قصة ايروتيكة جورج سلوم - الهاتف الغبي

صوته عبر مسماع الهاتف يثيرها ..كلمة واحدة ..ذبذبة من ذبذبات صوته ..أنفاسه بدون كلام ..كلها تبعث فيها قشعريرة غريبة

ولا يحدث ذلك لو واجَهَتْه ..على العكس من ذلك ..تحب أن يكون لقاؤهما مقتضباً ..مختصراً ..بل ومبتوراً ..لا تريد أن تلتقي عيناها بعينيه ..ولا أن تحسَّ بحرارة أنفاسه قريبة منها ..كأنها ستصيح به ..تنهره ..(أن ابتعد عني الآن ..وكلّمني هاتفياً )

وفي الموعد المحدد – يلتزم به – تكون مستعدة ..مستلقية على فراشها ..وباب غرفتها مُقفل ..وتنتظر

رنة هاتفه تعرفها ..يتسرّع نبضها لإيقاعِ تلك الرنة ..وأول كلمة تجعلها تغرق في أحاسيسَ غريبة ..ثم يستمرّ بكلامٍ لا معنى له ..ولا تجيب على تساؤلاته ..يستمر بثرثرته ..وهي في عالمٍ آخر

تسترخي ..تستسلم ..وتستمتع ..نشوةٌ تنام بعدها قريرة العين

قد تحلم ..وقد لا تحلم ..لكنها في الصباح تكون سعيدة ..ولا تدري لماذا..وحتى أمها ربطت قضية الباب المقفول مساء بسعادة الصباح ..الريبة ربطت لسانها ..وأصابعها توجّست أمراً ما ..وبقرارة نفسها أخذت قراراً بأنها يجب أن تزوّجها لأول طارق ٍ ..ولو كان ابن زياد !

تحبُّ أن تسمعَ اسمها يلفظه بطريقته الخاصة ..وكأنه يسحبها من بين الجموع فتعود إليه ..كأنه يناديها ولابد أن تمتثل لأمره

ثم أصبحت تدقق في فحوى كلماته ..يتغزّل بها فتزداد إثارتها

قال إنه شاهدها من بعيد وكانت ترتدي ثوباً جميلاً ..فصارت ترتديه كل يوم

ثم سار خلفها مرة ..وقال بصوت مسموع ..أنها تخطو بخفة ورشاقة كالغزالة ..تطير كالفراشة ..فحافظت على تلك المشية

وأن رائحة عطرها تقتله ..فأسرفت في تلك الرائحة

لكنها لا تريد أن تواجهه ..لا تحب أن تلتقي عيونهما ..فذلك يوقف تلك الأحاسيس اللذيذة

ثم أصبح يقودها هاتفياً ..يحرّكها ..كمخرجٍ سينمائي يحرّك بطلته من وراء الكواليس ..فتمتثل لأوامره بحذافيرها .. والمسرحية بدون نص أو كلمات تقولها الممثلة ..هي مسرحية إيمائية إيحائية ..تجسّدها ممثلة واحدة في كل فصولها..وكل يومٍ فصلٌ جديد ..والبطلة تطلب المزيد ..عزفٌ منفردٌ بإيقاعٍ فريد

وعبر الهاتف ..يصف الحدث ..وهي تنفذ الأوامر كالجارية يأمرها الخليفة ..قال:

-باب الغرفة مقفول ..والإضاءة خافتة..لا تدعي أحداً يراكِ حتى المرآة ..تشتتكِ ..تبعثر انتباهك وتركيزك ..كوني معي بكلّيتك

وهذا ما حصل في المشهد الأول ..وأسدلت الستارة على ليلةٍ حالمة



في المشهد الثاني وبنفس الموعد ..قال :

-شعركِ الطويل ..مقيّد ومكبل ..منطوٍ على نفسه ..يسأل عن حريته ..دعي خصلاته تتهاوى على كتفيك ..دعيه يسقط سقوطاً حراً ..يريد أن يقبّلهما ..يغطيهما ..انتبهي يريد كتفيك مكشوفتين ..عاريتين ..تماماً أحسنتِ صنعاً ..والآن هزي رأسك بحركة هستيرية ودعي شعراتك الطويلة تتهدل فوق الكتفين ..أصبحتِ امرأة غجرية ..



كانت تقطع الاتصال عندما تبدأ الشحنات الكهربائية تسري في أوصالها ..وينتهي المشهد وتسدل الستارة في تلك الليلة .

أما المشهد الذي يليه ..فكان ينطلق من النقطة التي وصلا إليها في الليلة السابقة ..وكان الشعر مفروداً على كتفين عاريتين ..قال:

-اليوم سنزيل التشنج من ساقيك ..رأيتهما خفيفتان رشيقتان في الشارع ..لكنهما في السرير خجولتان ..والأمر يتطلب استرخاء ..هما في الطريق متصلبتان تطرقان الأرض كمشية الجنود في استعراض عسكري ..لكنهما في السرير تشكلان قوساً للنصر يمر الجنود تحته ممتشقين أعلام الظفر ..دعي سماعة الهاتف تلامسهما صعوداً ...أنا أسمع الآن نبض أصابع قدميك ..وهذا كعبك الغض وهذا كاحلك الطري ..نعم ..نعم اصعدي بالسماعة أكثر ..بدأت أحس بحرارة ركبتيك



وفعلاً كان الأمر كافياً لتقطع الاتصال ..اكتشفت تلك الليلة أن ساقها لها وظائف أخرى غير الصعود إلى الدرج ..إنها تصعد بها إلى عوالم أخرى جديدة

تلك المشاهد المسرحية ..صارت متتالية ومتوالية ..ويمكن تكرار بعضها حسب ما يرى المخرج والممثلة ..وسماعة الهاتف صارت كمجسٍّ يمسح الأعضاء المُراد فحصها ..كما يفعل الطبيب الشعاعي بجهاز الأمواج فوق الصوتية ..ذلك المجسّ (لمن لا يعلم كنهه)..يرسل شعاعاً فوق صوتي يرتطم بالأنسجة ويعود ليتلقاه راسماً صورة على شاشة رقمية ..والطبيب يضع مادة هلامية تحت المجس لسهولة انزلاقه وتخفيف التشويش الناجم عن الاحتكاك وعن الفراغات الهوائية ..فيلتصق تماماً بجدار البطن ..يرسل ويستقبل ..وأحياناً يعالج !

هنا لا داعٍ لذلك الهلام المزلّق ..فجسدها في كل مشهد ينضح بما فيه ..في إغراقاتٍ عاطفية تاهت في مجاهلها ..وبواطنها السحرية

تقدمت فصول المسرحية ..وتعقدت حبكتها الدرامية ..لكن خاتمتها كانت مؤثرة ..إذ صال الهاتف وجال ..صولات وجولات ..وأصبح ينتهي الاتصال بدموعٍ باردة ..



الباب المقفول هتكت حرمته أمها ..وقطعت ذلك المسلسل الهاتفي عندما فرضت عليها زوجاً جاهزاً لكل طلباتها ..لفت انتباهه هاتفها الجوال القديم ..إنه صغير الحجم ..يتكلم فقط ويسمع ..لا يصور ولا يرسل مقاطع سينمائية ..متخلّف ورجعيّ !

قال متفاخراَ بهاتفٍ كبير وعصريّ يحمله لها كهدية :

-دعكِ من ذلك الهاتف الصغير الغبي ..أصبحت الهواتف الحديثة ذكية



كانت ستسخر منه ومن هاتفه الكبير ..كبلاطة صخرية ثقيلة وخالية من الإحساس ..لكنها تقبّلت الهدية شاكرة (فهو زوجها على كل حال)..

لم ولن تتلف الهاتف الصغير الغبي ..ومازالت أحياناً تتلقى بواسطته اتصالات سحرية ..عندما يغيب صاحب الهاتف الذكي

د.جورج سلوم

************************

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى