بطرس المعري - خليل التنح

وُلِدَ خليل طفل خديج، وكان رأسه عند الولادة كبير جداً. قالت القابلة لوالدته حينها: "يا لطيف! لعمري لم أسحب وليداً مثل ابنك هذا. رأسه كبير كرأس الثور!".
في السادسة من عمره دخل خليل المدرسة الابتدائية، لكنّه هرب من اليوم الأول بحجة أن المعلمة، حين دخل التلاميذ غرفة الصف، ربتت على رأسه هو دون غيره. قال لها: "يا بنت الكلب" ثم ولّى هارباً إلى مزرعة جده بعد أن رفسها بقدمه. كان جده يدخن سيجارته، وعندما عرف بالأمر ذهب وتمدد تحت شجرة التوت. نال خليل حين عاد مساءً إلى البيت صفعة من والده، أما أمه فقد ذهبت صباح الغد إلى المدرسة لتعتذر عن فعلة أبنها. قالت لها المعلمة أن ابنها قليل الأدب ويستأهل الضرب.
وعندما صار خليل في المرحلة الثانوية، هرب من المدرسة قبل أن ينهي يومه الأول فيها. فعندما رسم أستاذ الجغرافية خريطة البلد قال له خليل أن هذه الخريطة غير مرسومة بدقة، فرد عليه الأستاذ بأن قال له: "اخرس يا أبو راس". حينها، خرج خليل من وراء طاولته وقذف الأستاذ بحقيبته المدرسية ثم ولّى إلى مزرعة جده، فلم يلقه هناك. تبول الشاب فرسم خريطة على التراب ببوله الحار. تلقى خليل مساء ذلك اليوم صفعة من أبيه، كما ذهبت أمه في اليوم التالي تلتمس المعذرة من أستاذ التاريخ والجغرافية.
بعد أن نال خليل الشهادة الثانوية نزل إلى المدينة ليدرس في جامعتها. ومع دخوله الجامعة، بدأ لسانه يأخذ طولاً زائداً عن الحد الطبيعي، كذلك ابيضّ شعره، فصاحب رفاق السوء. قلنا لخليل حينها: دعك من صحبة هؤلاء لكن خليل ذو الرأس الكبير لم يصغ لكلامنا. وزج خليل في السجن إثر مشاجرة في حديقة كلية الحقوق تسبب فيها بائع أوراق اليانصيب.
في اليوم الأول من السجن، حاول خليل الهرب من باحة السجن لأن القمل كاد أن يأكل رأسه لكنه لم ينجح في الهرب. أمسك الحراس به وأخذوه إلى مدير السجن الذي أمر برفعه فلقة. لم يأبه خليل للعقاب بل مدّ لسانه وخرج.
لم يأخذ السام من خليل وهو في السجن، فقد كان يقيم حفلات السمر مع السجناء فيرسل لسانه إلى الأسفل فيمسح به ذقنه أو يصعد به إلى الأعلى فيلمس طرف انفه. كان الجميع يغرقون في الضحك. وما لبث لسان خليل أن امتد حتى وصل باب مدير السجن، الأمر الذي أرعب الجميع. استدعاه المدير وسأله عن حكاية لسانه الطويل، فمدّ خليل لسانه ولعق به وجه المدير. قال له هذا الأخير: تأدب يا تافه! وتابع أسئلته حول المشاجرة ولم ضرب بائع أوراق اليانصيب. سئم خليل من تكرار هذا الأسئلة فأخرج لسانه مرة أخرى ولعق به رأس المدير الذي صرخ في وجهه: "العمى شو إنك أبو راس". حينها أخرج خليل لسانه مرة ثالثة وخنق به المدير. فجاؤوا بمدير آخر، لكن خليل خنقه أيضاً فجاء سيّاف يدعى الأخطبوط وقطع رأس خليل الكبير، وجاء للتو حراس كثر وأمسكوا بالرأس ووضعوه في صندوق وأقفلوها بسبعة أقفال ثم رموا الصندوق في البحر.
اليوم، صدقني، لو رأيته لن تعرفه. لقد تغير كثيراً، وجهه ولون شعره حتى أنّه صار يلبس الآن قبعة تحميه من برد الشتاء. ابتسامته تظل رائعة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى