رسائل الأدباء : رسالة من أحمد الشرباصي من علماء الأزهر إلى علي الطنطاوي

19 - 11 - 1945

إلى الأستاذ علي الطنطاوي

تفضلت أيها الأخ الكريم فكتبت كلمة جريئة موفقة في نقد (النشيد السوري)؛ وقد أعجبني هذا الشعور الوطني الجميل الذي يدعوك إلى أن تجدد للوطن أناشيده وأهازيجه كما تجددت فيه روح الحرية والاستقلال، ولكني لاحظت أنك عندما تعرضت لنقد هذين البيتين:

حماة الديار ... عليكم السلام

أبت أن تذل ... النفوس الكرام

قد قلت: (ثم هذا السلام المنكرَّ، من منكر القول، وهو بلهجة أروام الإسكندرية وأرناؤوط الشام أشبه، وليس يليق بهذا المكان، ولا محل له في البلاغة). . . قرأت هذه الفقرة من حديثك فتوقفت، وتفكرت، فذكرت أن قول الشاعر (عليكم السلام) تعبير بليغ لا غبار عليه، وقد اقتدى فيه صاحبه بالقران الكريم - المثل الأعلى لكل بليغ - ففي سورة هود (ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى، وقالوا سلاماً، قال سلام) وفي سورة الذاريات: (هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين، إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً، قال: سلام). ولا شك أن إبراهيم قد أراد أن يكون جوابه أبلغ من تحية الملائكة، اقتداء بأمر الحق تبارك وتعالى: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها) فاستعمل الاسم المرفوع الدال على الدوام والثبوت؛ ولذلك نرى الإمام جار الله الزمخشرى حينما تعرض لتفسير آية الذاريات السابقة القول (م 4 ص 29 الكشاف): (سلاماً) مصدر ساد مسد الفعل، مستغنى به عنه، وأصله نسلم عليكم سلاماً؛ وأما (سلام) فمعدول به إلى الرفع على الابتداء، وخبره محذوف معناه عليكم سلام، للدلالة على ثبات السلام كأنه قصد أن يحيهم بأحسن مما حيوه به، أخذا بأدب الله تعالى، وهذا أيضاً من إكرامه لهم)!. . .

ومن هذا يتضح للأخ المفضال أن تعبيره السابق عربي قرآني بليغ، ولولا أن نقد الأستاذ لتعبير الشاعر يمس تعبير القران الكريم من قريب أو من بعيد لما قوى الداعي الذي دعاني إلى توجيه هذا الحديث، وجل المتعالي عن النسيان!

أحمد الشرباصي
من علماء الأزهر الشريف

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى