ماتوا حديثا،، والرجال يذهبون لقطع جريد النخل وحملها للمقابر ومن ثم غرز جريدتين على كل قبر وبعدد الموتى من الأقرباء يكون عدد جريد النخل مضاعفا،، فى ذلك الصباح كنت على حمار والدى رديفا خلفه وأمامه كوما من الجريد الأخضر،، وصلنا المقابر وقبل صلاة العيد بدأ والدى بغرز جريدتين على كل قبر،، يقرأ الفاتحة ثم يخبرنى، هذا قبر والدى جدك سعيد، هذه أمى حبوبتك فرحين، هذا أخوى عمك أحمد كان معرس فرحين بت سالم ومات فى أربعين عرسو الله يرحمو، هذا أخوى عمك عثمان كان معرس بت عجيب، هذه أختى عمتك أم الحسين أم شامة بت عمر،، وهكذا كنت أعرف قبور العائلة كلها فى طفولتى،،،بعد غرز الجريد وقراءة الفاتحة للأموات طفنا على المعيدين وقد أصبحت ساحة المقابر عيدا وسوقا ومكانا للمتفلتين بلعب( الكشكوش) القمار،، كان عبده حبسة هو زعيم المقامرين ومعه آخرون وكل منهم قد ملك صندوقا فارغا كان فى يوم ما مليئا بالشاى الكينى،، ثبت فوقه 6 أوراق من الكتشينة بعدد من 1 الى 6 وفى يده الزهرة بأرقامها الست وفنجانا ليكشكش به الزهرة ويقلبها،، تقامر الجميع ووضعوا ختة نقودهم على أرقام يمنون أنفسهم أن تفوز،،، وهكذا تسمع صياحهم وفوران دمهم من صبح الرحمن فى عيد الله.
إشترينا حلوتنا ثم أخزنا الوالد لصلاة العيد بجوار المقابر الأخرى فى شيخ طويل،، وبعد الصلاة أخزنا الوالد وعمى لمعايدة الأهل فى أبوجندق( القرنداب والعندياب)،،، وهناك كان العيد حاضرا بإفطاره فى مسيد القرنداب، دخلنا بيت بيت للمعايدة ثم أتينا للمسيد لتناول اللقمة والشاى،،، والمظهر والمنظر جميلا يجعلك فخورا بأنك تنتمى إلى هؤلاء الأهل الكرام،،،، وهناك وعينا على صلة القربى ووعينا على معرفة أحمدون منذ صبانا الباكر،، تشاهد أحمدون وقد تحلق حول الناس بعينين صغيرتين،،، مرتديا عراقى جديد فصل لتوه لكنه نزع لباسه وكأنه فى عداء بأن يحتك أسفله بأى من قطع القماش، فترى شيئه غير مواربا ولا يكترس به وقد سئم أهله من كثرة تأنيبه بذلك،،فقط إرتدى عراقيا قصيرا وبه جيبا من ناحيته اليسرى ولا ينتعل شيئا قد يقلل من حركته،،،تراه واقفا فى ركن قصى من المسيد واضعا إصبعه فى فمه أو يتحلق حول المعيدين بعيون ترصد المجهول!! هذا ينقده خمسة قروش فى جيبه كعيدية وذاك عشرة وآخر خمش طرادة من جزلانه ووضعها بجيبه،،،، وأحمدون لا يكترث بما يفعل ويقول هؤلاء الذين أتو من المجهول لعالمه وتجمهروا فى أرضه!!! يسالمه الناس ويشدون على يده بحنية لا تخطىء مقصدها،، لكن لا تسمع منه سوى همهمة أو ضحكة لا معنى لها، لكنها قد تعنى فى داخله الكثير ولا أحد يفهمه سوى ذاته،،، يرى أحمدون دجاجة أو عصفورا أو دحشا تحاوم بالمكان فيترك الناس ويطارد ما رأى بحب وعشق لا مثيل له،، إنه عالمه الذى يفهمه ويجد ذاته فيه،، عالمه الذى يتعالى به وينتصر عليه، فماذا يفيده هؤلاء المتجولين بأرضه ولن يجد منهم سوى صخب لا يريده!!! يدخل الناس إلى المسيد للمعايدة ويتخارجون لحال سبيلهم ويبقى أحمدون فى ذاكرتهم عيدا لابد أن يتباركوا به ويزوروره كل موسم!!! ذهبنا لمعايدة الأهل فى طريقنا إلى الديار راجعين وخلفنا أحمدون يقابض طيرا ويهش جرادا تزاحم على قناديل قصب الضرة المزروع قرب الحلة!!
-4-
تمر الأيام والأعياد والسنوات،، يكبر الناس ويتزوجون ويتناقلون ولكن أحمدون المبروك لايكبر كثيرا إلا برأسه وربما بشيئه بين فخذيه والذى يصر على عدم مواربته بسروال ليؤكد لمن حوله بأنه رجل وقادر على أن يفقس مثل عيالهم الذين يزاحمون عالمه الخاص كل عام،، ظل قصيرا نحيلا لكنه دائب الحركة لا تفتر له همة.
جلس عثمان الزين وعمه الهمشرى أمام الدار وبيد كل منهما سيجارة قمشة ينفثان دخانها فى الهواء تارة بعد أخرى وأحمدون يتحاوم ويتجارى حولهما، يحادثانه فيهمهم بحديث لا معنى له، وعندما إقترب عوض عبدالله ملقيا عليهما تحية الصباح، تصايح المبروك وتقافز فى الهواء حوله وكأنه يريد أن يقول شيئا ما، فى الوقت الذى كان جده الهمشرى وعثمان الزين يضحكان من كيفية حراك أحمدون حول عوض عبدالله، عندها سأل ود عبدالله عثمان الزين فيما يقول أحمدون،،، رد عليه ود الزين وهو يضحك بملء شدقيه حتى سال لعابه وتطايرت من فمه بقايا دخان عالقة بالهواء، وقد ظهر فكه العلوى خاليا من أسنان وما تبقى منها ظهرت بصفرة لا تخطئها عين من كثرة ما دخن من قمشة على مر السنين!! عثمان رد لعمه عوض بأن أحمدون طالب القرب ويريد يد بنته للعرس على سنة الله ورسوله!! ضحك ود عبدالله قبل أن يجالسهما ويقول لعثمان فى حضرة الهمشرى الجد بأن يخبر أحمدون أن يلبس سرواله أولا حتى تقبل به العروس وأن يغطى شيئه حتى لا تقرشه سحلية فيخسر رأس ماله!!! ضحك الجميع وقهقهوا عاليا حتى سقطت سيجارة القمشة من فم الهمشرى وإنتابته قحة متقطعة حتى أدمعت عيناه، ثم أردف موجها حديثه لود عبدالله: شرقتنى من الضحك الله يجازى محنك يا بعيد!!! يختفى أحمدون من حولهم ويهرب إلى الداخل وكأنه فهم شيئا مما قاله ود عبدالله.
موسم الزراعة والحصاد فى الحواشات جوار الحلة هو بمثابة موسم فرح وعيد لأحمدون، هو المبروك وبركة الحلة ومن يوم أن شب عن الطوق إختفى الماء المالح من القرية،، تراه يتجارى خلف مزارع يلهب بسوطه ظهر ثورين علقا بمحراث لحراثة الأرض، تجده يطارد وزينا أتى من البعاد لينبش الأرض بما رحبت،، وبلوم أتى يتغنى بأطراف جداول الماء وزروع المريق والربيع الأخضر،، موسم يكثر فيه البهم فتجده يطارد حملانا تفلتت من حضن أمهاتها، تجده يشاكس أباه وعثمان الزين وهما يحلبان ضروع أبقار ولود فيفوز لنفسه بحليب طازج ودافىء ساعة المغربية،، فتلحظ شاربه أبيضا بشرب اللبن وهو العدروج الذى لم تنبت شنباته، ليس لسنى عمره ولكن لضآلة حجمه وتكوينه البدنى،، تنتفخ قناديل الذرة فيأتى الجراد مهاجرا فى موسمه فيكمن حب أحمدون وعشقه لإصطياد كل ما تقدر عليه يداه الصغيرتان.
يأتى موسم الحصاد وقد شمر أهل القرية عن سواعدهم لحش الفول والقمح،، يمدون أيديهم لبعضهم البعض وقد تقاسموا الأيام فيما بينهم لإقامة فزوع للحش، فى اليوم الأولانى لحش قمح فلان، اليوم التانى لعلان، ويوم لحواشة التيمان جنات ود نمر ،، وهكذا يقسمون الأيام فتجدهم فى همتهم ونشاطهم وغناهم ومواوليهم ودوبيتهم لا تفتر لهم همة،، يحصدون ويأكلون ويمرحون،، ومعهم وبينهم أحمدون دهشة فرح بطعم الشهد والمنى!!!
يحصد الفتيان القمح بسواعدهم الأبية وتمدهم الفتيات والأمهات بالأكل والماء البارد فيأخذون راحتهم لتناول ما أحضر لهم،، يرى أحمدون نضارة الفتيات فيتجارى حواليهن ويتصايح بينهن كديك وجد مبتغاه فى فراريج لن يقدر على أصطيادها،، ترحل الفتيات بعيدا ويلهث أحمدون ورائهن فى اللاشىء،، ثم يرجع لمجلس الحصاد وهم يشربون الشاى، يدخنون القمشة ويسفون التمباك تحت راكوبة أقيمت خصيصا كمظلة لموسم الحصاد،، يتضاحكون على حال المبروك أحمدون الذى لم يفهموا مقصده، وكأن حاله يقول لهم ويذكرهم بحال الزين فى رائعة عرس الزين للطيب صالح (( يا ناس الفزع هوووووووى.... أحمدون مكتول فى حوش ودنمر))،،، يأتى أحمدون قبالة حسين ود نمر ضاحكا مهمهما، فيمسكه حسين ويطبطب عليه ثم يقرصه من شيئه الذى تدلى طليقا،،،،، ويقول للجماعة بضحكته المعهودة: يا ناس هى الجنا ده بقى راجل تاااااااامى بعد ده لازم يلبس السروال غصب!!!! يقهقه الجميع بأصوات هوجاء فترى من شرقه دخان قمشته وحبس أنفاسه بقحة لعينة وهناك من سقطت سفته من فكه السفلى وسال لعابه من كثر ما ضحك،، وآخرون ثابوا إلى رشدهم فتسمعهم يرددون: أستافر الله، أستافر الله، الله يجازيك يا حسين،، وآخر شمر منتفضا ليشد من عزيمة القوم ليقوموا لحصادهم موجها حديثه بإتجاه من يضحكون ويتجادلون: يا الله يا جماعة صلوا على النبى وخلونا نكمل قبل النهارية ما تحر علينا،، قوموا باركوها الله يديكم العافية،، ينتفض الجميع يحملون معاولهم ومناجلهم لبدء الحش والحصاد من جديد،، وترى أحمدون وقد طارد دحشا تسلل خفية ليقى أوده من سنابل قمح أخضر فى الناحية الأخرى.
-5-
مرت الأيام والسنوات وكبر المبروك بسنى عمره لكنه ظل نحيل القامة ضعيف البنية، إلا أنه قد أصبح أكثر هدوءا ورزانة، قلت حركته وشقاوة صغره وقد بلغ مبلغ الرجال شأوا مكتملا بجلبابه وسرواله كسائر صبيان البلد،، الفتيان والفتيات الذين فى عمره وأقل منه كلهم تزوجوا ومضوا إلى تفاصيل حياتهم،، لكن أحمدون ظل يلقى نظراته إلى المجهول وقد إحتار فى أهل البلد الذين يقاسمونه الحراك على أرضها، يسأل نفسه بأسئلة لا أجابة لها فى مخيلته: فلماذا لا يزوجونه مثل غيره من فتيان البلد وبناتها الذين خلفوا عيالا يتجارون حوله ويملؤون فضائه ألقا وصخبا؟؟ لماذا يشهد كل عام أكثر من عرس وبوش لصبايا يصغرونه ولا يفوز لنفسه بواحدة من نواضر الفريق؟؟ كم سيمر من العمر حتى تقبله إحداهن على سنة الله ورسوله؟ أسئلة ظل المبروك يرمى بها إلى المجهول فى كل مناسبة سعيدة لتأهيل فتا وفتاة وكلما تحلقت حوله فتيات نواضر!!
مضت ليلة إنتهت فيها مراسم الزواج فى حلة العندياب برقيص وغناء طروب، زبحت العجول والشياه وأتى الأهل من كل ركن قصى فى البعاد،، ثم أخذ العريس عروسه وذهب بعيدا لينعم بسعادته،،هذه ليلة هادئة أعقبت الفرح الكبير،،،على تكية العمدة حسن العندى وفى مساء طلق أمام الدار جلس ود شميم ومصطفى عوض والعندى حسن وشباب وعبدالرحيم حمد، ينتشون نخب ليلتهم، يتسامرون ويتحدثون فى أمور دنياهم وما جد حولهم، يتخلل حديثهم ذكريات وحكاوى شتى، فى تلك الليلة كان بينهم المبروك أحمدون، ما الذى أتى بالمبروك فى تلك الليلة أم أنه تسلل وبقى من ليلة العرس ولم يذهب؟ هو من فريق القرنداب الحلة الفوق، وقد إعتاد أن يلوذ بداره من مغرب الشمس كبهم المرعى ودجاج البوادى،، يستيغظ من دغش الرحمن كأول شهد لأستمرارية الحياة بأهلها فى تلك القرى!!
عندما تحلق أحمدون حول القوم النشاوى تحول حديثهم ومداعبتهم للمبروك، يسأله مصطفى عوض: أها يا أحمدون داير تعرس متين والله لسة ما نويت؟؟ والمبروك يتمتم ويضحك بحديث لا معنى له، وكأنه وجد مبتغاه فى العندى حسن، ظل ينظر إليه والقوم يضحكون،، هل يريد المبروك أن يخطب ود العندى والقرب منه،، لم يسعفه لسانه على النطق وورائه تتكتم صرخة كبرى أراد أن يسمعها أهل البلد كلهم وحاله يقول((( عوووووووك..... يا أهل البلد.... يا ناس الحلة.....أحمدون مكتول فى فريق العنديااااااااب...... أحمدون مكتول فى حوش العمدة))).
حال المبروك أحمدون لا يقل حالا عن الزين فى رائعة الطيب صالح( عرس الزين)، كثير من الشبه والتداخل بين هذه الشخصية الحقيقية فى أحمدون والروائية فى الزين!!
يختفى المبروك من بينهم خفية كما ظهر فجأة، ثم ينتشى ودشميم وبضحكات لا تنقصها لحظات مرح ليؤكد أن أحمدون قادر على العرس وإنجاب الزرية لو وجد من تقبل وتهتم به، يتسامر القوم فى أمر المبروك حتى يأخذ النعاس همتهم ويغطون فى ثباتهم على هدأة ليلتهم وهوائهم الطلق.
تمر الأيام بأهل البلد وهم على سجيتهم وطيبتهم وتواصلهم الحميم،، ويبقى أحمدون المبروك بينهم كتمامة فرحهم وسعادتهم وبركة لزواد حالهم وأحوالهم،، ورمزا كفنار لا يأتى ذكر البلد وإلا رجعت الذاكرة والمخيلة إليه،، إنه المبروك أحمدون ود الهمشرى.




إبراهيم سليمان أبوناجى

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى