هبة بعيرات - انت البلاد

هذا المساءُ طفلٌ تأوه جائعاً
وحنين الحاضرين حليبه
وحنين الحاضرين حضن أمه
وأنا والطفل تائهان
ربما نكون هنا الآن
ربما لا نكون
ربما نحن في البلاد
ربما نحن مع البلاد
سيصير منطقياً ما أقول لو عرفنا ما البلاد
رائحة الخبز؟ لذعة الزيتون؟ وجه فنجان القهوة؟ أمك؟ حقل الزعتر؟
لا يا صغيري
البلد يا طفلي سجنٌ أكبر

ستقول بلادي محرابي
سأقول إذن أنت الصلاة
ستقول هي أرض المقدس
سأقول إذن أنت الرسالة والنبي
ستقول إنها مشروع بقاء
سأقول إذن أنت الأبدية

أنت حرش السرو حين تجدب أرضها
وأنت لسان الصدق حين يكذب التاريخُ
وأنت لون الليلك حين يعلو سوادها
وأنت نشيد الليل حين تُمنَع الموسيقا

فتعال... تعال قلّي ما البلاد؟
سرب الفراشات؟ أنت وحدك دربها
والشهداء يحييون بعضهم ويتعارفون؟ أنت التحية والهوية والمُضيف
جسرٌ تُهفهِفُه الريح وعجائزٌ يحملن حطب الليمون للمدافئ المشتعلات؟
أنت زهر الليمون في ريعانه والعمر قبل أن يمر على عجل
والريح تحمل غيمةً وقصيدةٌ ترنمها المزارع ليس يلزمها الجسور

فتعال... تعال قلّي ما البلاد؟
ابن الجارة يلعب في الفناء؟ أنت السياج المشاع وعين المكان
غزالة أحببتها في الثانوية؟ أنت بلور الحب الشبق الشفاف
صباحات العيد ومواسم الحصاد؟ أنت الأغنيات... أنت الأغنيات

تميل عليّ وتهمس: أنمضي إلى غدنا البعيد مثقلين بالوطن متخففين من لوازمنا الوطنية؟
فأقول أنني لا أفهم
وأن الشاعري من الكلام ليس يهمني
وأني لا أؤمن إلا بلون البندق في عينيك اللوزية
وأنك حين تقول ما تقول
تضيق مساحات البنفسج والعقيدة والبلاد
ثم إنك
أنت وأنت تحمل قهرها أنت البلاد
أنت وأنت تبذر صدرها أنت البلاد
أنت وأنت تجبر كسرها أنت البلاد
أنا البلاد، أنت البلاد، نحن البلاد

تميل ثانية وتهمس: وحين نموت، تموت البلاد؟
وحين يذبل حرش السرو ويبهت لون الليلك ويصمت نشيد الليل
وحيت تضل الفراشات ويتعب الشهداء ويذبل الليمون
وحيت تمرض الأغنيات وتموت القصائد
تموت البلاد؟
ستظل هذي البلاد
أقول وتذكرنا؟
تقول: البلاد لا تنسى شعراءها
ولا فقراءها
ولا بؤساءها
البلاد لا تنسى حتى أعداءها
لأن البلاد ذاكرة


* القيت في مركز الجالية الفلسطينية الامريكية في كليفتون

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى